بدأ الحديث خلال الأيام الأخيرة، عن ضغوط خارجية تقف وراء تعثر التشكيل المرتقب للحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة سعد الحريري، وتحديدا من طرف الولايات المتحدة، بحسب ما ذكره مصدر مقرّب من الرئيس اللبناني ميشال عون.
وذكر المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه،
أنه من غير المتوقع ولادة قريبة للحكومة اللبنانية، قائلا: "من الممكن أن
تكون هناك ضغوطات أمريكيّة خفيّة على عمليّة تشكيل الحكومة"، دون تفاصيل
أكثر.
وتأتي هذه التصريحات بعد أكثر من شهر
على تكليف الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة، بعد فشل حكومتي حسان دياب ومصطفى أديب
بهذه المهمة، إلا أن الحريري يواجه حتى اللحظة تحديات كبرى تتعلق بالمشهد السياسي
اللبناني.
وفي هذا الصدد، يرفض المحلل السياسي
توفيق شومان الميل إلى قراءة عملية تشكيل الحكومة، بكونها ناتجة عن ضغوط خارجية،
مشددا على أن "التعقيدات داخلية، وصراع النفوذ بين القوى السياسية اللبنانية،
هو الذي يؤخر تشكيل الحكومة ويعرقلها".
ويضيف شومان في حديثه
لـ"عربي21" أنه "حتى لو كان هناك ضغط خارجي، فيعني ذلك أن طرفا
لبنانيا، هو الذي يندرج في سياق تطبيق شروط الخارج"، مؤكدا أن "البعد
الخارجي ضعيف، قياسا مع تعقيدات الداخل، وصراعات النفوذ والسلطة".
اقرأ أيضا: أنباء عن ضغوط أمريكية وراء تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية
ويشير شومان إلى أن الأزمات الأخيرة
وأبرزها انفجار مرفأ بيروت، "لم تنجح في الضغط على القوى السياسية اللبنانية، من أجل تجاوز خلافات تشكيل الحكومة"، معتقدا أنه "في حال نجحت جهود تشكيل
الحكومة، فإن المعركة السياسية ستنتقل إلى مشهد آخر داخل مجلس الوزراء".
ويرى أن "تعقيدات تشكيل الحكومة
اللبنانية لا علاقة لها بالآليات الدستورية، بل هي ناتجة عن صراعات النفوذ،
ومحاولات تكريس الأعراف بعيدا عن الدستور ومواده".
بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي وفيق
إبراهيم أن "التواطؤ بين النظام السياسي اللبناني وتدابير الخارج لدفع البلاد
نحو الفوضى العميقة، أصبح مكشوفا"، مستدركا: "تبدو المعادلة غريبة، لأن
المهمة المفترضة للنظام السياسي في أي بلد، هي الدفاع عنه وحمايته من تدابير
داخلية أو خارجية تريد تمزيقه".
عجز الحريري
ويوضح إبراهيم في مقال نشرته صحيفة
"البناء" اللبنانية، أن مراقبة عمليات تشكيل الحكومات منذ سنة تقريبا،
توضح موضوعية هذه المعادلة، مبينا أنه "بعد استقالة الحريري حاولت معظم
القوى السياسية إعادة تكليفه، لكنه اعتصم برفض تبين أن أبعاده إقليمية ودولية".
ويتابع قائلا: "بعد أشهر من
اليأس السياسي والمشاورات العقيمة جرى تشكيل حكومة حسان دياب، التي تبين أن
وظائفها شكلية فقط لمجرد التأكيد على وجود آليات دستورية، إلا أنها لم تتمكن من
العمل بقرار من الذين شكلوها إلا بالسطحي منها"، بحسب تقديره.
اقرأ أيضا: هذا ما قاله الحريري بعد تكليفه رسميا بتشكيل الحكومة
ويلفت إبراهيم إلى أنه حاليا لا يزال
الحريري عاجزا عن تشكيل حكومة جديدة، بسبب الصراعات على تعيين الوزراء، وحول حصة
المسيحيين تحديدا، منوها إلى أن "الصراع الداخلي غطى قرارا أمريكيا سعوديا
بمنع تشكيل الحكومة، إلا بحالة واحدة وهي إقصاء كل ما له علاقة بحزب الله".
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون، التقى رؤساء الأحزاب اللبنانية في آب/ أغسطس الماضي، وأطلق
"مبادرة" بلهجة تهديد وإعطاء تعليمات، تشمل تشكيل حكومة جديدة، وإصلاح
النظام المصرفي برئاسة مصطفى أديب، بعد استقالة دياب عقب تفجير مرفأ بيروت.
لكن أديب اعتذر في 26 أيلول/ سبتمبر
الماضي، عن مهمة تشكيل الحكومة، ولجأ الرئيس اللبناني إلى تكليف الحريري رسميا
بهذه المهمة في 22 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وقبل أيام، أبدى رئيس مجلس النواب
اللبناني نبيه بري تشاؤما غير مسبوق تجاه التوصل إلى تشكيل حكومة جديدة برئاسة
الحريري.
ونقلت الوكالة الوطنية للإعلام عن
برّي قوله بمناسبة ذكرى الاستقلال، إن "الاستقلال بدأ بحكومة، فأين
نحن؟".
توزيع الحقائب
فيما توسعت صحيفة
"الأخبار" المقربة من حزب الله، بنقل حديث أكثر تشاؤما عن بري، إذ قال
إن الوضع حاليا هو أنه "لا أحد يحكي مع أحد، رغم أننا في مرحلة تأليف".
وقال برّي إنه ليس من المؤكد أن تصمد
الحكومة التي لم تشكل بعد إلى حين تنصيب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة، مطلع
العام المقبل، في إشارة إلى إمكانية اعتذار الحريري عن تشكيل حكومة لفشل التوافق
حولها.
فيما نقلت مصادر أخرى أن الرئيس
عون غير راضٍ عن مقاربة الحريري في تشكيل الحكومة، لا سيما لجهة توزيع الحقائب
واختيار الوزراء المسيحيين، لذلك طلب منه اعتماد مقاربة أخرى تنطبق على القوى
المسيحية في اختيار الوزراء أسوة بما سيتم مع القوى السنية والشيعية والدرزية.
ويعاني لبنان، منذ شهور، أسوأ أزمة
اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975- 1990) واستقطابا سياسيا حادا، في مشهد
تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.
77 عاما من الاستقلال.. ولبنان ما زال يدفع ثمن استعمار فرنسا
السودان يعيش "دستورا متبدلا" منذ الاستقلال قبل 64 عاما
ما خيارات باسيل في مواجهة العقوبات الأمريكية؟