مقالات مختارة

النظام السوري وبوابة التطبيع

1300x600

في إجابته عن إمكانية الانفتاح نحو التطبيع مع تل أبيب قال الأسد بكل وضوح وثقة عن أن الحديث عن السلام مع إسرائيل ممكن في ظل شرط واحد وهو إعادة الأراضي السورية المحتلة.

هذا التصريح قد يراه بعض المقربين مما يسمى بمحور المقاومة على أنه متمم للخط الذي تبناه الأسد الأب والذي كانت يقدم تحت عنوان : "الأرض مقابل السلام" أما شخصيا فإن هذا التصريح وفي هذا التوقيت وضمن الموازين الحالية للمشهد السوري والتعقيدات الاقتصادية وموجة التطبيع العربية التي تقودها أبو ظبي "أصدقاء الأسد" قد يكون رسالة ضمنية وترجمة فعلية لمباحثات سرية تقودها موسكو كممثل عن الأسد ويتوسطها الإماراتيون، إمكانية هذه الخطوة على أرض الواقع تحتاج منا البحث في تفاصيل المشهد السوري داخليا ثم التوسع إيرانيا فأمريكيا.

سوريا الأسد


إن المشهد العام في مناطق نفوذ الأسد تعاني من أزمة عميقة ومعقدة على عدة مستويات، فالوضع الأمني شبه منفلت في الجنوب السوري وبالرغم من سيطرة الأسد على محافظتي درعا والقنيطرة إلا أن الهجمات والاغتيالات أصبحت أحداثا يومية، هذه الهجمات تتقاسمها اغتيالات لمخابرات الأسد ضد ناشطين ثوريين سابقين، وبعضها تحمل بصمات تنظيم الدولة والتي تتركز ضد عناصر الأسد والفيلق الخامس، وقسم ثالث يحمل بصمات إسرائيلية ضد عناصر تتبع للحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب الله، وبالرغم من هذا الوضع المرعب في الجنوب السوري إلا أن الجحيم كان ولايزال ممتد على طول البادية السورية حيث تتزايد فاعلية خلايا تنظيم الدولة الإسلامية يوما بعد يوم وأصبحت هجماتهم تمتد حتى محيط مدينة السلمية في ريف حماة الشرقي، وقد يرى المراقبون خطورة هذا الانفلات الأمني والعسكري والاستخباراتي على نظام الأسد ونفوذه على أرض الواقع.

إلا أن الحقيقة هي أن الخطر الأكبر على الأسد في المرحلة الحالية هو الوضع الاقتصادي المزري بجميع نواحيه، فلا تكاد تنتهي أزمة مادة المازوت حتى تبدأ أزمة البنزين والتي يليها نقص في كميات القمح أي نقص بمادة الخبز، وحينما تصل الأزمة لخبز المواطن فإن ناقوس الخطر يدوي في أي دولة في العالم، ومع عقوبات أمريكية ضمن خط تصاعدي تحت عنوان "قانون قيصر" فإن احتمالية خروج الأسد من هذا المأزق الاقتصادي ليس له سوى مخرج وحيد وهو محصور برضى الإدارة في البيت الأبيض من خلال حل سياسي يقلل من سلطات الأسد ويفتح البلاد نحو تغيير بطيء للنظام وهو خيار لم يقبل به الأسد في أسوأ أوضاعه العسكرية وبالتالي لن قبل به وهو منتصر ميدانيا، وفي خضم هذه الأزمة أتت موجة التطبيع والتي تقدمها موسكو كمخرج بديل وخطة باء للأسد.

وساطة روسية

الخطة باختصار تقوم على فتح باب مفاوضات سورية – إسرائيلية بوساطة روسية إماراتية ينتج عنها موافقة الأسد على انسحاب إيراني شامل من الجغرافيا السورية وتعهده بمنع وجود عناصر لميليشيا حزب الله اللبناني في الأرض السورية مع تنازل غير معلن عن الجولان للجانب الإسرائيلي، وفي المقابل يلعب اللوبي الإسرائيلي دورا مهما بتغيير التوجه الأمريكي نحو الأسد وتجاه الحل السياسي في سوريا، وبالتالي رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية والتي بدورها ستعني ضوءا أخضر نحو إعادة إعمار في سوريا، كما ستلعب الإمارات العربية المتحدة دورا مهما بدفع دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق والمساهمة بشكل فعال في إعادة الإعمار.

هذه التفاصيل التي بدأت تنتشر في الأروقة الدبلوماسية في موسكو وأبو ظبي وتل أبيب تؤكد على وجود محادثات ضمن مستوى دبلوماسي ما، إلا أنه للوصول لهذه النقطة فإن العقبة الأهم والوحيدة بشكل فعلي تتمثل بوجهة نظر طهران من هذا الاتفاق مع التأكيد ومنذ البداية أن اليد الإيرانية في المشهد السوري ليست عسكرية فقط وإنما اقتصادية واجتماعية ودينية وتكاد تحيط برقبة الأسد نفسه وبالتالي لا يمكن وبأي شكل أن يتم حدث بهذا الأهمية دون ضوء أخضر إيراني سواء علني أو ضمني.

المشهد في طهران

ومع إعلان واشنطن قبل أيام عن فرضها عقوبات اقتصادية جديدة ضد النظام الإيراني والتي تشمل قطاع البنوك فإن الأكيد هو أن فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة سيعني صفعة خطيرة لهذا النظام ولنفوذه في المنطقة عموما، في حين سيشكل انتصار بايدن بداية انفراج تدريجي للخروج من عنق الزجاجة، ضمن هذا التوصيف ستكمل طهران الأسابيع القليلة المقبلة وحتى موعد هذه الانتخابات تحت عنوان الصبر الاستراتيجي، وتبعا لهذا التقسيم فإن قراءة ردة فعل طهران حول فكرة تطبيع الأسد وعلى حساب نفوذها في سوريا سيكون مرتبطا بشكل حتمي بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومن هنا سيكون التوجه كالتالي:

ترامب في البيت الأبيض… وهذا سيعني المزيد من الضغوطات والعقوبات والحصار وسيضع طهران أمام خيارات أكثر تعقيدا مما كان عليه المشهد قبل أربع سنوات، فالعقوبات الأمريكية على ميليشيا حزب الله اللبناني بدأت تؤتي أكلها، وبدأت الميليشيا تستشعر بخطر الغضب الشعبي والضغوطات الفرنسية والأمريكية على نفوذها الداخلي والإقليمي، والمشهد في دمشق ليس بالأفضل بأي حال.

كما أن الحكومة العراقية المنهكة وعلى جميع المستويات تحاول وضع توازن ولو قليلا بين نفوذ طهران والحاجة للغرب، وعليه فإن اختيار طهران الاستمرار ضمن المسار نفسه قد يؤدي لانشقاقات ضمن المحور نفسه، هذا الواقع قد يدفع طهران نحو موافقة ضمنية على فكرة انسحابها العسكري الظاهري من الجغرافيا السورية مع إبقاء التنسيق مع الأسد وإبقاء اليد الاقتصادية والاجتماعية الإيرانية مع وعود بمشاركة شركات إيرانية ضمن مشاريع إعادة الإعمار وعدم المساس بخط الوصل مع ميليشيا حزب الله في لبنان، كما قد تضع طهران شرطا إضافيا أن تشمل صفقة التطبيع السورية رفع العقوبات عن ميليشيا حزب الله في لبنان، هذا التوجه برأيي الشخصي ستتبناه طهران ضمن صفقة أكبر مع واشنطن تشمل رفع العقوبات عنها وتقديم تنازلات تشمل الملف النووي العسكري والملف الصاروخي.

أما الخيار الثاني الذي قد تتباه طهران فهو الذهاب خطوة نحو الأمام من خلال تصعيد عسكري في المنطقة ومحاولة ابتزاز واشنطن عبر معبر هرمز أو عبر جبهة إسرائيل الشمالية، وضمن هذا التوجه سترفض طهران فكرة التقارب بين دمشق وتل أبيب بشكل قاطع.

بايدن في البيت الأبيض… ومن خلال متابعة أفكار بايدن خلال توليه منصب نائب الرئيس السابق باراك أوباما فإن الأقرب أن يختار بايدن التقليل من مستوى العقوبات على النظام الإيراني بشكل تدريجي ومحاولة العودة للاتفاق النووي السابق، وعليه تكون طهران غير مضطرة لتقديم تنازلات في ملفات سوريا ولبنان، والأرجح أن ترفض طهران فكرة التطبيع السوري-الإسرائيلي بشكل قاطع.

ختاما، قد تكون هذه الصفقة مجرد أفكار متناثرة تعبر عن عدم ارتياح روسي من الوجود الإيراني في سوريا من جهة ومن مستوى المكاسب الاقتصادية المحدودة من جهة أخرى والتي قد يكون خيار التطبيع حلا سحريا مناسب لكلا هاتين المشكلتين، أما ما هو مؤكد وحتى هذه اللحظة هو أن مسار التطبيع الذي تقوده أبو ظبي مؤخراُ لم يؤثر ولو بشعرة على واقع تل أبيب غير المستقر بعيدا عن البروباغندا الإعلامية، فلا تزال تتواجد ضمن محيط غير مريح وضمن بيئة شعبية رافضة للتطبيع بكل أشكاله.

 

القدس العربي