نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالا لرئيس منظمة الديمقراطية الدولية، إريك بجورنلند، اعتبر فيه أن البلاد، المقبلة على انتخابات تاريخية، باتت تشبه "الديمقراطيات الهشة"، محملا الرئيس دونالد ترامب المسؤولية.
وقال "بجورنلند" إن مهاجمة ترامب للعملية الانتخابية باعتبارها مزورة ورفض الالتزام بقبول النتائج، جعلها تشبه بشكل متزايد تلك التي تجرى في الديمقراطيات الهشة والدول الاستبدادية، وذلك "من واقع خبرتي، فقد قدت أو أدرت حوالي 40 عملية مراقبة انتخابات في 22 دولة على مدار أكثر من 30 عاما".
وأضاف: "بصفتي كمؤسس مشارك ورئيس لمنظمة الديمقراطية الدولية، أرى الآن أمريكا تظهر العديد من المشاكل مع الانتخابات التي انتقدناها في مجتمع مراقبة الانتخابات الدولية منذ فترة طويلة في البلدان التي تكون فيها الديمقراطية أقل رسوخا".
وأوضح الخبير الأمريكي: "في الديمقراطيات الحقيقية الراسخة، لا يهاجم المنافسون السياسيون عموما قواعد العملية أو نزاهتها، أو يتهمون المرشح المعارض أو السلطات الانتخابية بالغش أو تخويف الناخبين أو تهديدهم بالعنف".
وتابع: "من ناحية أخرى، في البلدان الأقل ديمقراطية تماما، تكون الشكاوى حول الاحتيال والإنصاف أمرا روتينيا، وغالبا ما يكون العنف - أو التهديد به - متضمنا. وهذا يؤدي إلى تقويض ثقة الجمهور في الانتخابات وفي الديمقراطية نفسها".
ولفت الكاتب إلى أن القول بأن بلدا ما ليس، أو لم يعد، ديمقراطيا، يرتبط إلى حد كبير بترويج الخاسرين في الانتخابات لشبهة التزوير ومهاجمة شرعية العملية الانتخابية لتبرير سقوطهم.
ويمكن الآن مقارنة أمريكا مع بنغلاديش، على سبيل المثال، فالأخيرة لديها العديد من السمات المميزة للديمقراطية، مثل التعددية الحزبية والبرلمان الفعال، ولكن في جميع الانتخابات الوطنية الست منذ ابتعاد البلاد عن الاستبداد في عام 1991، يطلق الخاسرون تهما بتزوير العملية.
ومثال آخر هو مصر، التي أضاعت فرصة التحرك نحو ديمقراطية حقيقية منذ ثورتها عام 2011، حيث تم الطعن في نزاهة كل عمليات التصويت في سلسلة من عمليات الاقتراع.
وفي الانتخابات الرئاسية بأفغانستان في عامي 2014 و2019، رفض المرشح عبد الله عبد الله التنازل للفائز المعلن، الرئيس أشرف غني، مما دفع البلاد إلى أزمة سياسية.
وفي أسوأ الحالات، يمكن أن تؤدي مزاعم تزوير الانتخابات إلى موجة من العنف، كما حدث في كينيا في عام 2007، حيث قتل حوالي 1400 شخص، بحسب الكاتب، الذي قال إنه وعلى الرغم من أن الجولة الأخيرة في كينيا شهدت قدرا أقل من العنف، إلا أن الأحزاب الخاسرة اشتكت مرة أخرى من سرقة الانتخابات.
وعلى غرار المنافسين السياسيين في البلدان غير الديمقراطية، شكك الرئيس ترامب بقوة في مصداقية العملية. وخلال المناظرة الرئاسية في 29 أيلول/ سبتمبر، على سبيل المثال، ادعى، بدون دليل، أنه "سيكون هناك احتيال كما لم تروه من قبل".
ومع أن التصويت عن طريق البريد عملية راسخة في جميع أنحاء البلاد، إلا أن ترامب استخف مرارا بالاقتراع الغيابي، ووصفه بأنه "مروع" و"فاسد" وغرد قائلا: "بطاقات الاقتراع عبر البريد خطيرة للغاية. إن في الأمر عملية احتيال هائلة ومخالفة هائلة للقانون".
وفي مقطع فيديو حديث على الإنترنت، قال ترامب الابن: "اليسار الراديكالي يمهد الطريق لسرقة هذه الانتخابات... خطتهم هي إضافة الملايين من بطاقات الاقتراع المزورة التي يمكن أن تلغي صوتك وتقلب الانتخابات رأسا على عقب".
وهاجم ترامب مديري الانتخابات، ووصف جوسلين بنسون، التي تشرف على الانتخابات في ميشيغان، بأنها "وزيرة خارجية [للولاية] مارقة" واتهمها بالتصرف "بشكل غير قانوني وبدون تفويض" لتنفيذ سياسة الولاية القانونية بشأن الاقتراع الغيابي.
كما هدد "بوقف التمويل عن ميشيغان إذا كانوا يريدون السير في مسار احتيال الناخبين هذا!" فإذا خسر ترامب الانتخابات وألقى باللوم على التزوير، فسوف ينضم إلى تقليد طويل من الحكام المستبدين الذين خسروا انتخاباتهم، وفق "بجورنلند".
وقال الخبير الأمريكي إن أي ترهيب للناخبين في مراكز الاقتراع من قبل قوات الأمن غير الرسمية - أو من قبل مراقبي الاقتراع المنتمين إلى الأحزاب السياسية - هو ممارسة أخرى غالبا ما تُشاهد في البلدان الأقل ديمقراطية وينتقدها مراقبو الانتخابات الدوليون.
وأضاف: "نحن ندعو بقوة لوجود المراقبين الشرعيين من مجموعات المواطنين غير الحزبيين ومن الأحزاب السياسية للوصول إلى مراكز الاقتراع، لكن المعايير الدولية تتطلب عموما أن يتم اعتماد مراقبي الاقتراع وتدريبهم وعدم السماح لهم أبدا بتعطيل أماكن الاقتراع أو مضايقة الناخبين".
وتابع: "خلال الانتخابات في مصر عامي 2014 و2015، انتقدنا وجود مسلحين مجهولين يرتدون ملابس مدنية في مراكز الاقتراع. وفي ميانمار عام 2015، أعرب المراقبون عن قلقهم بشأن تجنيد المدنيين في قوة شرطة مساعدة لنشرها في مراكز الاقتراع. وفي فنزويلا عام 2018، نصب نشطاء الحزب الحاكم خياما حمراء خارج مراكز الاقتراع في محاولة واضحة للضغط على الناخبين".
ولفت الكاتب إلى أن وجود هذه الأنواع من الجماعات يتماشى جنبا إلى جنب مع زيادة خطر العنف، ففي بنغلاديش وباكستان، على سبيل المثال، غالبا ما تظهر العصابات المسلحة المنتمية لأحزاب سياسية في مراكز الاقتراع لثني مؤيدي خصومهم عن التصويت، كما أن الاشتباكات بين أنصار الأحزاب المتعارضة ليست نادرة.
وفي الانتخابات التي جرت في أفغانستان على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، هددت الجماعات المعارضة للحكومة أو للديمقراطية بشكل عام الناخبين بالعنف.
ولو قارنا هذه الممارسات بما يحصل الآن في أمريكا، بحسبه، فقد حث ترامب مؤيديه "أن يذهبوا لمراكز الاقتراع ويراقبوا بحذر".
اقرأ أيضا: هذه نتائج استطلاعات الأسبوع الأخير لانتخابات ترامب وبايدن
وأعلن دونالد ترامب الابن: "نحن بحاجة إلى كل رجل وامرأة قادر جسديا للانضمام إلى عملية الجيش من أجل أمن انتخاب ترامب... نحتاج منك أن تساعدنا في مراقبتهم".
والفكرة هي أن ما يسمى بجيش المؤيدين سيظهر في مراكز الاقتراع للدفاع عن تصويتهم ضد التزوير المفترض من قبل مؤيدي المرشح الديمقراطي جو بايدن.
وفي حديثها في آب/ أغسطس، بدا أن مستشارة ترامب كيليان كونواي ترحب بالعنف قبل الانتخابات: "كلما سادت الفوضى.. والتخريب والعنف، فإن ذلك أفضل لإبراز الخيار الواضح للغاية بشأن من هو الأفضل في مجال السلامة العامة القانون والنظام". ومن اللافت أن يدعو الرئيس الأمريكي والمقربون منه إلى أفعال أو استخدام لغة قد تحرض على العنف أو توحي بتأييده.
ومثل هذه اللغة مخيفة بطبيعتها، ناهيك عن كونها خطيرة. كما هو الحال مع الانتخابات في البلدان الهشة أو غير الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، هناك أسباب حقيقية للقلق بشأن تصعيد المواجهة في يوم الانتخابات، ومن خروج مؤيدي أي طرف يخسر انتخابات 2020 إلى الشوارع.
وأصبحت المشاكل الأخرى الشائعة في الانتخابات المثيرة للجدل في البلدان النامية شائعة في أمريكا. فمثلا انتقد مراقبو الانتخابات الدوليون السلطات الأمريكية إزاء وضع العقبات أمام تسجيل الناخبين وأمام الانتخاب، والتي قد تؤدي إلى قمع أصوات بعض المجموعات الانتخابية.
ففي ميانمار، لا يسمح بشكل عام لأفراد إثنية الروهنغيا بالتصويت، وفي أفغانستان كانت مشاركة النساء في الانتخاب بالذات صعبة.
وكذلك تحاول المؤسسة الجمهورية في فلوريدا تقويض تعديل دستوري يسمح بإعادة حق التصويت للمواطنين الذين أدينوا سابقا بارتكاب جرائم بقيامها بسن قانون واستخدام المحاكم للحد من تلك الحقوق. وفي جورجيا، في المرحلة المؤدية إلى الانتخابات النصفية في 2018، قام وزير خارجية الولاية، بريان كيمب، والمجلس التشريعي للولاية، بتبني ما يسمى نظام التطابق التام لقوائم الناخبين والذي أعاق تسجيل 53 ألف ناخب، 70 بالمئة منهم من الأقليات.
وفي تكساس هذا العام رفضت السلطات توسيع استخدام اقتراع الغائبين بالرغم من الجائحة، وحكم حاكم الولاية الديمقراطي، غريغ أبوت، بأنه يحق لكل دائرة مهما كان عدد سكانها صندوق اقتراع واحد للأصوات المبكرة، فجعل التصويت أصعب وخاصة في المناطق المدنية والتي غالبا ما تصوت للديمقراطيين.
ويقول الكثير من الناقدين بأن تخفيض الخدمات البريدية مؤخرا بناء على طلب من المدير العام للخدمات البريدية (والمتبرع لحملة ترامب)، لويس دي جوي، تبدو محسوبة لإبطاء ايصال أوراق الاقتراع.
كما يدعو المراقبون الدوليون بشكل روتيني إلى إنشاء هيئات انتخابية مستقلة للإشراف على تنفيذ وتفسير قوانين الانتخابات، وإدارة الانتخابات نفسها.
ومن نواحٍ عديدة، هذه المشكلة في الواقع أسوأ في أمريكا، حيث لا توجد هيئة انتخابية وطنية كما هو الحال في معظم الديمقراطيات، وحيث يُدير المسؤولون السياسيون الحزبيون والمحليون الانتخابات العامة. حتى أنهم يجرون أحيانا انتخابات يكونون هم أنفسهم مرشحين فيها، كما حدث في جورجيا في 2018، عندما أشرف كيمب على الانتخابات التي انتخب فيها حاكما بفارق ضئيل.
وأثناء الانتخابات نفسها، يحث المراقبون الدوليون دائما المرشحين والأحزاب والناخبين على الانتظار بصبر حتى يتم فرز الأصوات وتجنب إعلان النصر قبل الأوان أو التشكيك في الفرز، كما حدث في عشرات الأماكن، بما في ذلك أفغانستان عام 2014 وهندوراس وكينيا عام 2017، وغيانا وملاوي هذا العام.
وفي أمريكا هذا العام، أفادت أخبار أسوشييتد برس بأن "بعض حلفاء ترامب يقولون إن أفضل رهان لهم هو الأمل في أن تبدو النتائج قريبة ليلة الانتخابات، قبل عد بعض بطاقات الاقتراع عبر البريد، مما يسمح لترامب بإعلان النصر وأن يلقي بالنتائج للمحاكم [للبت فيها]".
ويبدو أن ترامب يريد من المحكمة العليا الأمريكية التدخل نيابة عنه في أي نزاع بعد الانتخابات بشأن فرز الأصوات؛ فقد اعترف خلال المناظرة الرئاسية الأولى بأنه يريد من المحكمة العليا "النظر في بطاقات الاقتراع"، داعيا إلى تثبيت مرشحة المحكمة العليا آمي كوني باريت في الوقت المناسب لكي تشارك في مثل هذه القضية.
وقال ترامب بهذا الخصوص: "أعتقد أن [الانتخابات] ستنتهي في المحكمة العليا.. وأعتقد أنه من المهم جدا أن يكون لدينا تسعة قضاة (محافظين)".
ومن تجربتنا في مراقبة الانتخابات حول العالم، يضيف الكاتب، نعرف ما يميز الديمقراطية الحقيقية من الديمقراطية المضطربة أو المزيفة، وهو أن المرشحين الرئيسيين والأحزاب المتنافسة يقبلون القوانين وأن من يخسرون يقبلون النتائج ويحترمونها.
ولا تستقى الشرعية فقط من القوانين التي تحكم النظام الانتخابي ولكن أيضا من القبول الواسع لقوانين اللعبة وشرعية العملية.
وبسبب هجوم ترامب، بشكل كبير، على العملية الانتخابية، تبدو انتخابات أمريكا شبيهة بشكل متزايد لتلك التي شاهدناها في بلدان أقل من ديمقراطية. وهذه هي المشاكل التي تثير قلقا دوليا كبيرا، وتضر بالثقة العامة بالعملية الانتخابية في أمريكا وتهدد بتقويض شرعية الديمقراطية الأمريكية.
صحيفة إسبانية: هكذا ستكون عواقب انتصار ترامب مدمّرة
MEE: "قنبلة زووم" تفشل فعالية لمسلمين مؤيدين لترامب
معارضة سعودية: ابن سلمان مهدد بفقد حليفه ترامب