نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مقالا للصحفي "بريت ستيفنز"، سلط فيه الضوء على ما قال إنه "دمار عميق غير مرئي" تركه الرئيس دونالد ترامب "لدى الجميع" في الولايات المتحدة.
ولفت "ستيفنز" في مقاله الذي ترجمته "عربي21" إلى أن الرئيس السابق، باراك أوباما، دعا مجموعة صغيرة من الكتاب المحافظين، وجميعهم غير مؤيدين لترامب، قبل أيام من مغادرته البيت الأبيض.
ووصف الكاتب أجواء الاجتماع بأنها كانت "مظلمة"، فقد كان أوباما "قلقا بشأن مستقبل الحزب الجمهوري، وكنا كذلك قلقين بشأن المستقبل نفسه"، وهو ما بلغ حد إعراب أحد المدعوين عن تخوف من "حرب نووية" بسبب ترامب.
ويقول الكاتب: "بعد ما يقرب من أربع سنوات، تجدر بنا مقارنة ما تم توقعه بشأن إدارة ترامب مقابل ما حدث بالفعل".
ومن بين تلك التوقعات، بحسبه، أن سوق الأسهم لن يتعافى أبدا، وأن أمريكا ستتورط بحرب مع كوريا الشمالية أو إيران، وسيتم تكميم أفواه الصحافة الحرة، وسيحكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الأمريكي من خلال الابتزاز، وسيقوم القضاة المعينون من قبل ترامب بتفكيك سيادة القانون وإلغاء حكم الانتخابات، وبأن الأخير لن يترك منصبه أبدا.
لم يحدث شيء من هذا، يضيف الكاتب، ولم يحدث شيء سيء لدرجة أنه لا يمكن للمحاكم إيقافه (مثل محاولته إنهاء برنامج القرار المؤجل للأطفال المهاجرين)، أو أن يعجز الكونغرس عن منعه (كرغبته بتخفيف العقوبات على روسيا)، أو حتى أتباعه (مثل جهوده لسحب القوات الأمريكية من سوريا)، أو أن تعجز الصحافة عن كشفه (مثل سياسة فصل الأطفال عن ذويهم المهاجرين)، أو ألا يصححه موظفو الخدمة المدنية (معلوماته الخاطئة عن فيروس كورونا)، أو أن يعجز الناخبون عن رفضه (رئاسته) أو حتى القضاة الذين عينهم هو (طعونه الانتخابية).
كل هذا أقنع العديد من الزملاء المحافظين، بمن فيهم أولئك الذين كانوا في البداية معادين لترامب، بأن هناك أكثر من مجرد لمسة من التشوش لدى من يعارضونه؛ مزيج من الكراهية المبررة للرجل وسلوكه ومخاوف غير مبررة من عواقب حكمه.
فترامب، كما يرونه، وفق الكاتب، لم يكن موسوليني الثاني، لقد كان في الغالب مجرد آرتشي بانكر الثاني [شخصية خيالية في مسلسل كوميدي أمريكي]، وهو شخص قوي تم حصره بسهولة داخل الزوايا الأربع لنظامنا الدستوري.
اقرأ أيضا: نيويوركر: ترامب لم يعد وحيدا في حربه على ديمقراطية أمريكا
ولكن كارثة رئاسة ترامب لا تكمن أساسا في الضرر المرئي الذي أحدثته، بل في الضرر غير المرئي، بحسب "ستيفنز"، معتبرا أن ترامب كان "مسببا للتآكل، وبشكل أساسي للثقة الاجتماعية، وهي العنصر الأكثر أهمية في أي مجتمع ناجح".
وتابع الكاتب: "ذكرني بهذا مرة أخرى عندما قرأت مقالا استثنائيا في صحيفة واشنطن بوست بقلم وزير الخارجية الأسبق جورج شولتز، الذي أتم عامه المائة يوم الأحد. لقد كان درسه المركزي بعد حياته التي امتدت حتى الخدمة القتالية في الحرب العالمية الثانية، والنزاعات العمالية في مصانع الصلب، وإنهاء الفصل [العنصري] والتصالح مع السوفييت، هو: الثقة هي عملة العالم".
وكتب شولتز في مقاله: "طالما وجدت الثقة في الغرفة، أيا كانت: غرفة العائلة، أو المدرسة، أو غرفة تبديل الملابس، وغرفة مكتب أو حكومة أو جيش، فإن أشياء جيدة تحدث، والعكس هو الصحيح عندما تغير الثقة، وكل ما دون ذلك مجرد تفاصيل".
ما يشهد عليه شولتز من التجربة الشخصية موثق به على نطاق واسع، بحسب "ستيفنز". وبالفعل، في المجتمعات عالية الثقة، مثلا كندا أو السويد، يميل الناس إلى الازدهار، والعكس يحدث في المجتمعات منخفضة الثقة، مثل لبنان أو البرازيل.
ويتابع الكاتب بالقول إن رئاسة ترامب ليست السبب الوحيد لتراجع ثقة الأمريكيين بمؤسساتهم، لكنها شكلت تتويجا لهذا التدهور.
ويضيف: "من الصعب التفكير في أي شخص في حياتي يجسد تماما سياسات عدم الثقة، أو يروج لها بقوة (أكثر من ترامب). لقد علم خصومه ألا يصدقوا أي كلمة يقولها، وعلم أتباعه ألا يصدقوا أي كلمة يقولها أي شخص آخر، وعلم الكثير من بقية البلاد ألا يصدقوا أحدا ولا شيء على الإطلاق.
لقد فجر قنبلة تحت الأسس المعرفية لحضارة غير قادرة بشكل متزايد على التمييز بين الحقائق والأكاذيب والأدلة والخيال. لقد أوعز إلى عشرات الملايين من الناس أن يقبلوا الوصية: ما يمكنك الإفلات به فهو صحيح".
وقد يقول المدافعون عن هذا الرئيس، مرة أخرى، إن هنالك أيضا أمثلة على هذا الشكل من السياسة في الجانب الآخر، ولا سيما في شخص بيل كلينتون، وهذا صحيح، بحسب الكاتب، لكن هذا يدفع المرء فقط للتساؤل عن سبب انقلاب هذا العدد الكبير من المحافظين الذين اعترضوا بشدة على كلينتون لأسباب أخلاقية، وتوجههم اليوم لدعم ترامب، "بالرغم من عدم وجود أسس أخلاقية".
قد يستغرق الأمر عقودا حتى يدرك الأمريكيون أثر الضرر الذي أحدثه ترامب في السنوات الأربع الماضية، وكيفية الشروع في إصلاحه.
والخبر السار، بحسب "ستيفنز"، هو أن الحرب النووية لم تقع، أما الخبر السيء: انفجار نوع مختلف من النشاط الإشعاعي الذي يدمر ثقتنا بالمؤسسات، أولا، وبالآخرين، ثانيا، بل وبأنفسنا، ثالثا.
فورين أفيرز: مؤتمر بايدن للديمقراطية "ليس هو العلاج المطلوب"
WP: فريق بايدن يهدف لعكس السياسات التي غذت صعود ترامب
كيف يتعمد ترامب أن يجعل الأمور أسوأ لحكومة بايدن؟