في الوقت الذي اتخذ فيه النظام الأردني شوطا كبيرا في
تحجيم جماعة الإخوان المسلمين الأم ونزع شرعيتها القانونية، وأغلق مقراتها تمهيدا لتصفيتها الناعمة من خلال حظر معلن رسمي بيد القضاء لإخراجها من باب الشرعية القانونية، حاولت الجماعة الأم عبر ذراعها السياسي، حزب جبهة العمل الإسلامي، العودة من نافذة الشرعية الشعبية وشرعية الصندوق.
وفي ظل هذا المتغير الداخلي، ما هي خيارات النظام والجماعة الأم؟
(1) قراءة في نتائج الانتخابات
هذه القراءة جاءت بالمقارنة مع انتخابات 2003 وانتخابات 2016 وانتخابات 2020 التي شاركت بها جماعة
الإخوان الأم وذراعها حزب جبهة العمل الإسلامي، متجاوزين انتخابات عام 2007 التي شابها التزوير والذي اعترف به رئيس الوزراء آنذاك معروف البخيت فيما بعد.
أ- انتخابات 2003 وقانون الصوت الواحد:
- ترشح 30 مرشحا للحركة الإسلامية في 26 دائرة من أصل 45 دائرة، بنسبة مشاركة على الدوائر بمقدار 57.77 في المئة.
- حصلت الحركة على 17 مقعدا في البرلمان من إجمالي ترشيحاتها (30 مرشحا)، بنسبة نجاح بلغت 56.66 في المئة.
- حصدت الحركة 166,664 صوتا من أصل عدد المقترعين 1,014,974، بنسبة تساوي 16.42 في المئة من عدد المقترعين.
- حصلت الحركة على مقعد كوتا نسائية واحد من أصل 17 مقعدا فازت بها، إذ شكلت الكوتا 5.88 في المئة من المقاعد التي فازت بها الحركة.
ب- انتخابات 2016 وقانون القائمة النسبية المفتوحة:
- قدمت الحركة وتحالفها 122 مرشحا في 20 دائرة من أصل 23 دائرة، بنسبة مشاركة على مجموع الدوائر بمقدار 86.95 في المئة.
- فازت الحركة وتحالفها بـ15 مقعدا من أصل 122 ترشحوا عليها، بنسبة نجاح بلغت 12.29 في المئة من عدد الترشيحات.
- حصدت الحركة وتحالفها 160 ألف صوت من عدد المقترعين الإجمالي، والذي بلغ 1,492 مليون صوت، بنسبة 10.72 في المئة من عدد المقترعين.
- حصدت الحركة وتحالفها خمسة مقاعد كوتا (مقعدي كوتا نسائية وثلاثة مقاعد كوتا شركس وشيشان) من أصل 15 مقعدا فازت بها، إذ مثلت الكوتا من حجم المقاعد التي فازت بها نسبة 33.33 في المئة.
ت- انتخابات 2020 وقانون القائمة النسبية المفتوحة:
- قدمت الحركة وتحالفها 85 مرشحا على 13 دائرة من أصل 23 دائرة، بنسبة مشاركة على مجموع الدوائر بمقدار 56.5 في المئة.
- فازت الحركة وتحالفها بثمانية مقاعد لمرشحين على قوائمها، من أصل 85 مرشحا، بنسبة نجاح بلغت 9.4 في المئة من عدد الترشيحات. ولأول مرة تعلن الحركة الإسلامية عن فوز اثنين من مرشحيها كانا قد ترشحا بشكل مستقل تحت مسمى جهوي مناطقي (قائمة النشامى) في العقبة.
- حصدت الحركة وتحالفها ما مجموعه 85 ألف صوت، شاملا قائمة النشامى التي لم تترشح على قوائم الإصلاح، من عدد المقترعين الإجمالي والذي بلغ 1,370.710 أصوات، بنسبة 6.2 في المئة من عدد المقترعين.
- حصدت الحركة وتحالفها ثلاثة مقاعد كوتا (مقعدي كوتا نسائية ومقعد كوتا شركس وشيشان) من أصل 10 مقاعد فازت بها مع قائمة النشامى، إذ مثلت الكوتا من حجم المقاعد التي فازت بها نسبة 30 في المئة.
ج- من تحليل الأرقام يمكن تلخيص النتائج بالتالي:
• فقدت الحركة من كتلتها الانتخابية من انتخابات 2003 إلى انتخابات 2020 عددا كبيرا من إجمالي عدد المقترعين، إذ كانت تمثل قوتها الانتخابية 166 ألف صوت من مجموع الأصوات المقترعة في عام 2003، بما نسبته 16.42 في المئة، لتنخفض في عام 2020 إلى 85 ألف صوت وبنسبة 6.2 في المئة، وهو ما يمثل تراجعا كبيرا يمثل 81 ألف صوت.
• انخفض حجم الكوتا ضمن المقاعد التي فازت بها الحركة وتحالفها مقارنة بالانتخابات السابقة 2016، وعلى ذات القانون الانتخابي، بمقدار مقعدين، إذ حصلت في الانتخابات الماضية 2016 على خمسة مقاعد، بينما حصدت في الانتخابات 2020 ثلاثة مقاعد، إذ كانت خسارتها ما نسبته 40 في المئة من الكوتا النسائية والعرقية.
• تراجعت نجاحات الحركة من جملة ترشيحاتها، إذ كانت في 2003 تحقق نجاحا من المقاعد المترشحة عليها بنسبة 56.66 في المئة، وفي عام 2016 حققت 12.29 في المئة، وفي انتخابات 2020 نزلت إلى 9.6 في المئة.
• شكلت الكوتا 30 في المئة من المقاعد التي حصلت عليها جماعة الإخوان، حتى أنه أصبح يوصف حزب الجبهة سياسيا بحزب الكوتا داخل البرلمان، في مفارقة، بعد أن كان الحزب على الدوام يحارب الكوتا ويصفها بغير الدستورية، وهذا راجع إلى لجوء الحركة لاستثمار الكوتات لأكبر قدر ممكن لتعويض الانحسار السياسي الذي حصل لها، والذي كانت تشعر به نتيجة للصراعات الداخلية والانشقاقات.
• خسرت الحركة جميع مدن الأطراف في الشمال ومخيمات محافظات الأطراف، وهي الحاضن الشعبي لها على مر السنوات السابقة، وحققت اختراقا في الكرك والعقبة محمولا على أكتاف القبائل الأردنية التي ترشحت عبرها في العقبة على قائمة تحت مسمى جهوي مناطقي بعيدا عن اسم قائمة الحزب، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ الحزب ويحمل دلالات كبيرة في تحول مزاج مدينة العقبة تجاه برنامج الحركة الإسلامية.
• تراجع عدد الناجحين المنظمين في صفوف الحزب من مجموع من نجحوا، ولم يصعد للقبة أي من رموز الحركة التاريخيين.
(2) سياسة الإضعاف المتدرج:
من يقرأ سلوك النظام الأردني مع الأحزاب اليسارية بعد أزمة عام 1957، عند حل أول حكومة برلمانية قامت بتشكيلها بقيادة سلميان النابلسي، وكيف أنه تم استخدام القوة الناعمة والإضعاف المتدرج على طريقة انزلاق الطائرات وخلال ثلاثة عقود من الزمن، يدرك أن جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي في الأردن يسير على ذات الطريق التي سارت عليها القوى اليسارية، وسيواجه ذات المصير خلال أقل من عقد من الزمان.
من المهم جيدا أن نفهم لماذا جاءت الخصومة ما بين النظام والحركة الإسلامية بعد أكثر 70 عاما من التوافق والمصالح المشتركة والاحتضان والإرضاع من ثدي الرضا، حتى نستطيع فهم إلى أين سوف تذهب هذه العلاقة.
1-انتهاء المهمة: احتضن النظام الأردني الحركة الإسلامية لمدة سبعة عقود، وتوطدت علاقته بها ودعمها في ستينيات القرن الماضي لتشكل البديل للحركات اليسارية والقومية التي كانت تحظى بدعم شعبي كبير، والتي قام الملك الحسين الراحل بحل أول حكومة قامت (الحركات اليسارية) بتشكيلها برلمانيا، وإرسال أعضاء المجلس إلى سجن الجفر، ثم تعطيل الحكومة البرلمانية حتى يومنا الحاضر. وكانت جماعة الإخوان هي الحركة التي يمكن أن تملأ الفراغ وتواجه المد اليساري، وعندما ضعف المد اليساري والقومي وزال خطره على النظام، فعاد إلى بيت الطاعة الملكي وأصبح حليفا له بعد الربيع العربي، لم يعد النظام الأردني بحاجة للحركة في أداء هذه المهمة.
2- عقوبة على الربيع العربي: عندما اشتعل الربيع العربي وامتدت الاحتجاجات إلى عمّان، خرجت أصوات من بين أفراد وقيادات الحركة الإسلامية طالت خطوطا حمراء ومست بالعرش الملكي والحكم، فانحنى النظام للعاصفة طيلة سنوات الربيع العربي، وبعد أن بدأت الثورات المضادة على الربيع العربي أخذ النظام الأردني بقص أجنحتها وبتر أطرافها كعقوبة على خروجها وتنمرها على مؤسسة العرش، كما يرى النظام.. تصرفات زعزعت الثقة بين الحركة والعرش الملكي حتى وصفهم العاهل الأردني، في مقابلته مع الصحافة الأجنبية، بذئاب بثوب حمل. فالتحول الحاد في طريقة التعامل كما يبدو جاء كرد فعل من النظام على ما اقترفته الحركة من أخطاء في مرحلة الربيع العربي، كما يرى النظام ذاته.
3- عدم قدرة الحركة الإسلامية وذراعها السياسي على سرعة التكيف مع المتغيرات السياسية في الداخل الأردني والمنطقة المحيطة بعد مرحلة الثورات المضادة، وعدم قدرة الحركة على استحداث نظرية سياسية تتوافق مع التطورات التي تشهدها المنطقة والمرحلة السياسية العالمية، إذ لا زالت الحركة تتغذى على إرث العهد القطبي منذ ستينيات القرن الماضي، النسخة الكلاسيكية من الإسلام السياسي والتي أثبتت عدم قدرتها على مواصلة الحياة والعيش.
بالنظر إلى نتائج الانتخابات التي أظهرت تراجعا كبير لكتلة الإخوان الانتخابية خلال عقد ونصف من الزمن، ولبقائهم أيضا الكتلة الحزبية الأكبر تحت القبة في الأردن، وللنظر العميق في أسباب سياسة الإضعاف التي ينتهجها النظام الأردني مع الإخوان، واستغناء النظام عن الحركة ومخاصمتها، من كل ذلك يمكن توقع العلاقة المستقبلية للحركة الإسلامية بعد الانتخابات بحكم أنها ظرف داخلي مستحدث على النحو التالي:
- إبقاء النظام على الخطوات التي اتخذها بحق الجماعة قبل سنوات دون أي تصعيد آخر يشكل منعطفا في شكل العلاقة، واستمرار النظام في حملة التصفية والإنهاء الناعم وعدم السماح للجماعة الأم بالدخول من النوافذ الأخرى بعد أن أخرجها من باب الشرعية القانونية بعدما تزعزعت الثقة بها، والتمهيد لإنهاء الحركة بعد أن تشكلت لديه القناعة بأن الجماعة تحولت إلى عبء سياسي على الدولة والنظام، كما أظهر الربيع العربي من وجهة نظر النظام.
- في ذات الوقت، الاستمرار في سياسة الإضعاف المتدرج على ما هي عليه حاليا، والتعامل مع حزب الجبهة باعتباره مظلة قانونية لكن باتباع سياسة التحجيم الناعم والإبقاء على التعامل معه دون التعامل مع الإخوان؛ باعتبارهم جماعة منحلة وغير شرعية قانونيا.
- الاستثمار في دعم واحتضان المنشقين والأكثر قابلية لإعادة البناء والتأهيل المدني والمرونة السياسية وتفهم الظرف السياسي الذي يعيشه الأردن. فبما يظهرونه من قدرة على بناء شراكة حقيقية مع جميع الأطراف، وإيمانهم بالتدرج الآمن للتحول الديمقراطي، وتبنيهم خطابا واحدا علنيا ويعمل ضمن القانون؛ يجعلهم الخيار الأقل كلفة ومخاطرة على مستقبل النظام والدولة، كما يرى النظام، إضافة إلى انخفاض سقف مطالبهم الإصلاحية مما يجعلهم أقل اشتباكا مع تيار "الأمنوقراط" المسيطر على كثير من مفاصل الدولة وصانع قرارها وتوجهاتها واستراتيجياتها.
(3) تدوير الزوايا الحادة:
بكل تأكيد أن مصير الانحسار والتلاشي التدريجي والتحول إلى أقلية معزولة ليس قدر الحركة الإسلامية الحتمي والنهائي، كما حصل من الحركات اليسارية والقومية سابقا، لكن ذلك مرهون باتخاذ الحركة قرارات وتنفيذ أعمال تغير اتجاه الطريق الذي يسيرون عليه، وهذا يحتاج منها (بعد أن أدركت تراجع الشرعية الشعبية وفقدان الشرعية القانونية) خطوات عاجلة من خارج الصندوق وخارج الإطار التقليدي.. خطوات تخرجها بثوب جديد يقوم على التفكيك وإعادة البناء للذات، وهذا يتطلب اتخاذ عدة خطوات عاجلة في برهة الفرصة الأخيرة أهمها:
• تحويل الجماعة إلى جماعة خدمة دعوية تربوية خيرية؛ تعتزل العمل السياسي بشكل كامل داخل مؤسساتها التنظيمية.
• إنهاء كل حالات الانشقاق الدعوي وجمع كل أطراف الدعوة في جسد دعوي تربوي خيري واحد، يعمل تحت الشرعية القانونية. وتمكن الاستفادة من اسم جمعية جماعة الإخوان المسلمين التي وافقت السلطات الأردنية على تشكيلها في عام 2015، أو أي جسم قانوني آخر.
• تحول الجماعة من الشكل التنظيمي الهرمي وإفرازاته غير السليمة إلى شكل التيار وفتحه أمام الجميع.
• مأسسة العمل الدعوي والتربوي والخيري وبناء مؤسسات تعمل تحت مظلة القانون، على غرار جمعية المحافظة على القران الكريم وبكل المجالات الدعوية والتربوية والخيرية.
• التحول البنيوي والفكري داخل ذراعها السياسي بشكل يصل إلى إنهاء الترخيص القائم، وما علق به من إشكاليات في العلاقة مع الدولة والنظام، وتبديل كل الوجوه القيادية التي كانت جزءا من الأزمة السابقة، والذهاب إلى ترخيص جديد واسم جديد وأهداف جديدة، والتحول من النظرية القطبية في العمل السياسي إلى نظرية الدولة الغربية في العلوم السياسية الحديثة والنضال من أجل الوصول إلى دولة الحرية والقانون والديمقراطية وتداول السلطة والدولة المدنية الحديثة، وفقا للنموذج الغربي الحديث.