"لم تنتهِ الحرب في سوريا"؛ عبارة وردت على لسان رأس النظام في مقابلة له مع الإعلام الروسي مؤخراً. وقبلها بأسبوع، قال رأس الدبلوماسية الروسية "لافروف" إن "الحرب انتهت في سوريا". الإشكالية بالتناقض هذا لا تكمن بأيهما "الصادق"، بل بملامح الشرخ الحاصل بينهما، رغم محاولاتهما إخفاءه عبر الإشادات المتبادلة. فأين يلتقيان ويفترقان في فهميهما وأهدافهما من الحرب في سوريا أو عليها؟
عندما يعيد الأسد تشغيل الأسطوانة المشروخة بشأن "الحرب الكونية" على سوريا، وقَدَرِ سوريا في مواجهة الإرهاب تاريخيا -حسب قوله- فهكذا حرب لا تنتهي. ولكن واقع ما حدث في سوريا يثبت أن الأمر ليس كذلك، بل تم استخدام سردية "الحرب الكونية" على سوريا، أو "الحرب على الإرهاب" كشماعة يعلّق النظام عليها ارتكاباته بحق شعب ثار عليه. فأي حرب كونية هذه، إذا كان هذا الكون يطلب من النظام وقف الحرب على شعبه، ووقف إطلاق النار، ورفع الحصار، وإطلاق سراح المعتقلين، والدخول في العملية السياسية؛ كي تنتهي الحرب، وتستقر سوريا، وتعود إلى الحياة؟!
الحرب التي لم تنته هي حرب النظام على الشعب؛ ببساطة لأنها شريان حياته. كيف له أن يتحكم بالملايين، التي بقيت تحت سيطرته، إن لم يجعل اهتمامات تلك الملايين محصورة ببقائهم فقط؟! كيف يمكن أن يزيح صور أكثر من مليون فلذّة كبد قضوا بحرب عبثية من أجل بقائه في السلطة، إذا انتهى شبح كابوس الحرب "الكونية"؟! أليس
لم تنته الحرب بالنسبة للنظام، لأن التوتر المجتمعي يعني بقاءه كقراد يمتص ما بقي من دماء هذا الشعب.
من الضرورة بالنسبة لهذه السلطة الاستبدادية أن تكون لقمة العيش والمحروقات والكهرباء والأمان هاجس هؤلاء الرهائن تحت سيطرتها كي يسهل استعبادهم؟! أليس اتهام المواطن بالإرهاب بداية، ثم لاحقاً باللاوطنية حرباً لا تنتهي؟!
لم تنته الحرب بالنسبة للنظام، لأن التوتر المجتمعي يعني بقاءه كقراد يمتص ما بقي من دماء هذا الشعب. أوليس الخنق الاقتصادي نوعاً من الحرب! أوليس الإذلال والخطف والفتن ونشر المخدرات والاعتقالات المستمرة حرباً لا تنته؟!
من جانب آخر، وكما أن مقولة "الحرب لم تنته" هي إكسير الحياة والاستمرار لمنظومة الأسد، فإنها المبرر الأساس لاستمرار وجود إيران وميليشياتها في سوريا؛ فهل يجرؤ رأس النظام على سحب ذلك البساط من تحت أقدام الاحتلال الإيراني؟! أليست إيران مصدر تحريض مستمر للحؤول دون دخول النظام في أي عملية سياسية، والتظاهر بقبولها فقط؟!
في سردية لافروف بأن "الحرب انتهت"، الرجل معذور بالتحدث عن ذلك، ربما بدافع الحرج بعد مضي خمس سنوات على الدخول الروسي العسكري الثقيل في سوريا من أجل "وقف الاٍرهاب"-حيث كان مقررا أن ثلاثة أشهر كفيلة بإنهاء المسألة، كما قال بوتين ذاته- ولكن الخيبة كانت النتيجة؛ فلا السلام تحقق، ولا الأمان حل، ولا الإرهاب هُزم، ولا المصالح تحققت. والسبب في كل ذلك هو أن غاية الدخول أساساً لم تكن كما أُعلن، بل لحماية إرهاب النظام ذاته وتغطيته سياسياً في وجه من ثاروا على الاستبداد؛ فكان تدمير المنازل والمدارس والمشافي والأسواق، وكان التشريد، وكان إجهاض القرارات الدولية المتعلقة بوقف الحرب في سوريا بإفراغها من مضمونها.
لا يعني غياب براميل النظام وصواريخ طائرات السوخوي الروسية من الأجواء السورية نهاية حرب النظام وداعميه على الشعب السوري؛ حيث لم يعد هناك مشاف ومدارس وأسواق لتُقصَف. ربما أطلق السيد لافروف تلك العبارة في "نهاية الحرب" لممارسة الضغط على الحليف وشريكه الإيراني للانطلاق إلى الجنى السياسي والاقتصادي المتعثرين.
حرب النظام ومَن يدعمه على سوريا والسوريين لم تنته؛ لكن القائلين يتفقان بالهدف النهائي في طرحيهما، ويختلفان بتمريره بالغاية والوسيلة لإنجاز الهدف. رئيس النظام يقول باستمرارها ويريده من أجل البقاء، والروسي يقول بنهايتها- رغم علمه بأنها لم تنته- كي يثبّت "سلطة فيشي الأسدية" في دمشق، ليتسنى له وضع اليد وإنجاز الأهداف المتعثرة دون أن يوُصَف بالاحتلال.
تنتهي الحرب في سوريا بالتوقف الروسي عن "التكتكة" والمناورات، وبالتوقف عن العمل بعقل المحتل الذي لا يريد الاعتراف باحتلاله لبلاد الآخرين، وبالتيقن من أن المنظومة التي يحميها عبارة عن عصابة ستنقلب عليه عند تحقيقها مآربها بالتعاون مع ملالي طهران. تنتهي الحرب بتطبيق القرارات الدولية، ونهاية الاستبداد، وخروج الاحتلالات، وتقرير السوريين مصيرهم في بناء بلد حر سيد كريم. وأقول في النهاية ليس للسوري إلا السوري؛ وأدعو من لازال مع النظام خوفاً أو مصلحة أو لأي سبب آخر؛ آن الأوان أن ننقذ بلدنا من الاستبداد وكل الاحتلالات التي تحميه. ولنا في حريق بلدنا الدرس الأكبر.
سوريا في بروتوكولات حكماء الكرملين