قضايا وآراء

ماكرون أَم الإسلام.. أيهما يعيش أزمة؟!

1300x600
تضج (هذه الأيام) جنبات العالم الأزرق باحتجاجات واسعة على تصريحات الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، المسيئة للإسلام، المستفزة للمسلمين، تلك الاحتجاجات التي وجدت طريقها إلى الواقع، فتسابقت المتاجر الكبيرة والحوانيت الصغيرة إلى رفع المنتجات الفرنسية من على رفوفها، غضبةً للإسلام ولرسوله (صلى الله عليه وسلم).

وعلى ما يبدو أن حملة مقاطعة البضائع الفرنسية وحملة مقاطعة منتجات فرنسا وحملات أخرى (رغم أنها لا تزال في بداياتها) قد أوجعت ماكرون إلى درجة أنه "غرّد" بالعربية، بلغة لا تخلو من عصبية: "لا شيء يجعلنا نتراجع، أبداً. نحترم كل أوجه الاختلاف بروح السلام. لا نقبل أبداً خطاب الحقد وندافع عن النقاش العقلاني. سنقف دوماً إلى جانب كرامة الإنسان والقيم العالمية"..

لا تتراجع مسيو ماكرون.. هذا حقك، ولستَ بحاجة لأن أقول لك: لكل موقف ثمن، فاستعد (من الآن) لـ"تدبير" ثمن موقفك الأرعن، غير المسؤول، داخليا وخارجيا!

تزعُم أنك "تحترم كل أوجه الاختلاف بروح السلام".. فلِمَ لم "تحترم" وجهة نظر الرئيس أردوغان، واعتبرت ما قاله بحقك "عملا عدائيا"، يستوجب استدعاء سفيرك لدى تركيا لـ"التشاور"؟! رغم أن كلام "الطيب" كان "تشخيصا" لحالتك، لا إهانة فيه: "ماكرون بحاجة إلى علاج نفسي وعقلي".. فإذا كان لديك شك في ذلك، فنحن لا شك لدينا فيه؛ إذ لا يمكن لرئيس دولة "عاقل" أن يتبنى خطابا عدائيا عنصريا شوفينيا تجاه ستة ملايين مسلم من مواطنيه، لمجرد أن واحدا منهم قام بعمل أفزعه، فضلا عن مئات الملايين من المسلمين المستهلكين للمنتجات الفرنسية!

تدَّعي أنك "ستقف دوماً إلى جانب كرامة الإنسان والقيم العالمية"! أما كرامة الإنسان التي تقف (أو ستقف) إلى جانبها، فإن آلاف الجماجم البشرية المرصوصة في "متحف الإنسان" في باريس (عاصمة النور) تشهد على "صدقك"! فهذه الجماجم كانت رؤوسا، جزها جزا مواطنوك العسكر، وفصلوها عن أجساد أصحابها الذين لم يكونوا غزاة لفرنسا، بل كانوا آمنين في أوطانهم، وبالغ عساكر فرنسا في فجورهم، فالتقطوا الصور (بكل فخر) لتوثيق هذا "الإنجاز التاريخي"! وأما "القيم العالمية" فهو تعبير هلامي، لا يمكنك (أنت شخصيا) تحديد ملامحه، لكن "متضررا" مثلي من هذه "القيم العالمية" يمكنه اختزالها في كلمة واحدة جامعة، ألا وهي "البلطجة"!

من جانبهم، لم يُقصِّر مستخدمو تويتر في الرد على عنجهية ماكرون ومكابرته، فكال له بعضهم الإهانات، ورد بعضهم ردودا اعتقدوا أنها "عقلانية"، ورد آخرون عليه بما يستحق، وأحسب أني كنتُ من هؤلاء، وكان ردي عليه: "النقاش العقلاني لا يكون مع مختل عقليا!.. عُد إلى رُشدك، واعتذر عن ".." بحق ديننا ونبينا (صلى الله عليه وسلم)، وتخلّى عن خطاب الحقد والكراهية الذي تتقيَّأه علينا، وساعتها يكون لنا حديث آخر".

وعلى صعيد متصل، وجهت وزارة الخارجية الفرنسية "أمرا" للشعوب المسلمة، تناقلته وكالات الأنباء: "المطالبات بمقاطعة المنتجات الفرنسية ليس لها أساس، ويجب أن تتوقف فورا"..

"ليس لها أساس، ويجب أن تتوقف فورا"! ياااا حلاوة! (بصوت الفنان الكوميدي مظهر أبو النجا).. وعملا بـ"حرية الرأي" التي لا تحترمونها، سنجد لكم تأويلا، فأنتم لا ترون "أساسا" للمطالبة بمقاطعة منتجاتكم؛ لأنكم لا ترون أنكم أسأتم لديننا ولا لنبينا؛ لأنكم لا تؤمنون ولا تعترفون بهما! حسنا! فبأي حق تقولون: "ويجب أن تتوقف فورا"؟! إلى من توجهون هذا "الأمر"؟! ومن أي موقع تتكلمون؟!

ما هذه العنجهية الفجة، وهذا الاستعلاء الفارغ، وهذه الوقاحة المتأصلة، التي لا أجد ردا عليها أبلغ من ذلك التعبير الإنجليزي الذي يتردد كثيرا في الأفلام الأجنبية، وكان أنيس عبيد يترجمه (دائما) إلى "تبا لك"؟! أو ذلك السؤال (التقريري) الشهير الذي وجهه الفنان أحمد زكي إلى الفنان هشام عبد الحميد..؟

إنها فرنسا "الكولونيالية" التي لا تزال تعتقد أن بإمكانها ارتكاب أفظع الجرائم دون رد! إنها "المُستخرِب" الذي كشف سوأته مواطنه جاك فيرجس أمام العالم، يوم تصدى للدفاع عن المناضلة الجزائرية جميلة بو حيرد المحكومة بالإعدام، وأظهر هشاشة وسُخف "قيم الجمهورية" التي يتشدق بها الفرنسيون!

حرية، إخاء، مساوة!.. فأي حرية هذه، وقد راحت فرنسا تحتل شعوبا أخرى، وتفرض عليها لغتها بالقوة؟! وأي إخاء هذا الذي لم يمنعها من ازدراء عقيدة مواطنيها المسلمين في "الوطن الأم"، كما كانت تُجبر الشعوب المحتله على وصف فرنسا؟! وأي مساواة هذه، وقد عاملت شعوب مستعمراتها معاملة العبيد، فلم تتردد في حرمانهم من أبسط حقوقهم؟! فضلا عن جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في الجزائر (على سبيل المثال) وراح ضحيتها الملايين، خلال 133 عاما من "الإرهاب" الدامي؟!

أما الإسلام الذي يمر أهله بأزمة أو كبوة (ولا يُعاني هو كما ادعيت) فله عودة، طال انتظارها، إن كان من جانب المسلمين العارفين بقيم وقيمة هذا الدين، وأثرها العظيم في حياة البشر، أو من جانب غير المؤمنين به الذين لم يتعرفوا عليه، ولم يروا محاسنة بعد، وساعتها سيعرفون كم أجرموا في حق أنفسهم!

هذا أمين معلوف، المسيحي المشرقي الذي لم يمنعه تمسكه بدينه أن يشهد للإسلام الذي ما عاش يوما في أزمة، ولا تسبب يوما في أزمة لغير المؤمنين به، بل كان رحمة تغشى الناس أينما حلت..

يقول معلوف في كتابه "الهويات القاتلة": "لو كان أجدادي مسلمين في بلد فتحته الجيوش المسيحية، بدلا من كونهم مسيحيين في بلد فتحته الجيوش المسلمة، لا أظن أنهم كانوا استطاعوا الاستمرار في العيش أربعة عشر قرنا، في مدنهم وقراهم محتفظين بعقيدتهم. ماذا حدث فعليا لمسلمي إسبانيا وصقلية؟ لقد اختفوا عن آخرهم، ذُبِّحوا أو هُجِّرُوا أو تم تعميدُهم بالقوة. توجد في تاريخ الإسلام (ومنذ بداياته) قدرة مميزة على التعايش مع الآخر".

هذا ديننا "الذي يعيش في أزمة" مسيو ماكرون! فماذا عنك؟! أم أنك ستكتفي بإحالتي إلى تصريح بابا الفاتيكان: "المثليون أبناء الرب، ولهم الحق في تكوين أسرة"؟!

twitter.com/AAAzizMisr