هل يقبل الأمير بندر بن
سلطان، وهل بإمكانه إقناع الشعب السعودي بأن يقبل احتلالا إيرانيا للسعودية، لا
سمح الله له، يسيطر عليها وعلى ثرواتها، ويشرّد ثلثي السعوديين، ويجعلهم لاجئين في
دول العالم، ثم يقنعهم بأن هذا الاحتلال واقع لن يتغير، وعليهم أن يقبلوا بدولة
على مساحة 22% من السعودية، تعيدها إليهم إيران بشروط مذلّة؟ وإن أرغم السعوديين
على القبول بذلك بسبب ضعفهم، فإن إيران ترفض وتصر على إقامة مستوطنات لها في
النسبة المخصصة للسعوديين، ثم تقرر ضم ثلث هذه المساحة، بما يبقي للسعوديين (كما
تنص صفقة القرن مثلا) على أقل من 15% من مساحة وطنهم الأصلي؟ وفي هذه المساحة
فإنهم لا يتمتعون بأي سيادة على الحدود، أو الأرض أو السماء، لأن كل السيادة
والأمن يظل بأيدي الإيرانيين.
على السعوديين قبول ذلك، وأن يكونوا عمليين
وعقلانيين، وإلا فإنهم فاشلون ومتخاذلون وخونة؟ هذا واحد من أسئلة المقارنات التي
جالت في خاطري، وأنا أستمع إلى هجوم بندر بن سلطان الشرس، ليس على إسرائيل
واحتلالها وعنصريتها واستعمارها، لكن على الفلسطينيين، الطرف الأضعف. هذه السطور
تتأمل مقارنات مشابهة خاصة على مستوى القيادات والسياسات الفاشلة (فلسطينيا،
وسعوديا)، وتتوجه إلى الأشقاء السعوديين، الذين توجه إليهم خطاب الأمير بندر.
ابتداء، لا حاجة للقول بأن حلبة السجال
الإعلامي بين أي خطاب فلسطيني، أو غير فلسطيني مع الإمبراطورية الإعلامية
السعودية، المدججة بفضائيات وجيوش إلكترونية، وصحف عابرة للحدود، وجحافل من
الإعلاميين الذين يرددون الخطاب الرسمي، هي حلبة مجحفة وغير عادلة. ونشهد كيف تنتفض
هذه الترسانة، كلما فتح أحد فمه بما لا ينسجم مع الخط الرسمي السعودي (الذي صار
شبه مقدس ويحظر نقده)، وهي ترسانة لا تعبر عن ملايين الشعب السعودي، الذين يُراد
لهم أن يسمعوا صوتا واحد فقط، ويروا لونا واحد فقط. لو اتسم أصحاب هذه الترسانة في
حملتهم ضد الفلسطينيين وتاريخهم بالحد الأدنى من فروسية الصحراء، أو أخلاق
البادية، أو المهنية الإعلامية، أو الحرص على أن تصل الحقيقة فعلا للشعب السعودي،
فإن على قناة "العربية" منح الفرصة لمؤرخ فلسطيني، أو عربي ليقدم وجهة
النظر المغايرة، في ثلاث حلقات والفترة الزمنية نفسها. نعرف أن ذلك لن يحدث لأسباب
يعرفها الجميع، ونعرف أيضا أن الاستئساد على الفلسطيني هذه الأيام هو الطريق
الأسهل لتسجيل بطولات خرقاء وزائفة، ولأنه الطريق الأقصر لتل أبيب وإرضاء سيد
البيت الأبيض. ونعرف ويعرف الجميع أن ليس من البطولة ولا الشجاعة ولا النبل، أن يتم
تقييد الفلسطيني ثم توجيه اللكمات المتلاحقة إليه، وعدم تمكينه من الرد، لكن هذا
هو الواقع.
ورغم إجحاف حلبة الإعلام، تحاول هذه السطور
استنطاق بعض (فقط بعض) المسكوت عنه في حديث بندر بن سلطان، وجزء منه موجه أيضا
للشعب السعودي، الذي وجه الأمير خطابه التضليلي له. انتهت الحلقات التشهيرية
الثلاث إلى خلاصات واضحة: على السعوديين أن يتبنوا نهج المصلحة السياسية الخاصة
ببلدهم، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى (أي التزامات تجاه فلسطين، أو أي قضايا
أخرى قد يراها بندر واتجاهه، عقبة في وجه تحقيق الأهداف السياسية السعودية). كذلك
يجب انتهاج سياسة المكاشفة والمصارحة والتوقف عن المجاملات، ويجب نبش التاريخ
وعرضه أمام الشعب. وهذه العملية تبدأ بالتركيز على القيادات وكشفها وتعرية سياستها
والإشارة إلى فشلها.
في هذه السطور سوف التزم بخلاصات بندر بن
سلطان في المصارحة والمكاشفة، وفي مساءلة القيادات السعودية حول مسؤوليتها في
الفشل والدمار الإقليمي، الذي نعيشه الآن، ومن دون مجاملة. من حق بندر بن سلطان أن
ينظّر للسياسة السعودية ومصلحتها، لكن ليس من حقه تشويه الحقائق وتضخيم الموضوع
الفلسطيني على الأجندة السعودية، بحيث تبدو فلسطين وكأنها العقبة الكبرى التي
أحبطت انطلاقة السعودية سياسيا وإقليميا ودوليا إلى الأمام. هذا باختصار تزوير ولا
علاقة لها بالتاريخ السياسي للمنطقة، والهدف منه تمهيد الطريق للوصول إلى تل أبيب،
ليس إلا. هناك عشرات الكتب لسياسيين أمريكيين وأوروبيين ودراسات دكتوراه تثبت وعبر
لقاءات وأدلة مذهلة اندهاش الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين، ونظرائهم الأوروبيين من
عدم فتح الملوك والأمراء السعوديين والخليجيين تحديدا، ومعظم القادة العرب عموما،
موضوع فلسطين في اللقاءات التي كانت تجري معهم. كانوا يتعجبون من الخطاب عالي
النبرة المؤيد لفلسطين، والذي يسوّق للإعلام والرأي العام العربي، بينما يختفي
تماما في الاجتماعات الرسمية.
أهداف حملة الأمير بندر ضد الفلسطينيين
وتاريخهم لا تحتاج إلى عبقرية في التحليل، فثمة شبه إجماع على أن هذه الحملة تأتي
في سياق التمهيد للاندراج في اندفاعة التطبيع مع إسرائيل، والاستقواء بها ضد الخطر
الإيراني. ومن هنا سوف أبدأ في تناول بعض ما سكت عنه الأمير، ولم يمتلك الجرأة ولن
يمتلكها لمصارحة الشعب السعودي بها:
النقطة الأولى تبدأ من الخلاصة، وهي ضرورة أن تلتفت
السعودية لمصالحها فقط، بدون ربط تلك المصالح بقضية فلسطين، أو أي قضية أخرى. وهذا
الحديث هو الوصف الناعم للقول: نعم نريد أن نطبع مع إسرائيل، وتكون لنا علاقة قوية
معها. لا بأس، لتقم السعودية الرسمية بما تريد، لكننا نريد أن نسأل بندر بن سلطان
عدة أسئلة في سياق المكاشفة والمصارحة الهادئة وكما يريد. لماذا أولا لم يكاشف
الأمير الشعب السعودي في رأيه الحقيقي والتوجه، الذي يمثله والإعلان صراحة عن
التوجه نحو إسرائيل؟ لكن الأهم من ذلك هو لماذا لم يشرح للسعوديين أسباب المعضلة
المخجلة، وهي كيف أن السعودية، الدولة العربية الكبيرة، ذات الثروات الهائلة
والمساحة الشاسعة، وعدد السكان الكبير، وذات الرمزية الإسلامية العميقة، يضطر
الحكم فيها إلى التوجه إلى إسرائيل، البلد الصغير، الذي بالكاد يبلغ سكانه اليهود
سدس سكان المملكة، والاستعماري، والذي قام بالقوة والغصب بعد تأسيس المملكة بعقد
ونصف العقد من السنين تقريبا؟ لماذا تريد السعودية الكبيرة والعريقة أن تحتمي
وتستقوي، وبعد قرن تقريبا من قيامها، بدولة مثل إسرائيل؟ قل للشعب السعودي أيها
الأمير من هو الذي يتحمل مسؤولية إضعاف المملكة وحشرها في هذه الزاوية المريعة
والمخجلة؟ وما هي مسؤولية القيادات السعودية المتلاحقة ومسؤوليتك، عن هذا التردي
في المكانة القيادية والإقليمية لهذا البلد العربي الأصيل؟ يجب أن نعري كل
القيادات الفلسطينية والسعودية والعربية، ونكشف فشلها تحت الشمس حتى تراه الشعوب
وتدرك إلى أين سارت بها تلك القيادات.
النقطة الثانية ـ في خلفية اللهاث للتطبيع مع
إسرائيل، إماراتيا وبحرينيا، وآمل أن لا يكون سعوديا أيضا (رغم كل المؤشرات) تقبع
مسألة الاستقواء بإسرائيل ضد الخطر الإيراني. السؤال الكبير هنا، لماذا لم يشرح
الأمير للشعب السعودي كيف أصبحت إيران خطرا على السعودية؟ ومن هو الذي تسبب في
تمكينها من العراق وسوريا ولبنان، وما الدور الذي لعبه هو في واشنطن كأداة في يد
جورج بوش الابن، خلال التحضير لتدمير العراق وتسليم البلد هدية جاهزة على طبق من
فضة لإيران. وفي أعقاب تلك الحرب اندفعت إيران في الهلال الخصيب، تحتل وتسيطر ثم
تحاصر السعودية في شمالها الإقليمي. ما هي مسؤولية القيادات السعودية، وهو منها،
في تسهيل تلك الحرب وتعبيد الطريق للنفوذ الإيراني؟ لو كان هناك حكم ديمقراطي في
السعودية، فإن المكان الحقيقي الذي كان سينتهي إليه الأمير وغيره هو السجن، حكما
بالخيانة العظمى على دوره في واشنطن، وفي تلك الحرب، وعدم تمريره المعلومات
الحقيقية لقياداته، وتقدير مآلات الأمور في العراق، وسيناريوهات السيطرة الإيرانية
عليه في اليوم التالي، لاصطفافه إلى جانب مجرمي حرب مثل بوش وبلير، تطالب المنظمات
الحقوقية بمحاكمتهما. ونعلم أن عشرات الكتب والأدبيات الأمريكية تحفل بالإشارة إلى
ما قام به الأمير في هذا المجال!
النقطة الثالثة ـ حول فشل القيادات أيضا،
وبدون أي مجاملة، لماذا لم يقل الأمير للشعب السعودي كيف ذهبت تريليونات الوطن، وإيرادات
النفط الهائلة على مدار عقود طويلة من الثروة النفطية الوطنية، وكيف أبيدت وبُددت؟
ولماذا تقف السعودية الآن عارية وخائفة أمام ايران المُنهك اقتصادها، وكيف استطاعت
إيران أن تبني قوة عسكرية وقوة نووية، وهي تحت العقوبات والمقاطعة والحرب من
الغرب، لما يقرب من أربعين سنة؟ لماذا لم تبن السعودية قوتها العسكرية الذاتية،
وتعتمد على ذاتها، بما لا يضطرها الآن للجوء والاختباء خلف إسرائيل، أو حتى أمريكا
خشية هذا العدو الإقليمي أو ذاك؟ أين ذهبت ثرواتها؟ لماذا مثلا لا يفسر الأمير
للسعوديين كيف، ولماذا تفشل السعودية رغم كل مقدراتها تلك في حربها في اليمن،
وتكلف الشعب السعودي تريليونات الدولارات؟ أين هي القيادة والقرار السياسي،
واقتناص الفرص، وكل ذلك «الدهاء السياسي» التشاوفي، الذي تنطع به على الفلسطينيين؟
أين هي القيادة الحكيمة التي فشلت في كل ملف إقليمي: في العراق، في سوريا (والأمير
نفسه أمسك ملف دعم المنظمات المسلحة هناك لفترة من الزمن، وفشل فيه، وذكر في
مقابلاته أن السعودية هي من شرعنت وعززت حكم بشار الأسد أساسا)، وكذلك الفشل
العارم في لبنان، وفي التعامل مع إيران ومع تركيا؟ من يتحمل مسؤولية كل هذا الفشل،
ولماذا لا يعرف الشعب السعودي تفاصيل ملفات الفشل هذه، وهل فلسطين والفلسطينيون
مسؤولون مثلا عن ذلك كله؟
النقطة الرابعة ـ وبعيدا عن القوة العسكرية،
لماذا لم تتحول السعودية إلى كوريا الجنوبية (حتى لا نقول اليابان) التي بدأت
نهضتها بعد حرب دمرتها في أوائل خمسينيات القرن الماضي، أي بعد ربع قرن من تأسيس
السعودية، ولا تمتلك نفطا ولا أي موارد طبيعية، وعدد سكانها أكثر من سكان
السعودية؟ من هو المسؤول عن الضعف السعودي الحالي، الذي ما عاد يستأسد إلا على
الأطراف الأضعف؟
يعيب الأمير على القيادات الفلسطينية فشلها،
وهو محق في ذلك ونحن معه في انتقادهم، والفلسطينيون أول من انتقد وينتقد قياداتهم
وبشراسة، والكتب والدراسات والأبحاث التي أصدرها فلسطينيون في نقد قياداتهم تملأ
مكتبات. ومن زاوية الانتقاد نفسها، لماذا لا يفاتح الأمير الشعب السعودي بفشل
قياداته في إدارة البلد وبنائه ووضعه في مقدمة دول العالم، تقدما، وعلما،
واقتصادا، وقوة؟
ثمة أمور أخرى سكت عنها بندر بن سلطان متعلقة
بالتاريخ الفلسطيني. جزء من هذا السكوت يعود إلى جهله (من دون مجاملات) فهو في
نهاية المطاف رجل أمن برتبة سفير وليس مؤرخا. ورغم الجهد المبذول «من فريق إعداد»
الحلقات وتنظيم نقاط الهجوم والتواريخ والإخراج، والتوقف من فترة لفترة لمراجعة
تلك النقاط، فقد ظلت النقاط والأحداث الانتقائية المتفرقة التي حفظها هنا وهناك
مفككة ومتناثرة تاريخيا، وأغلبها لا علاقة له بالتاريخ. وهنا بعض مما سكت عنه بندر:
1 ـ تحدث الأمير عن الحاج أمين الحسيني، وما
وصفه بتحالفه مع هتلر، وليس هناك أي مؤرخ في العالم يتحدث عن «تحالف» بين الاثنين،
عدا ما يقوله نتنياهو والخطاب الصهيوني، فضلا عن أن الحسيني في سنوات الأربعينيات
لم يعد يمثل الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها. فقد خالفه جزء كبير من تلك الحركة
كان مازال، في القدس وبيروت ودمشق. وكثير منهم كانوا أقرب لبريطانيا ووعودها
الكاذبة في التوجه السياسي. وكان قربهم من بريطانيا، وهذا المهم، نتيجة ضغط الملوك
العرب عليهم وتحديدا الملك السعودي عبد العزيز، والملك عبدالله ملك الأردن، والملك
فيصل ملك العراق. كلما كان الفلسطينيون يثورون على بريطانيا، كما فعلوا في الثورة
الكبرى سنة 1936 تدخل الملوك العرب ومنهم الملك السعودي ودقوا على صدورهم بأن
بريطانيا سوف تسمع لهم، أن أوقف الفلسطينيون ثورتهم. هذا هو طرف الخيط الذي لم
يظهره بندر بن سلطان للشعب السعودي، وهو الخيط الذي استمر أكثر من سبعين عاما،
وصولا إلى خطة السلام العربية وصفقة ترامب. جوهر السياسة الرسمية العربية،
والسعودية في مقدمتها، كانت تشجع الفلسطينيين، وتضغط عليهم لتقديم تنازلات
لإسرائيل وأمريكا، وترك الباقي على الزعماء العرب الذين سوف يضمنون الحقوق
الفلسطينية، ثم يتخلون عن وعودهم.
2 ـ بندر بن سلطان محق في تحميل القيادات
الفلسطينية مسؤولية كبرى في الفشل. لكن الفشل الحقيقي لهذه القيادات كانت أسبابه
مختلفة تماما، أهمها الاستماع إلى القيادات العربية ومنها السعودية، وكلها كانت
تتنازل عن أجزاء من فلسطين لتتملق المستعمر البريطاني، ثم المهيمن الأمريكي كي
تظهر أمامه بأنها «متحضرة» و»متفهمة»، وأنها تريد السلام. وكلما كان الفلسطينيون
يقدمون تنازلا جزئيا بسبب الضغوط العربية، كان القادة العرب، وفي مقدمتهم
السعوديون يتركونهم وحدهم يتخبطون في تنازلهم الجديد.
3 ـ لم يكاشف بندر الشعب السعودي بأن الملك
السعودي سنة 1948 وقف مع الملك الأردني ومع الحكومة المصرية ضد حكومة عموم فلسطين،
التي رأسها أمين الحسيني في غزة بعد حرب نكبة فلسطين، وأرادت أن تؤسس حكومة ودولة
فلسطينية في ما تبقى من فلسطين. أراد الفلسطينيون أن يؤسسوا كيانا وطنيا وسياديا
لهم، حتى لا يتم دوسهم، لكن بريطانيا والحركة الصهيونية وقفا ضد قيام أي كيان
فلسطيني مستقل، وضغطت بريطانيا على الجامعة العربية، وأهم دولها السعودية ومصر، للخضوع
لفكرة بريطانيا بضم ما تبقى من فلسطين إلى شرق الأردن. السعودية كانت شريكة مع
الأردن ومصر والعراق في وأد الكيان الفلسطيني في تلك اللحظة الحاسمة، هكذا بمكاشفة
وبدون مجاملات وكما يبغي الأمير.
4 ـ كل المبادرات السعودية «السلمية» التي ذكرها
بندر بن سلطان، ليقول للشعب السعودي كيف أن قادته حاولوا مساعدة الفلسطينيين، كانت
كوارث سياسية كرست تنازلات جديدة على حساب فلسطين ولصالح إسرائيل، ومن دون أي ضمان
بأن إسرائيل سوف تستجيب لأي تنازل جديد. وكل مبادرة سعودية كان لها سياق أمريكي
خاص بها. لماذا لم يقل بندر للسعوديين بأن مبادرة الأمير فهد سنة 1980 كانت بطلب
من الرئيس الأمريكي كارتر، وأنها فرضت سقفا منخفضا جديدا على الفلسطينيين والعرب،
وقدمت أول اعتراف ضمني بإسرائيل على صعيد عربي، من خلال الإقرار بأن قرارات مجلس
الأمن242 و338 هي إطار التسوية؟ ولماذا لم يقل للسعوديين إن مبادرة السلام العربية
سنة 2002 لم يكن هدفها فلسطين، رغم أنها قدمت تنازلا جديدا لإسرائيل، بل كانت
لإنقاذ الدبلوماسية السعودية، التي وجدت نفسها محشورة في الزاوية، بعد تفجيرات
وإرهاب سبتمبر 2001، الذي قام به ما يقارب من عشرين سعوديا، وشعرت السعودية بأنها
وُضعت في دائرة الهدف، ضمن الحرب على الإرهاب، أرادت السعودية تحسين صورتها والهرب
إلى الأمام فتقدم الصحافي الأمريكي توماس فريدمان بهذا الفكرة «العبقرية» إلى
الملك عبدالله الذي تبناها وأصبحت مبادرة سعودية: ليس أفضل من تقديم مبادرة
تنازلية على حساب فلسطين والفلسطينيين لاحتواء الغضب الأمريكي، وهذا ما صار.
5ـ حتى حول هذه المبادرة العتيدة التي يمن بها
بندر على الفلسطينيين، ورفضها شارون من اليوم الأول، وكذا الحكومات الإسرائيلية
المتعاقبة، لماذا لم يشرح للسعوديين لماذا فشلت، وماذا عملت السعودية لإنقاذ ماء
وجهها ومبادرتها؟ وأين هي دبلوماسيتها، ولماذا لما تنجحها؟ ولماذا لم يقل بندر
للشعب السعودي أن الفلسطينيين قبلوا ويقبلون ويركضون وراء المبادرة العربية التي
بالكاد تمنحهم 22% من مساحة وطنهم التاريخي، وتحظر على ستة ملايين فلسطيني لاجئ
العودة إلى فلسطين؟ ومع ذلك تدوسها إسرائيل وتلقي بها في وجه السعودية؟
6 ـ بالتوازي مع ذلك كله، لماذا لم يكن بندر
أمينا ونزيها حتى في الحد الأدنى من السرد ويقول إن القيادة الفلسطينية كانت تركض
وراء السعودية، وتقبل كل المبادرات: مبادرة فهد، مدريد، أوسلو، المبادرة العربية،
وفي كل مرة تقدم تنازلا جديدا، وهي السياسة التي أدت إلى انقسام الفلسطينيين
واقتتالهم، ومع ذلك إسرائيل ظلت ترفض وتواصل الرفض. كيف يمكن أن يدين الأوروبيون
ونصف الأمريكيين والعالم كله الرفض الإسرائيلي والاحتلال الإسرائيلي والعنصرية الإسرائيلية،
بينما بندر بن سلطان يتبنى الرواية الإسرائيلية، ويريد أن يلقنها للشعب السعودي،
التي تقول بأن «الفلسطينيين أضاعوا فرص السلام»؟.