ما زال المجتمع الدولي يترقب
التصورات التي تحملها إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب حيال الأزمات والملفات
الساخنة التي تعقدت بشكل كبير في عهد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد
ترامب.
الجميع يترقب؛ لأن الرئيس
ترامب وضعهم على صفيح ساخن وأعاد تسخينه عندما فشل في الانتخابات الرئاسية لولاية
ثانية متوعدا بالهجوم على هذا الطرف أو ذاك وكأنه يريد الانتقام من منافسه ليس في
صناديق الاقتراع حيث فشل؛ وإنما في هذه الملفات التي أراد لها أن تسير وفق تصوراته
وبرامجه وخططه التي وضع أسسها مع فريقه في البيت الأبيض.
لا يوجد يقين في آلية تحرك إدارة الرئيس الأمريكي
المنتخب، وما هي الأولويات في سياستها الخارجية؟ وهل العراق في هذه الأولويات أم
لا ؟.
العراق كان احد الملفات المهمة الغائبة عن
سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية على عكس الانتخابات السابقة التي كان حاضرا
فيها منذ العام 2003 باعتباره الملف المهم للولايات المتحدة والذي عكسه التواجد
الكثيف للدبلوماسيين الأمريكيين في السفارة الأمريكية ببغداد التي تعد اكبر سفارة
من بين السفارات الأمريكية المنتشرة في أرجاء المعمورة. ربما يشار إلى وجود ملفات
اكثر حساسية للإدارة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط من الملف العراقي،
كالاتفاق النووي الإيراني والملف الإسرائيلي بمحدداته وتطوراته الجديدة؛ لكن
الواقع أن الملف العراقي ليس بعيدا باي حال من الأحوال عن بقية الملفات؛ لأن
تداعيات هذه الملفات تنعكس بشكل أو باخر على الأوضاع والتطورات السياسية
والاقتصادية والأمنية. يجب أن نتذكر أن الرئيس ترامب عندما قرر الانسحاب من منطقة
الشرق الأوسط ورفع شعار « أمريكا أولا » فإنه فتح قناة لإسرائيل ليكون لها اليد
الطولى في معالجة ملفات الشرق الأوسط على المقاسات الإسرائيلية؛ والعراق ليس
مستثنى من هذه السياسة؛ لكن تعقيد الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في العراق
ربما ابعده بعض الشيء عن الفعل الإسرائيلي المباشر والضغوط التي مارسها وزير
الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومستشار الرئيس جاريد كوشنر بالاتجاهين الإيراني والإسرائيلي.
المصادر الأمريكية تتحدث عن نهج جديد، إذ
تحاول إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب إعادة « هيكلة السياسة الأمريكية في العراق »
عبر تفضيل الحلول السياسية على الحلول العسكرية والتعامل مع الحالة العراقية
باستقلال جزئي عن الحالة الإيرانية.
من الصعب تصور استبعاد العراق من السياسات الأمريكية
في ظل العوامل الجيوسياسية والجيوستراتيجية ومنح هذه المسؤولية لأطراف أخرى سواء إقليمية
أو أجنبية؛ ربما مرّ العراق بظروف خاصة في عهد الرئيس ترامب لكن المعلومات المسربة
من واشنطن تتحدث عن عدم رغبة إدارة الرئيس بايدن بالاستمرار في ذات السياسة التي
سارت عليها إدارة الرئيس ترامب سواء في العراق أو المنطقة.
الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن زار العراق
خلال الفترة 2010 – 2012؛ 24 مرة والتقى معظم الزعماء والمسؤولين العراقيين وبذلك
فهو يملك تصورا واضحا عن الأوضاع والتطورات في العراق؛ مع العلم انه صاحب المشروع
الذي طرحه عام 2006 بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم إلى جانب إقليم العاصمة بغداد.
دبلوماسي أوروبي تحدث عن مآلات الفعل السياسي الأمريكي
في عهد الرئيس المنتخب جو بايدن بشان العراق استنادا إلى متبنيات الفريق المنتخب
للرئيس الأمريكي بمن في ذلك وزير الخارجية أنتوني بلينكن؛ ومستشاره للأمن القومي
جايك سوليفان.
الدبلوماسي الأوروبي يعتقد بان الاثنين بلينكن
وسوليفان يعلمان جيدا أن معضلة الأمن والإرهاب ما زالت تنخر في الجسم العراقي ومن
الضروري العمل على إنهاء هذا الملف وتعزيز قدرة الحكومة العراقية من اجل بسط
نفوذها وسيطرتها على جميع المناطق العراقية.
ورأى هذا الدبلوماسي الذي خدم في واشنطن ويعد
من المهتمين بالسياسة الأمريكية في المنطقة أن الإدارة الأمريكية المنتخبة تسعى إلى
فصل الملفين الإيراني والعراقي وبالتالي لا تريد ربط الملف العراقي بتطورات الملف الإيراني؛ مع اعتقادها بان حل الملف الإيراني سيسهم كثيرا في تعزيز الأمن والاستقرار ليس
في العراق فحسب وإنما في عدد من المناطق في الشرق الأوسط، وهذا بدوره سيؤدي إلى إعادة
صياغة القوات العراقية بما في ذلك الحشد الشعبي الذي اصبح تحت قيادة الحكومة
العراقية بقرار من مجلس النواب. لكن الدبلوماسي الأوروبي يرى أن فوز الرئيس بايدن
قد يسبب انقساما داخل المجتمع العراقي بسبب تخوف بعض الأوساط العراقية من مغبة
تحسن العلاقات الإيرانية الأمريكية وانعكاس ذلك على التطورات في العراق بما لا
يخدم مصالح هذه الأوساط.
وختم الدبلوماسي الأوروبي الاعتقاد بان إدارة
الرئيس بايدن ستسعى إلى صياغة نهج جديد للولايات المتحدة في العراق، يستند إلى
تصورات كان يحملها الرئيس بايدن منذ أن كان في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما
مع الأخذ بنظر الاعتبار الأولويات السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية من
دون استبعاد الواقعية السياسية العراقية التي تختلف عن تلك التي كانت في عهد
الرئيس باراك أوباما.