أعاد السجال الدائر بين قيادات حركة "النهضة" التونسية حول مستقبل التداول على المناصب القيادية في إدارة شأن الحركة استعدادا لمؤتمرهم 11، إلى الواجهة مسألة التناوب على المناصب القيادية لدى التنظيمات الإسلامية بشكل عام.
والحقيقة أن هذا السجال المثار في تونس هذه الأيام، ليس هو الأول من نوعه، لا في تونس ولا في باقي التنظيمات المحسوبة على تيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية والإسلامية.. لكن الجديد في هذا الملف أنه يأتي بعد نحو عقد من الزمن من اندلاع ثورات الربيع العربي، وانتقال الإسلام السياسي من المعارضة إلى الحكم، ومن السرية إلى العلن..
وعلى الرغم من أن عددا من الحركات الإسلامية تعاملت بسلاسة مع مطلب التداول السلمي على المناصب القيادية كما هو الحال في مصر والمغرب وموريتانيا وفلسطين مثلا، إلا أن هذا التداول لم يسلم من خدوش سياسية وأحيانا شخصية طبعت تاريخ الإسلام السياسي الحديث..
عربي21، تسأل: كيف تعاطى الإسلاميون مع مطلب التداول السلمي على المناصب القيادية في تنظيماتهم؟
اليوم يقدم الكاتب والإعلامي بسام ناصر، عرضا للتجربة الإسلامية الأردنية في التعاطي مع مسألة التداول على المناصب القيادية.
ستة أمناء عامون
تعاقب على منصب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن منذ تأسيسها سنة 1945 إلى يومنا هذا ستة مراقبون عامون، بدءا بالحاج عبد اللطيف أبو قورة (1945 ـ 1953) فمحمد عبد الرحمن خليفة حتى عام (1994) وخلفه عبد المجيد الذنبيات إلى عام (2006) ثم تولى بعده سالم الفلاحات إلى (2008)، ثم جاء بعده الدكتور همام سعيد إلى 2016، ويتولى منصب المراقب العام للجماعة منذ ذلك الوقت حتى تاريخه عبد الحميد الذنبيات.
ومع أن تولي منصب المراقب العام في الجماعة لم يكن محددا بمدة، إلا أنه تم تعديل ذلك في عهد المراقب العام، سالم الفلاحات سنة 2006، بمدة لا تزيد عن دورتين، مدة كل منهما أربع سنوات، ثم تجري انتخابات أخرى لانتخاب مراقب عام جديد، بعد أن كان المراقب العام ينتخب مدى الحياة وفق عضو شورى الجماعة، إبراهيم اليماني.
ورأى اليماني في حواره مع "عربي21" أن الحركة الإسلامية في الأردن صاحبة تجربة رائدة في تداول السلطة القيادية، ولها الحق بأن تفتخر بذلك، لأنها الحركة السياسية والدعوية الوحيدة في الأردن التي قدمت نموذجا عمليا متميزا، فمنصب المراقب العام تداول عليه ست شخصيات قيادية منذ تأسيس الجماعة إلى وقتنا الحالي".
وأضاف: "وكذلك هو الحال في حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يعد الذراع السياسية للجماعة، فقد تداول على موقع أمين عام جبهة العمل الإسلامية عدة شخصيات قيادية منذ تأسيسه إلى يومنا هذا، على خلاف بعض الأحزاب الأخرى التي بقيت زعاماتها التاريخية عشرات السنين في نفس الموقع القيادي الأول، وفي الوقت الذي غادرت فيه عشرات القيادات التاريخية في الجماعة مواقعها القيادية، إلا أنها ما زالت تعمل في صفوف الجماعة كأعضاء ضمن كوادر الجماعة العاملين".
ولفت اليماني إلى أن "الذي يقدم هذا التاريخ الطويل في التداول على السلطة يجب أن ينظر إليه كنموذج ينبغي احترامه والإشادة به من باب الإنصاف على الأقل، وثمة من لا يحب أن يرى هذه الثقافة ويضيق بها ذرعا، لكن هناك من رحب بها وقبل بها، وهناك من تمرد على الجماعة والحزب، لسبب بسيط ألا وهو إما أن يكون على رأس الهرم التنظيمي، أو تكون عملية التداول تلك برأيه فاشلة".
وفي الإطار ذاته رأى القيادي السابق في الجماعة، أمين سر المكتب التنفيذي لحزب الشراكة والإنقاذ، الدكتور خالد حسنين أن "لدى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تجربة متطورة في التشريع، ولديها وصف وظيفي لمختلف المواقع القيادية، ضمن لوائح تنظيمية مقرة من الهيئات القيادية المختلفة، بدءا من مجلس الشورى، ومرورا بالمكتب التنفيذي للجماعة، وغير ذلك من المستويات، حسب مستوى اللائحة التنظيمية".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "والجماعة محكومة بقانون أساسي يشبه الدستور، يفصّل المواقع القيادية المختلفة في الجماعة، وطريقة انتخابها وشروط الترشح لها، وكذلك المواقع القيادية في فروع الجماعة في المدن المختلفة (تسمى الشعب الإخوانية)، والمواقع المنتخبة هي دائما صاحبة اليد العليا في انتخاب القيادة، أو تعيين الوظائف التنفيذية المختلفة".
وعن عملية تداول المواقع القيادية في الجماعة أوضح حسنين أنها "تتم حسب القانون الأساسي، حيث يتم الإعلان عن موعد الانتخابات ضمن مواعيد محددة نصت عليها لائحة الانتخابات في الجماعة، ويتم ترشيح المرشحين من قبل أعضاء الهيئة العامة، فإن انطبقت عليهم شروط الترشيخ تتم مخاطبتهم كتابيا، فإن وافق العضور أصبح مرشحا، وإن اعتذر يتم شطبه".
وتابع "ثم تجري عملية التصويت بإشراف هيئة انتخابية مستقلة، وتراقب القيادة عبر مندوبيها عمليات التصويت في مختلف المناطق، ثم تعلن اللجان الفرعية نتائج الانتخابات، وترسلها للقيادة لاعتمادها، ويتم الانتظار لمدة يومين بانتظار أي طعن في العملية الانتخابية من المرشحين أو من الناخبين، وتحول الطعون إلى اللجنة المركزية للانتخاب، أو إلى المحاكم المختصة للبت بها".
ووصف عملية تبادل المواقع القيادية داخل الجماعة بأنه "عادة ما يتم بشكل سلس وسهل، ودون أي اعتراض على النتائج بعد اعتمادها بشكل أصولي، ويتم تسليم الموقع القيادي دون أي صعوبات".
وردا على سؤال حول وجود تيارات مختلفة في رؤاها وأطروحاتها داخل الجماعة، أكدّ حسنين "وجود تلك التيارات داخل الجماعة، والتي يمكن تصنيفها كتيارات سياسية، تقدم أطروحات متمايزة أحيانا، ويجري حراك انتخابي في كل موسم انتخابي لكل تيار من التيارات في سبيل كسب أصوات القاعدة الانتخابية، ولمعالجة الخلل الذي كان يحصل أثناء الحراك الانتخابي أقر مجلس شورى الجماعة لائحة تنظيم عملية الدعاية الانتخابية وتضبطها داخل الجماعة".
واعتبر حسنين "النموذج الديمقراطي الداخلي الذي تقدمه الجماعة نموذجا متقدمافي التداول على السلطة، وهو نموذج شفاف من حيث المصداقية في إجراءات العملية الانتخابية، وإن كان الأمر لا يخلو أحيانا من مخالفات هنا وهناك، ولكنها مخالفات ربما من وجهة نظر أخلاقيات الإخوان متقدمة قليلا عن أخلاقيات المتنافسين في الانتخابات النقابية أو السياسية".
وأشاد بما أنجزه الإخوان من "حصرهم مدة المراقب العام للجماعة بفترتين فقط، مدة كل فترة منهما أربع سنوات، ولا يجوز التجديد له بعدهما، كما فصل مجلس الشورى بين قيادة مجلس الشورى، وقيادة المكتب التنفيذي، وهناك استقلال تام للقضاء عن القيادة التنفيذية".
ولفت حسنين إلى "حدوث تغيرات دراماتيكية في قيادة الإخوان خلال العقود الثلاثة الأخيرة، من الصقور للحمائم للوسط ثم الحمائم والوسط، ثم الوسط والصقور، ثم العودة للوسط وهكذا.. وهو ما يدل على حيوية الجماعة وقدرتها على التغيير" على حد قوله.