يصر الرئيس
الفرنسي إيمانويل ماكرون على "الإساءة للإسلام" بحسب منتقديه، بحجة الدفاع عن "حرية التعبير" المتمثلة بالسماح بنشر رسوم مسيئة، رغم إقراره بأنها سببت ضجة خارج فرنسا.
وعبر ماكرون عن
"أسفه للدعم الدولي الخجول نسبيا لفرنسا، بعد الهجمات الأخيرة في
بلاده"، مجددا التأكيد أن "فرنسا لن تُغيّر من حقّها في حرية التعبير،
فقط لأنه يُثير صدمة في الخارج"، وفق قوله.
وفي وسط الأزمة التي تبعت نشر الرسوم، بحث ماكرون مع قادة
لمسلمي البلاد، قابلوه بناء على طلبه، "الخطوط العريضة لتشكيل مجلس وطني
للأئمة" يكون مسؤولا عن إصدار الاعتمادات لرجال الدين، طالبا منهم وضع ميثاق
يؤكد أن دينهم "ليس سياسيا".
وقالت الرئاسة
الفرنسية إن ماكرون طلب أيضا من محاوريه أن يضعوا في غضون 15 يوما "ميثاقا
للقيم الجمهورية"، يتعين على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية والاتحادات
التسعة التي يتألف منها الالتزام به.
سياسة قديمة
متجددة وحسابات انتخابية
ويثير هذا الإصرار من ماكرون
على دعم نشر الرسوم المسيئة للنبي عليه السلام تساؤلات حول الأسباب السياسية والأيدولوجية لسياسة ماكرون تجاه الإسلام.
تشير الأكاديمية
والباحثة سيلين جريزي إلى أن "موضوع الإسلاموفوبيا لا يمكن اعتباره وليد
الساعة أو أنه ابتدأ مع ماكرون، حيث لوحظت الضجة التي حدثت مع ساركوزي والفتيات
المحجبات ومنعهن من الدراسة ومنع كل رمز يمكن أن يظهر عقيدة أي شخص، ولكن كان هناك
نوع من التعامل بمكيالين مع الفرنسيين المسلمين".
وأوضحت جريزي في
حديث لـ"عربي21"، أنه "لا يمكن اعتبار تصريحات ماكرون ومواقفه
صادرة فقط من قرارة نفسه، فهو يحمي مصالح معينة ويوجد خلفه مجموعة من التوجهات
والأيادي الخفية، فنحن نعرف كيف وصل للحكم، فعلى الرغم من قوله في البداية إنه من
الوسط ولا ينتمي لأي حزب، لكن في النهاية تبين أنه قريب من اليمين رغم محاولاته
الكثيرة لإنكار ذلك، حيث كانت كل تدابيره منذ بداية حكمه تميل باتجاه اليمين المتطرف
والدفاع عن أصحاب الثروات".
ولفتت إلى أن
"هناك ضغوطا على ماكرون من مجموعة من الأحزاب اليمينية وكذلك اليمين المتطرف،
وهناك بعض الضغوط من بعض رجال الأعمال الفرنسيين خاصة في ظل ما حصل من
أحداث عنف متكررة في البلاد".
وأضافت: "من
الناحية القانونية يوجد قانون حول الديانات، ولكن الكل يرى ويعلم أن الجهة الوحيدة
المستهدفة في هذا القانون هو الإسلام، حيث تتم مراقبة مجموعة من الجمعيات ويتم
غلقها تحت ذريعة أنها تنتمي لجماعات تدعو للإسلام المتطرف كما أن هناك رقابة على
بعض المساجد".
وتابعت جريزي: "شعارات فرنسا تتحدث عن العدالة والمساواة والأخوة، ولكن الواقع شيء آخر،
إلا أن هناك تعتيما على ذلك فالحكومة الفرنسية لا تريد خلق بلبلة".
من جانبه أكد
المختص في الشأن الأوروبي، حسام شاكر، أن التعبيرات والتصريحات السلبية ضد
المسلمين أصبحت جزءا من الخطاب الرسمي الفرنسي خلال فترة حكم عدد من الرؤساء
المتلاحقين وتحديدا بدءا من عهد جاك شيراك وساركوزي ثم هولاند وأخيرا
ماكرون".
اقرأ أيضا: العيسى: على مسلمي فرنسا احترام قوانينها أو المغادرة
وأضاف شاكر في
حديث لـ"عربي21": "هؤلاء الرؤساء الأربعة عبروا عمليا عن اهتمام
ملحوظ بالشأن الإسلامي وفي عهودهم تم إصدار مجموعة قوانين وإجراءات تمثل تقليصا
لمنسوب الحرية الدينية والشخصية الخاصة بالمسلمين، ما يمكن اعتباره تقليدا ثابتا صار يتبعه ساكنو قصر الإليزيه المتلاحقون".
وأردف:
"ويبدو المزاج العام في فرنسا متشنجا أيضا وغير منفتح وغير مستعد لاستيعاب
التنوع الثقافي والديني الداخلي وهذه إشكالية حقيقية، إضافة إلى أن الأمر له
خلفيات في الوعي الجمعي الفرنسي في ما يتعلق بتصور المكونات المسلمة التي أصبحت جزءا من الواقع والنسيج الاجتماعي المكون للشعب".
وتحدث شاكر عن أن
هناك أزمة يعبر عنها ماكرون ولكنها أيضا متجاوزة له، فهي أزمة الوسط السياسي ككل،
حيث نجدها عند وزير الداخلية ووزير التعليم والحكومة الفرنسية وأيضا عند المعارضة
الفرنسية ويجسدها بوضوح الخطاب الصادر عن أقصى اليمين الفرنسي".
وأشار إلى أن هذه
الأزمة "تعبر عن لغة غير ودية وعدائية وغير منفتحة ومشبعة بالإملاءات
الثقافية التي عمليا تسائل الجمهور المسلم في فرنسا عن قناعاته
وأفكاره".
وأشار شاكر إلى
أن "الخطاب الرسمي الفرنسي يوحي بأن المشكلة عند المسلمين من خلال اعتبار أن
الحل في تكوين أئمة بطريقة معينة أو إعادة إنتاج الإسلام بمواصفات جديدة كما
يطلبها الإليزيه، وليس أن هناك مشكلة بالواقع الفرنسي بشكل عام والذي يحتوي على
الكثير من الأزمات".
وأكد أن
"هذا الأمر يرتبط بخلفيات متصلة بالثقافة الاستعمارية التي لم تتفكك في
فرنسا، بل على العكس فقد تمت محاولة تمجيد هذه الثقافة من خلال قانون تمجيد الاستعمار
في عام 2005 وتعليم القيم الإيجابية للاستعمار كما قيل".
وتابع:
"بالتالي فإن هذه الثقافة الاستعمارية القائمة على التعالي والغطرسة وتصور أنه
يمكن التحكم في الآخر والهيمنة عليه ثقافيا ما زالت تفعل فعلها في خطاب النخبة
الفرنسية".
موقف الشارع
الفرنسي
ويثير إصرار
ماكرون على الهجوم على الإسلام وحديث الخبراء عن بحثه عن دعم اليمين المتطرف له في
الانتخابات، تساؤلات حول موقف الشارع الفرنسي من خطابه العدائي.
وترى الباحثة
سيلين جريزي أن "لدى الشارع الفرنسي تخوفا يظهر حينما يرى امرأة محجبة أو تضع
خمارا أو شخصا ملتحيا، حيث تثير هذه الأمور "اشمئزاز" بعض الفرنسيين وقد تستفزهم بعض المظاهر التي تعبر عن الإسلام، مع أنهم بنفس الوقت لا يشعرون بنفس
المشاعر لو شاهدوا راهبة محجبة أو تغطي رأسها".
وأكدت أن
"هذه النظرة المختلفة تجاه الإسلام ورموزه موجودة في معظم الطبقات الفرنسية
ولا يمكن حصرها بطبقة اجتماعية معينة، وهذا المزاج العدائي والمتعصب تقريبا يشكل
ما نسبته 30 أو 40 في المئة من الشارع الفرنسي خاصة بعد أحداث سبتمبر في أمريكا".
اقرأ أيضا: ما المشكلة في مقاربات ماكرون للشأن الإسلامي؟
وأشارت إلى أن
"هذه النسبة من الشارع تهم ماكرون في الانتخابات خاصة أن مسلمي فرنسا يشكلون
فقط 10 في المئة من الشعب، بالمقابل فإن لدينا نسبة أكبر من الفرنسيين الذين يصوتون
ولديهم وزن في الإعلام، بالتالي فإن كل هذه الأمور تقوم بالضغط على
ماكرون".
وحول تأثير
تصريحات بعض القادة العرب والمسلمين المحذرة لأوروبا من "المد الإسلامي"
على موقف ماكرون من الإسلام قالت الباحثة المقيمة في باريس: "فرنسا والدول
الغربية تعلم عن الجماعات الإسلامية أكثر مما تعلمه هذه الجماعات عن نفسها، بل حتى
أكثر من هذه الدول، بالتالي فقد تدعم بعض الدول العربية ماكرون ولكنها لن تستطيع
التأثير في قراراته".
تأثير المقاطعة
على موقف ماكرون
وترى جريزي أنه لا يمكن انتظار
تأثير المقاطعة التجارية لبعض المنتجات الفرنسية على موقف ماكرون من الإسلام،
مشيرة إلى أن هذه المنتجات في معظمها غذائية، بالمقابل فإن هناك صفقات بالمليارات في
قطاعات مختلفة كالأسلحة وغيرها بين فرنسا والدول العربية.
وأضافت الباحثة:
"مع ذلك فإن المقاطعة ستجعل ماكرون يفكر مرتين قبل الكيل بمكيالين تجاه الإسلام،
نعم قد لا يمنع نشر أي رسوم جديدة، ولكن في رأيي سيكون هناك تدقيق أكثر في المرحلة
القادمة، فهو بين مطرقة الحريات الشخصية والصحفية وسنديان الرموز الدينية، فالصحافة
في فرنسا لا يعلى عليها حيث يمكنها الإطاحة بالرئيس، بالتالي فهو لا يريد خسارتها
ولكن في نفس الوقت لا يريد خسارة المسلمين".
كتاب أوباما | علاقته الشخصية بالإسلام.. وحديثه عن "الوهابية"
77 عاما من الاستقلال.. ولبنان ما زال يدفع ثمن استعمار فرنسا
تصريحات ماكرون.. تراجع عن الإساءة أم مناورة لتجاوز الأزمة؟