رغم مقتل خمسة منهم وإصابة أكثر من ستين آخرين، الجمعة، يصر المحتجون العراقيون في "ساحة الحبوبي" بمدينة الناصرية، على مواصلة احتجاجاتهم، بعد أكثر من عام على نصب خيامهم في الساحة.
وتشير أصابع الاتهام
إلى مسؤولية مسلحين تابعين للتيار الصدري عن إطلاق نار وقنابل حارقة على المحتجين
وإحراق عدد من خيامهم، وسقوط القتلى والمصابين، وفق تقارير.
وجاءت الاشتباكات بين
أنصار التيار الصدري والمحتجين على خلفية منع الأخيرين عشرات من مسلحي التيار من
الدخول إلى الساحة بالناصرية، مركز محافظة ذي قار جنوب العاصمة بغداد.
وتعيش "ساحة
الحبوبي" حالة من عدم الاستقرار بسبب توترات سابقة شهدتها في آب/ أغسطس الماضي، بين المعتصمين وأنصار التيار الصدري.
واتخذ رئيس الحكومة
مصطفى الكاظمي، سلسلة من الإجراءات لاحتواء الموقف، ومنع خروج الاشتباكات بين
مسلحي التيار الصدري والمحتجين عن السيطرة.
وأعلنت السلطات المحلية
حظرا للتجوال في الناصرية، ومنع حمل السلاح غير المرخص، وإقالة مدير شرطة المحافظة
وتعيين قائد جديد، وتشكيل فريق خلية أزمة لإدارة الطوارئ من كبار المسؤولين
الأمنيين، برئاسة مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، بصلاحيات إدارية ومالية
وأمنية، لحماية المحتجين السلميين ومؤسسات الدولة والممتلكات الخاصة.
لكن المحتجين في
الناصرية رددوا شعارات غاضبة من الكاظمي، مطالبين إياه بالاستقالة من المنصب الذي
يتولاه منذ 7 أيار/ مايو الماضي، خلفا لحكومة عادل عبد المهدي، التي أسقطها
المحتجون في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.
وتشير وسائل إعلام
محلية إلى أن بغداد أرسلت تعزيزات من الشرطة إلى الناصرية.
وأصدرت بعثة الأمم
المتحدة في العراق وسفارات أجنبية، بينها الأمريكية، بيانات طالبت الحكومة بحماية
المحتجين ومحاسبة المسؤولين عن سقوط القتلى.
واستجابة لدعوات أطلقها
مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، فقد احتشد عشرات آلاف المتظاهرين، الجمعة، في
"ساحة التحرير" ببغداد وفي محافظات أخرى جنوب العراق، لإظهار جماهيرية
التيار، تمهيدا لانتخابات برلمانية مبكرة متوقعة في 6 حزيران/ يونيو القادم.
وشملت تظاهرات أنصار
التيار الصدري بغداد ومعظم المدن الكبرى في محافظات وسط وجنوب البلاد، باستثناء
محافظتي كربلاء والنجف (جنوبا).
ويرى مراقبون أن دعوة
الصدر إلى تظاهرات الجمعة تمثل بداية مبكرة لحملته الانتخابية للفوز برئاسة
الحكومة المقبلة.
وأيد التيار الصدري
ورئيسه الاحتجاجات الشعبية فور انطلاقها مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2019، لكنه عاد
عن موقفه بعد خلافات حادة في ساحة التحرير ببغداد، على خلفية محاولات التيار تصدر
مشهد الاحتجاجات والتحدث باسمها..
وهو ما يرفضه المحتجون
الذين يرون التيار الصدري جزءا فاعلا وأساسيا في العملية السياسية وله ممثلون في
مجلس النواب ووزراء في حكومة عبد المهدي التي كانوا آنذاك يطالبون بإسقاطها، وهو
ما حدث بالفعل.
ولا تعول القوى الفاعلة
في ساحات الاحتجاج على مواقف رئيس التيار الصدري المؤيدة للحراك الجماهيري.
وأخذت مجموعات
"القبعات الزرق"، التابعة للتيار الصدري، مساحة مهمة من الحراك
الجماهيري في ساحة التحرير وبؤر الاحتجاجات الأخرى في البصرة وذي قار وغيرهما.
ويتهم ناشطون هذه
المجموعات بمطاردة المحتجين المناهضين للتيار الصدري وطعنهم بسكاكين وأسلحة أخرى،
لقمع الاحتجاجات والسيطرة على ساحات التظاهر في بغداد والمحافظات الأخرى.
وتشير بيانات وتصريحات
للتيار الصدري وكبار قيادييه في كتلة "سائرون" إلى عزم التيار على المشاركة
المكثفة في الانتخابات القادمة للفوز بأغلبية مجلس النواب، من أجل رئاسة وتشكيل
الحكومة المقبلة لأربع سنوات قادمة.
وتتمتع كتلة
"سائرون"، التي يقودها الصدر، بنفوذ واضح داخل مجلس النواب، وهي كتلة سياسية
تتبنى خطابا وطنيا يدعو إلى إخراج القوات الأجنبية من العراق بالطرق الدبلوماسية.
ولا يخفي الصدر، الذي
أعلن مرارا اعتزاله العمل السياسي، رغبته في أن يكون رئيس الوزراء المقبل من أعضاء
التيار.
وعلى لسان الخطيب، خضير
الأنصاري، عبر التيار الصدري، الجمعة، عن رغبته بالدفاع عن حقوق العراقيين
والإصلاح تحت قبة مجلس نواب بأغلبية "صدرية"، وإصلاح رئاسة الوزراء، كي
تعيد للدولة العراقية هيبتها واستقلالها وسيادتها.
وتناقلت وسائل إعلام
محلية تهديدا "مبطنا" أطلقه الصدر بعد يوم من أحداث "ساحة
الحبوبي"، نصح فيه المعتصمين بالعودة إلى منازلهم.
ويرى متابعون أن الصدر
يعتزم استباق أي تحركات لتيارات أو كتل سياسية للتهيئة للانتخابات المبكرة،
والاستحواذ على الحراك الجماهيري المستمر.
تصاعد حدة التوترات بين
محتجين مناهضين لسياسات حكومة الكاظمي من جهة وأنصار التيار الصدري من جهة أخرى يضع
الكاظمي أمام تحديات جديدة في سياسته الساعية لإضعاف المجموعات الشيعية المسلحة
الحليفة لإيران.
وتعاني حكومة الكاظمي
من تحديات، منها احتمال تطور التوترات بين المحتجين والتيار الصدري إلى مواجهات
مفتوحة في بلد يشيع فيه انتشار السلاح واستخدامه من دون ضوابط.
ويمكن لمثل هذه
المواجهات أن تدفع القوات الأمنية إلى التدخل، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام تحول
المشهد إلى حرب أهلية داخل المكون الشيعي.
وتجد الحكومة نفسها في
مواجهة أزمات متراكمة، معظمها اقتصادية وأمنية.
وفي ظل الانخفاض الحاد
في إيرادات الدولة، التي تعتمد على الإيرادات النفطية بنسبة تتعدى الـ90 بالمئة، فإن
احتمال عدم قدرة الدولة على دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين والعاملين فيها يبدو
أمرا واردا؛ بسبب تراجع أسعار النفط في السوق العالمية وتداعيات جائحة
"كورونا" على الاقتصاد العالمي، ومن بينه الاقتصاد العراقي.
كما أن العراق قد يكون
ساحة لتصفية حسابات إيرانية مع الولايات المتحدة بعد اغتيال العالم النووي
الإيراني محسن فخري زادة، في العاصمة طهران الجمعة، وتهديدات قادة الجيش والحرس
الثوري والمرشد الأعلى الإيراني بالانتقام من المسؤولين عن اغتياله.
وتتحدث إيران عن مؤشرات
تدل على وقوف إسرائيل وراء اغتيال فخري زادة، واستهداف منشأة نطنز النووية
الإيرانية، قبل أسابيع.
ويسود اعتقاد بأن
التيار الصدري "المسيّس"، الممثل بكتلة "سائرون" برئاسة
الصدر، خسر الكثير من جماهيريته بعد حوادث قمع متتالية للمحتجين، وأحدثها ما جرى
في ساحة الحبوبي بالناصرية.
وهو وضع يدفع إلى
الاعتقاد بأن حظوظ التيار الصدري في قيادة المرحلة القادمة بعد الانتخابات
المبكرة، تراجعت إلى مستويات متدنية، وهو ما يصب في مصلحة القوى الشيعية المنافسة
الأخرى، التي لم تتحرك جديا لتخفيف حدة التوترات بين المحتجين وأنصار التيار الصدري.
اقرأ أيضا: انتشار أمني بالناصرية في العراق عقب أعمال عنف دامية
تحذيرات من خطورة سن قانون "جرائم المعلوماتية" بالعراق
طالب بها الصدر.. هذه فرص "التيار" برئاسة حكومة العراق
"أخطر من أمريكا".. لماذا هاجم الخزعلي تركيا بهذا الوقت؟