سعى الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب منذ بداية تسلمه لمنصبه إلى تنفيذ وعوده لمؤيديه بفرض قيود
على الصين سواء سياسية أو اقتصادية. في المقابل، فقد وعد المرشح الديمقراطي جو بايدن
بإلغاء التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب والتفاوض مع بكين في الملفين السياسي
والاقتصادي من جديد.
وعلى الرغم من
أن حملتي المرشحين الديمقراطي والجمهوري تحاولان إظهار أن هناك اختلافا في التعامل
مع الصين بين ترامب وبايدن إلا أن جوش كورلانتزيك، خبير العلاقات الأمريكية
الصينية بمجلس العلاقات الخارجية، أوضح أن الاختلافات بين ترامب وبايدن تجاه
الصين "صغيرة نسبيا".
وأشار
كورلانتزيك في حديث للجزيرة إلى أنه "على الرغم من ارتفاع درجة الاستقطاب في
النظام السياسي الأمريكي حاليا وبصورة غير مسبوقة؛ إلا أن هناك نوعا من الإجماع في
المعسكرين الديمقراطي والجمهوري حول العلاقة مع الصين".
وعبر عن اعتقاده
بأنه "قد تكون هناك بعض الاختلافات الصغيرة نسبيا بين الاثنين؛ لكن ليس
بالحجم الكبير الذي يتخيله البعض، وقد يتركز هذا الاختلاف فقط في الجانب
التجاري".
الجانب السياسي
ويثير تباين
الرؤى بين ترامب وبايدن حول العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين تساؤلات عن
احتمالية مخالفة المرشح الديمقراطي في حال فوزه لسياسة سلفه الجمهوري تجاه الصين.
بدوره، اعتبر
الدبلوماسي الأمريكي السابق مفيد الديك أن "الاختلاف الرئيسي في التعامل مع
الصين بين بايدن وترامب، أن الأخير لم يكن لديه استراتيجية بل رغبات شخصية،
بالمقابل أتوقع أن يعود بايدن إلى السياسة التقليدية في تعامله مع الصين".
اقرأ أيضا: موقع إسباني: هذه أبرز المخاوف بحال فاز ترامب بولاية ثانية
وأوضح الديك في
حديث لـ"عربي21"، أن "بايدن إذا ما تم انتخابه فسوف يعود للسياسة
التقليدية تجاه الصين، والتي اتبعتها الإدارات الأمريكية السابقة، بمعنى أن الصين
دولة عظمى ذات اقتصاد قوي وشريك تجاري كبير لأمريكا، ولهذا فإن حل الخلافات التجارية
معها لا يتم بالطريقة التي اتبعها ترامب والتي تسببت بخسارة اقتصادية لواشنطن والمزارع الأمريكي".
وأضاف:
"بالمقابل ترامب لم يكن يمتلك استراتيجية جادة، بل كان لديه ما يمكن تسميته
بـ"نزوات شخصية"، مارس من خلالها ما يعتقد أنه يعود عليه بالفائدة
سياسيا، بمعنى أنه كان يظن أن اتباعه لسياسة معينة يرضي ناخبيه وداعميه، خاصة
المزارعين وغير المتعلمين البيض، لكنه لم يتخذ أي قرار سياسي خارجي بناء على أساس
المصلحة القومية الأمريكية".
وأشار إلى أن
"بايدن على عكس ترامب، فإنه سيعود بالسياسة الخارجية الأمريكية للمصلحة القومية الأمريكية
وليس بما يعود عليه أو على مؤيديه بمنفعة سياسية".
عقلية رجل
الأعمال مقابل رجل الدولة
من جهته أشار
المختص بالشأن الأمريكي خالد الترعاني إلى أن الاختلاف الرئيسي بين ترامب وبايدن،
هو أن "الأخير سوف يتعامل كرئيس دولة بعكس الرئيس الحالي الذي تعامل مع الصين وكأنه
رئيس شركة ومن مصلحة شخصية بحتة".
وأوضح الترعاني
ذلك في حديث لـ"عربي21"، بأن "ترامب تعامل مع مختلف القضايا وليس
فقط الصين من منظور شخصي، حيث كان دائما يحاول شخصنة كل الأمور بما فيها العلاقات
مع الدول، وكأنه رجل أعمال يدير شركة عائلية خاصة وليس كرئيس دولة، والكل يعلم أن
الدبلوماسية الدولية على هذا المستوى العالي لا تدار بهذه الطريقة".
وأضاف:
"أيضا حكمت النرجسية المفرطة التي كان يعاني منها جل قراراته التي أصدرها،
فمثلا إذا شعر أن هناك إساءة له شخصيا فإنه يدوس حتى على مصالحه في الـ"البزنس"
انتصارا لكرامته الهشة".
وتوقع الترعاني أنه
"بمقابل شخصنة ترامب لعلاقة بلاده مع الصين، ستكون سياسة بايدن مؤسسية وليست
شخصية، وسيعتمد على المستشارين المتخصصين من أصحاب الخبرة في أي شأن سيتعامل فيه
مع الصين أو غيرها، بالتالي فهو سوف يعيد إلى المؤسساتية في أمريكا دورها ولن تكون
قرارته عشوائية أو مبنية على ردود فعل نرجسية أو شخصية مفرطة".
وحول ما إذا كان
بايدن سيتقارب أكثر مع الصين كما اتهمه بذلك الرئيس ترامب، قال الترعاني:
"بايدن سوف يتابع التوجه للخيار الذي اتخذه أوباما في ما يخص ما سماه مركزية آسيا،
وأعتقد أنه سيتعامل بهذه الطريقة، أيضا
سيحاول ترميم العلاقات مع حلفاء أمريكا التقليديين سواء في أوروبا أو آسيا أو
غيرها من المناطق".
وأضاف:
"بالتالي فهو لن يتقارب مع الصين أو يتحالف معها، لكنه سيتعامل معها كما فعلت
الإدارات السابقة باعتبارها منافسا سياسيا وكذلك منافسا تجاريا في السوق العالمية، وستحاول
أمريكا تحت إدارته أخذ ما تستطيع أخذه منها، وبالتالي فهو لن يعقد حربا تجارية أو
سياسية أو عسكرية ولكنه بنفس الوقت لن يهادن بشكل يسمح للصين بالتغول على أمريكا
تجاريا تحديدا".
الملف الاقتصادي
وفي ما يتعلق
بالاختلافات في المجال الاقتصادي أوضح الترعاني أن "ترامب حاول مناطحة الصين
من خلال رفع التعرفة الجمركية على صادراتها لأمريكا، ما أدى إلى إيذاء الشركات
الأمريكية، وكان رد الصين حادا وواضحا جدا وذلك عبر فرض عقوبات على عدة منتجات أمريكية
خاصة الزراعية منها ما تسبب بمعاناة المزارعين في الوسط الغربي الأمريكي، والذي
يُعد معقلا مهما لمناصري ترامب".
ومقابل سياسة
ترامب العقابية في التجارة، توقع الترعاني أن "يتبع بايدن في حال فوزه
العقلانية والتوازن في ملف الاقتصاد والتجارة بين البلدين، بما يضمن تحقيق مصلحة
الطرفين في ذات الوقت".
اقرأ أيضا: الانتخابات الأمريكية | هذه مواقف الأقليات من بايدن وترامب
بدوره أشار
أستاذ الاقتصاد في جامعة أوكلاند الأمريكية مصطفى شاهين، إلى أن "بايدن يؤمن
بحرية التجارة ولا يؤمن بفرض قيود عليها وذلك على عكس ترامب الذي فرض قيودا على
التجارة مع الصين، حيث رفع قيمة التعرفة الجمركية على الواردات من بكين، ومن ثم
عقد معها اتفاقا بحيث تستورد كميات أكبر من السلع الزراعية ليساعد ذلك في تعديل
الميزان التجاري بين البلدين لصالح أمريكا".
وأوضح شاهين في
حديث لـ"عربي21"، أن "بايدن يرغب بإلغاء التعرفة الجمركية على
الواردات من الصين، وفي ظل الفرق في الميزان التجاري بين البلدين فسوف تستفيد الصين
من فوز بايدن لأنه سيمكنهم من التصدير أكثر لأمريكا".
وحول إمكانية
تنفيذ بايدن لوعده بإلغاء التعرفة الجمركية على السلع الصينية أو الأمريكية
الواردة من الصين، وتأثيرها على الاقتصاد الأمريكي، قال شاهين: "هناك خلاف
كبير بين الاقتصاديين حول هذا الموضوع، هناك رأي يقول بأنه مع حرية التجارة لأنها
سوف تدخل سلعا رخيصة لأمريكا".
ولكن الرأي
الآخر يقول إن حرية التجارة مع الصين سيؤدي لانخفاض كبير في فرص العمل داخل أمريكا،
لأن أغلب السلع تنتج في الصين ما يحرم الاقتصاد الأمريكي من توفير فرص عمل فيما لو
بقيت هذه الشركات بأمريكا، وفقا لشاهين.
وأكد على أن
"بايدن سينفذ وعده وسيلغي التعرفة الجمركية على السلع الصينية، على الرغم من
أن ذلك قد يؤثر على بعض الشركات وخاصة مصانع الصلب والحديد".
بدوره، أشار
الدبلوماسي السابق مفيد الديك إلى أن "ترامب سعى من خلال رفع قيمة التعرفة
الجمركية على الصين إلى تعديل كفة الميزان التجاري بين البلدين والتي تميل لصالح لصين،
ولكن حل هذه القضية بحسب العديد من الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين لا يتم
بالطريقة التي اتبعها ترامب والتي عادت بخسائر كبيرة على واشنطن".
وتتهم حملة
ترامب المرشح الديمقراطي بايدن بأنه سيساهم في تقليص فرص العمل في حال نفذ وعده بإلغاء التعرفة الجمركية على السلع الصينية، حيث ستعود الشركات الأمريكية للعمل
هناك وتترك الأرض الأمريكية ما يساهم في تسريح العديد من العمال.
إلا أن الديك
يوضح أن "فرص العمل التي وفرتها الشركات الأمريكية العائدة من الصين هي
مؤقتة، فهذه الشركات قد تنجح في العمل لسنة أو أكثر أو أقل، لكن في النهاية لن
تستطيع المنافسة في السوق الدولية لأن اليد العاملة في امريكا مكلفة أكثر مما هي
في الصين، بالتالي فإن أرباح هذه الشركات ستكون أقل ما يجعلها أقل تنافسية مع الشركات
الأجنبية".
وحول مخاوف
المعسكر المنافس لبايدن من إغراق السوق الأمريكية بالسلع الصينية إضافة لمعضلة
تقلص اليد العاملة في حال ألغيت التعرفة الجمركية أو تم خفضها، قال الديك:
"المخاوف من زيادة البطالة غير مبررة، فهي مثلا لم تكن في عهد أوباما كبيرة،
برغم أنه كان يطبق نفس السياسة الاقتصادية والتجارية التي وعد بها بايدن الشعب
الأمريكي".
وأشار إلى أن
"السلع الصينية كانت أيضا تُغرق السوق الأمريكية آنذاك، ولكن في نفس الوقت فإن المستهلك الأمريكي يرغب في منتجات بأسعار مختلفة وبمواصفات متعددة، وهذا يضطر
الشركات الأمريكية لصناعة سلع بمستويات جودة عالية وذات تنافسية مع الصين".
وختم الدبلوماسي
الأمريكي السابق حديثه بالتأكيد على أن "بايدن سينفذ وعده وربما يتفاوض مجددا
مع الصين من منطلقات أخرى، بسبب ما فعلته إدارة ترامب وبالتالي قد يحسن الشروط
التي تتفاوض من خلالها أمريكا".
3 أيام على الانتخابات | صراع تاريخي على "الشيوخ" وتوتر أمني
هكذا تتباين سياسة ترامب وبايدن تجاه الشرق الأوسط
لماذا يتحرك أوباما بفلوريدا بالإنابة عن بايدن.. ما أهميتها؟