في ظل ازدياد المخاطر والتحديات
التي تواجه
العالم العربي والإسلامي، وآخرها عمليات
التطبيع المعلنة بين عدد من
الدول العربية والكيان الصهيوني وتشكيل تحالف جديد أمريكي- إسرائيلي- خليجي،
والصراعات القائمة في منطقة البحر المتوسط، تنطلق بعض المبادرات العربية الثقافية
والفكرية والسياسية من أجل مواجهة هذه
التحديات، وللبحث في كيفية تشكيل أطر جديدة
تعيد تجميع مختلف القوى والتيارات بعيدا عن الصراعات المذهبية أو القومية أو العرقية
والإثنية.
وفي هذا الإطار، أصدر الباحث
الفلسطيني الدكتور إياد برغوثي دراسة جديدة ضمن كتابه الصادر عن المؤسسة العربية
للدراسات والنشر بعنوان "تحرير
الشرق: نحو إمبرطورية شرقية ثقافية"،
وتتضمن هذه الدراسة رؤية جديدة لمواجهة مختلف التحديات في المنطقة، وهي استكمال لمشروع آخر كان قد أطلقه الدكتور برغوثي بعنوان "مثقفون من أجل
التغيير"، وهي مبادرة عملية لتفعيل دور المثقفين في الشأن العام في العالم
العربي.
وينطلق برغوثي في رؤيته الجديدة من
خلال إعادة تقييم للواقع العربي والإسلامي بعد الربيع العربي، وفي ظل كل التطورات المتسارعة
في المنطقة خلال السنوات العشر الأخيرة، وهو يؤكد أن القضية الأساس هي مواجهة
المشروع الغربي والصهيوني في المنطقة، وأن القضية الفلسطينية هي القضية الأساس
اليوم، وأن مشروع التطبيع بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني برعاية ودعم أمريكيين
هو من أخطر ما تواجهه هذه القضية اليوم.
ويعتبر برغوثي أن المصالح الاستراتيجية
العليا لشعوب الشرق واحدة، يقررها أساسا ثباب الجيواستراتيجيا التي لا فكاك منها،
ولذا لا بد من إطلاق مشروع ثقافي يشمل شعوب المنطقة كلها؛ يهدف لخلق حالة من الوعي
الاستراتيجي بهذه المصالح وطرق تحقيقها، مما يعيد توطين فكرة الوحدة وإيجاد هوية
جامعة لكل مكونات شعوب هذه المنطقة تحت عنوان: الإمبرطورية الشرقية الثقافية.
ويحدد الباحث الفلسطيني إياد برغوثي،
وهو رئيس الشبكة العربية للتسامح ومدير عام مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان:
"الإمبرطورية المشرقية إنها المساحة الممتدة ما بين أفغانستان شرقا حتى
المغرب غربا. وأما الإمبراطورية الثقافية فهي الفكر الوحدوي المدرك لذلك الترابط
والمبني عليه، لكنه لا يحدد جغرافية معينة، وهي تضم كل شعوب المنطقة من جميع
القوميات والإثنيات والمذاهب والطوائف والأديان".
ومن أجل انطلاق هذا المشروع
وتبلوره يدعو برغوثي إلى حوار مباشر بين مثقفي الشعوب والأمم الموجودة في هذا
الفضاء المشرقي المعني، من عرب وإيرانيين وأكراد وأمازيغ وكرد وغيرهم ممن يرون أنفسهم
بأنهم جزء من هذه الإمبراطورية الثقافية المشرقية، والهدف بلورة رؤية مشتركة لمواجهة
كافة التحديات دون الحاجة لإقامة دولة واحدة أو إطار تكاملي محدد، والمهم البحث عن
خارطة طريق إلى المستقبل المشترك والصحي والطبيعي والمتجانس لشعوب المنطقة، أو بصورة
أدق لإدراك أهمية المستقبل المشترك المبني على المصلحة المشتركة من خلال إيجاد المظلة
الثقافية أو الهوية الجامعة أو الوعي الوحدوي الذي يجمع هذه الشعب.
وفي الكتاب/ الدراسة المزيد من
التفاصيل حول هذا المشروع المهم، وهو يستكمل أو يشبه العديد من المشاريع الوحدوية
التي انطلقت في العقود الأخيرة، ومنها المشروع النهضوي العربي الذي أطلقه مركز دراسات
الوحدة العربية وتبناه المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي والداعي
إلى
الحوار العربي- الإيراني- التركي، والمصالحة بين مختلف التيارات القومية والإسلامية
والليبرالية واليسارية، وصولا إلى مشروع منتدى التكامل الإقليمي الداعي إلى حوار
عربي- تركي- إيراني- كردي، مرورا بالدعوة إلى الكونفيدرالية المشرقية والمتضمنة إقامة
منطقة اقتصادية مشتركة بين إيران وتركيا وعدد من الدول العربية، وكذلك كل التجارب
الحوارية بين الإيرانيين والعرب والأتراك والكرد والتي أقيمت في تونس والأردن
والعراق ولبنان.
لكن للأسف كل هذه المحاولات لا
تزال تواجه الكثير من العقبات والتحديات، والحروب والصراعات والخلافات في المنطقة
لا تزال مستعرة، ونحن نشهد المزيد من الانقسامات المذهبية والطائفية والعرقية
والقومية. واليوم يأتي مشروع التطبيع بين الكيان الصهيوني وعدد من الدول العربية، بدعم
ورعاية أمريكيين في إطار تطبيق ما سمي "صفقة القرن"، ليزيد من هذه
التحديات والمواجهات.
فهل سيشكل هذا المشروع دافعا
للمثقفين والكتّاب والباحثين العرب والمسلمين والمشرقيين في كل هذا الشرق؛ لإعادة
التفكير مجددا بروح وحدوية بعيدا عن الانقسامات والخلافات؟
الموضوع ليس سهلا، والصعوبات
والتحديات كبيرة جديدة، لكن المحاولة مهمة ومطلوبة من الجميع، ومن هنا أهمية هذا
المشروع الذي أطلقه الدكتور إياد برغوثي على أمل أن يلقى
الاهتمام والنقاش المطلوب، لعله يضيء شمعة في هذا الليل العربي والمشرقي المظلم.
twitter.com/KassirKassem