تساؤلات عديدة أثارتها الحملة الأمنية غير المسبوقة ضد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (منظمة غير حكومية) انتهت باعتقال مديرها وأبرز أعضائها وحبسهم احتياطيا.
وذكرت المبادرة، الخميس، أن قوات الأمن اعتقلت مديرها التنفيذي جاسر عبد الرازق، بعد أيام من اعتقال عضوين بارزين آخرين فيها بناء على اتهامات تشمل الانضمام إلى "جماعة إرهابية".
وتأتي الحملة الأمنية ضد المبادرة (إحدى المنظمات الرائدة في مجال حقوق الإنسان) بعدما زار دبلوماسيون أجانب، في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر، المنظمة الحقوقية من أجل الحصول على إفادة بشأن وضع حقوق الإنسان مؤخرا.
وقررت نيابة أمن الدولة حبس المدير التنفيذي للمبادرة 15 يوما على ذمة القضية 855، ووجهت له تهم: "الانضمام لجماعة إرهابية، وإذاعة بيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام، والإضرار بالمصلحة العامة واستخدام حساب على الإنترنت في نشر أخبار كاذبة".
وكانت نيابة أمن الدولة العليا قررت حبس كل من مدير وحدة العدالة الجنائية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، كريم عنارة، والمدير الإداري للمبادرة، محمد بشير، 15 يوما على ذمة التحقيقات في القضية ذاتها.
اقرأ أيضا: "العفو الدولية" تطالب مصر بإطلاق سراح اثنين من الحقوقيين
والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية؛ هي منظمة غير حكومية، تأسست في عام 2002، تعمل على تعزيز وحماية الحقوق والحريات الأساسية في مصر، وفق موقع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
وتنشط المبادرة أيضا في مجالات دعم التقاضي في مجالات الحريات المدنية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والعدالة الجنائية والتطوير والتعليم والأسرة وحقوق الإنسان وحقوق العمال والأبحاث وتطوير المهارات.
ماذا وراء الحملة الأمنية؟
لكن يبقى السؤال الأكثر إلحاحا؛ ماذا وراء الحملة الأمنية ضد المنظمة الرائدة في مجالها التي تتخذ القاهرة مقرا لها، ولماذا الآن، وهل تحمل رسائل ترهيب للمنظمات الحقوقية المستقلة المتبقية العاملة في مصر؟
وأرجع السياسي والحقوقي المصري، أشرف عبد الغفار، تلك الحملة إلى "رغبة النظام المصري في الانتقام من الحقوقي البارز بهي الدين حسن، الأب الروحي، للعمل الحقوقي والمبادرة المصرية، المتواجد في فرنسا حاليا".
وصدر ضد بهي الدين، مؤسس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وأحد رواد العمل الحقوقي المصري، حكم غيابي عن الدائرة الخامسة جنايات إرهاب، بالسجن 15 عامًا، في آب/ أغسطس الماضي، لاقى انتقادات حقوقية محلية ودولية واسعة.
واستطرد عبد الغفار، مدير مركز إنسانية العالمي في إسطنبول، في تصريح لـ"عربي21": "كان بهي الدين عقد مؤتمرا في إسطنبول تحدث فيه عن استبدال السيسي والترويج لمحمد البرادعي كبديل واسم مقبول، وذلك استعدادا لمرحلة بايدن (الرئيس الأمريكي المنتخب)".
وأكد أن "النظام يخشى من أي حراك في مرحلة قدوم بايدن للبيت الأبيض، لكن للأسف القوى الفاعلة لم تفعل شيئا ولكن يبدو أن بعض الشخصيات الليبرالية تتواصل من فريق بايدن والاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالملف الحقوقي والسياسي بمصر، وهذا هو السبب المتوقع لاعتقال هؤلاء".
انتقادات خارجية
وكانت الخارجية المصرية أصدرت ردًا على بيان الخارجية الفرنسية الذي أدان القبض على المدير الإداري للمبادرة محمد بشير، فجر الأحد الماضي.
وزعمت في بيان لها أن فرنسا تدافع عن كيان يعمل بشكل غير شرعي في مجال العمل الأهلي، وهو ما فنده المدير التنفيذي للمبادرة، جاسر عبد الرازق، قبل اعتقاله.
ووصف في تصريحات صحفية، ما تضمنه بيان الخارجية المصرية، بـ"المحاولة للتغطية على الهجمة الأمنية المستمرة على المبادرة".
رسائل نظام السيسي
وصف الباحث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش، عمرو مجدي، الهجمة الأمنية على المبادرة بأنها "تأتي في إطار القمع المستمر للعمل المجتمعي في مصر منذ 2013، وهي ليست الأولى من نوعها، فمؤسسها حسام بهجت ممنوع من السفر، وهناك قرار بالتحفظ على أمواله، وكذلك حبس الباحث بالمبادرة باتريك زكي منذ نحو عام".
اقرأ أيضا: منظمة دولية تطالب بالإفراج عن جميع الصحفيين المعتقلين بمصر
وفي حديثه لـ"عربي21" أكد أن "ما حدث هذا الأسبوع تصعيد خطير وغير مسبوق؛ لأنه تم اعتقال ثلاثة مدراء بالمنظمة، كعقاب للمبادرة بعد تنظيمها لقاء لدبلوماسيين أجانب، والرسالة تظل أنه لا حماية لأحد، أو بعيد عن الاعتقال، حتى لو كان ينتمي لمنظمة لها ثقل حقوقي محلي ودولي".
وحذر مجدي من أنه "إذا نجح النظام في هدم المبادرة، سنجد المزيد من الهجمات المماثلة، خاصة أن المنظمات الحقوقية الموجودة تعد على أصابع اليد الواحدة، ما يشكل خطرا على مستقبل البلد بوأد الحاضنة لثقافة حقوق الإنسان والعمل المدني والأهلي، ولا يستمر على الأرض إلا الجماعات التي تنتمي أو موالية للسلطة أو الجماعات المسلحة، وهو وضع خطير يجر إلى مستقبل مظلم".
سياسة الأرض المحروقة
من جهتها، حمّلتْ مديرة منظمة هيومن رايتس مونيتور، سلمى أشرف، السلطات المصرية "محاولة وأد العمل الحقوقي في مصر"، مشيرة إلى أن "هذه الممارسات القمعية التي تقوم بها السلطات المصرية ما هي إلا رسالة ترهيب لكافة النشطاء والعاملين في مجال حقوق الإنسان".
وأعربت عن اعتقادها، في حديث لـ"عربي21"، أن "السلطات المصرية تحاول اتباع سياسة الأرض المحروقة قبل مجيء بايدن (الرئيس الأمريكي المنتخب)، وهي خطوة للقضاء على الحقوق والحريات وسحقها تماما".
واستهجنت الحقوقية المصرية سلوك السلطات المصرية الشائن "الذي لاقى انتقادات دولية كبيرة، بل وسلط الضوء أكثر على الانتهاكات ليس ضد المعتقلين أصحاب الرأي بل المدافعين عن حقوق المعتقلين وقضايا الرأي، وغيرها من خلال قائمة موحدة بالتهم".
هذه أسباب تخبط خطوات نظام السيسي إزاء حقوق الإنسان بمصر
ما دلالات انتقاد فرنسا للملف الحقوقي بمصر؟
لماذا يُعد فوز بايدن خسارة كبيرة للسيسي؟.. خبراء يجيبون