خلال الأسبوع الثاني من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، نُشر خبر مهم عن العلاقات الروسية- السودانية لكنّه لم يلق الاهتمام الكافي على ما يبدو بسبب التطورات الدولية والملفات المشتعلة على أكثر من جبهة لعل أهمّها فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتّحدة ورفض ترامب الإقرار بالهزيمة، بالإضافة إلى التطبيع الجاري بين السودان وإسرائيل مقابل رفع اسم السودان من لائحة دعم الإرهاب والعقوبات الأمريكية.
يقول الخبر إنّ رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين وافق على مسودة اتفاق مُقدّمة من وزارة الدفاع، ونُشرت على موقع الحكومة الروسية، تسمح بإنشاء قاعدة عسكرية بحرية روسية في السودان. وبعدها بعدّة أيام فقط، صادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على المرسوم مفتتحاً بذلك حقبة جديدة من التواجد الروسي في إفريقيا.
يسمح الاتفاق الذي تمّ بشكل مسبق مع السلطات السودانية لموسكو بإنشاء مركز لوجستي للبحرية الروسية في السودان يستطيع أن يؤوي حوالي 300 عنصر روسي، ويمكن له أيضاً التعامل مع سفن مزودة بتجهيزات نووية. ووفقاً لنص الاتفاق، ستساهم القاعدة في الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، ولن تستخدم في أغراض هجومية ضد الدول الأخرى.
وبالرغم من أنّ صيغة الاتفاق تقلل من أهمّية القاعدة عندما تصفها بالمركز اللوجستي الذي يمكن استخدامه في الإصلاحات والتزويد بالوقود واستراحة أفراد وطواقم السفن البحرية الروسية التي تعبر المنطقة، إلاّ أنّ أهميّتها تنبع بشكل أساسي من أمرين: الأوّل العامل الجيوبوليتيكي الذي سيسمح بتمدد موسكو عسكرياً في إفريقيا وفي مياه البحر الأحمر بعد أن نجحت في وضع قدم لها في المتوسط وشمال أفريقيا عبر سوريا وليبيا. أمّا الأمر الثاني، فهو أنّ الهدف منها على ما يبدو الاستعداد لدور طويل الأمد بدلاً من التركيز على الأهداف القصيرة المدى حيث تشير الاتفاقية إلى إمكانية تمديد لـ 25 سنة تليا العشر سنوات.
عدم وجود أي ردود فعل دولية على حدث بهذا المستوى هو أمر مثيرٌ للاهتمام. لماذا اختار السودانيون روسيا؟ وهل بإمكان الولايات المتّحدة إيقاف هذه العملية؟ وماذا عن الدول المحيطة والدول العربية وإسرائيل؟ هناك من يرجع أصل فكرة الاتفاقية إلى جهود الرئيس السوداني المعزول عمر البشير للاستعانة بحلفاء في مواجهة أمريكا ويعود أحدثها إلى العام 2017 عندما قدّم البشير طلباً مشابها لروسيا أثناء تواجده فيها خلال زيارة رسمية. وهناك من يرجعها أيضا إلى العام 2019، حيث وقّع الطرفان وفقاً لبعض التقارير اتفاق تعاون عسكري مدّته سبع سنوات في أيار (مايو) من العام 2019.
يسمح الاتفاق الذي تمّ بشكل مسبق مع السلطات السودانية لموسكو بإنشاء مركز لوجستي للبحرية الروسية في السودان يستطيع أن يأوي حوالي ٣٠٠ عنصر روسي، ويمكن له أيضاً التعامل مع سفن مزودة بتجهيزات نووية. ووفقاً لنص الاتفاق، ستساهم القاعدة في الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، ولن تستخدم في أغراض هجومية ضد الدول الأخرى.
لكن في المقابل، هناك من يربط هذا المرسوم بجهود روسيا الحثيثة لإيجاد موطئ قدم لها بالقرب من القرن الإفريقي واليمن، وليس بجهود السودان نفسه بدليل أنّ روسيا كانت قد تقدّمت بطلبات أخرى لإنشاء قواعد عسكرية تحت مسمى محطات أو مراكز لوجستية لاستقبال وإصلاح السفن وتزويدها بالوقود والمعدات اللوجستية، إلاّ أنّها فشلت في أكثر من مرّة من بينها طلب تمّ تقديمه الى جيبوتي في العام 2016.
التقليل من شأن أهميّة الاسم يصاحبه مؤشرات على طابع عسكري لها، إذ من الواضح أنّ الاتفاق ينص على تأمين أنظمة دفاعية للمنشأة. وإن تمّ تكليف السودانيين بحمايتها، إلاّ أن الاتفاق سيؤمّن للسودانيين أسلحة وعتادا روسيا في مقابل السماح بانشاء القاعدة. النموذج السوري يعطينا فكرة عن إمكانية تحوّيل ما يسمى بالمركز اللوجستي الروسي إلى قاعدة أو قواعد عسكرية مع الوقت، كما أنّ اختيار السودان قد يكون مرتبطاً بالوضع الضعيف والمفكك لدول المنطقة وهو ما يتيح للروس لعب دور أكبر مستقبلاً في هذه المنطقة.
علينا أن نأخذ بعين الاعتبار كذلك أنّ هذه الخطوة تأتي في وقت يكثير فيه الحدث عن تراجع اهتمام الولايات المتّحدة بمنطقة الخليج العربي بشكل متزايد خلال العقد الماضي ورغبتها في نقل جهدها وتركيزها إلى شرق آسيا حيث الصعود الصيني، ولذلك فمن الممكن جداً أن ترتبط الخطوة الروسية هذه بحسابات ملء الفراغ واستغلال الفرص بأقل الأثمان للتنافس مستقبلا على تواجد أكبر في المنطقة.
وفقاً لبعض التقديرات، من الممكن إقامة وتشييد هذه القاعدة بشكل سريع في فترة زمنية قصيرة نظراً لطبيعتها، أي في غضون بضعة أشهر ـ لا تتجاوز الستة أشهر ـ لكن سيكون من المهم بمكان مراقبة الموقف الأمريكي حينها على وجه الخصوص خاصة مع إستلام بايدن السلطة في الولايات المتّحدة في يناير المقبل، وذلك لمعرفة ما إذا كان السودان مصمماً على المضي قدماً في هذا الاتفاق أم ستحصل تطورات أخرى تطيح بقدرة روسيا على الانتشار هناك.
المعارضة العربية في ظل الثورات
الحريّة كمفهوم سياسي متلوّن.. فرنسا نموذجا