مقابلات

ضيف "عربي21": مقابلة مع الوزيرة التونسية السابقة سهام بادي

سهام بادي قالت إن العالم الآن يعتبر الثورة التونسية بمثابة مدرسة جديدة في السياسة- عربي21

* العالم الآن يعتبر الثورة التونسية بمثابة مدرسة جديدة في السياسة

 

* كل ما يحدث في تونس هو مخاض لديمقراطية ناشئة وشابة لكن خياراتنا صعبة

 

* تونس انتقلت من "الظلمات إلى النور" في ملف حقوق الإنسان.. ولا وجه للمقارنة مع باقي الدول العربية

 

* بلادنا عاشت ويلات النظام الرئاسي.. والنظام البرلماني يهدف لترسيخ "الديمقراطية التشاركية"

 

* أدعو لعدم التسرع في الحكم على "قيس سعيّد" من خلال سنة فقط في الحكم.. وعليه أن يُثبت قدرته على الإنجاز

 

* هناك مَن كُلّف بتشويه وتعطيل المسار الديمقراطي بتونس حتى جعل بعض الناس تكره السياسة والديمقراطية

 

* المرأة التونسية تُعتبر رائدة مقارنة بالمرأة في العالم العربي والإسلامي.. ولا خوف على مكتسباتها

 

* أتمنى منافسة المرأة على رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة والبرلمان وأن تتواجد في الوزارات السيادية

 

* تجربتي في الحكومة كانت "ثرية جدا" رغم تعرضنا لضغوطات شعبية كبيرة

 

قالت وزيرة شؤون المرأة التونسية سابقا، سهام بادي، إن "هناك مَن كُلّف بتشويه وتعطيل المسار الديمقراطي في تونس، حتى جعل بعض الناس تكره السياسة والديمقراطية"، مُحذّرة من الدور الذي يلعبه "النظام القديم ورجاله ومُموّلوه من رجال الأعمال الموالين له، إلى جانب الدول التي لا تريد أن تنعم بلادنا بالثورة والحرية، خاصة أن لهؤلاء الإمكانيات التي تُمكّنهم من العودة من جديد للحياة السياسية".

ودعت، في الحلقة الأولى من مقابلتها الخاصة مع (ضيف "عربي21")، إلى "عدم التسرع في الحكم على أداء الرئيس قيس سعيّد من خلال سنة فقط في الحكم، خاصة أن هذه السنة كانت صعبة، وتعاقبت خلالها أكثر من حكومة، فضلا عن عدم الاستقرار السياسي داخل البلاد، وتشتت الرؤى داخل البرلمان"، مُطالبة "سعيّد" بأن يُثبت قدرته على تحقيق ما وعد به الشعب.

 


وأكدت "بادي" أن "المرأة التونسية تُعتبر رائدة في العالم العربي والإسلامي، لأن لها من الحقوق ما يميزها عن نظيراتها في بقية الدول"، مُشدّدة على أنه "لا خوف على مكتسبات المرأة مهما كانت الأحزاب التي تتصدر المشهد أو التي تتولى الحكم؛ فالمرأة كفيلة بأن تحارب بشراسة للحفاظ على تلك المكتسبات".

وتاليا نص الحلقة الأولى من مقابلتها الخاصة مع (ضيف "عربي21"):

 

ما تقييمكم لمسار ثورة الياسمين في ظل الجدل أو الاعتراض الذي تواجهه من قبل البعض؟ وما الذي حققته حتى الآن؟


نعم، نحن فخورون جدا بهذه التجربة، ودعنا نعكس الإجابة: وكأن مَن يعترضون على الثورة يمنون علينا بالحرية، والديمقراطية، وحرية التعبير، فهل قدر تونس أن تبقى ترزخ تحت وطأة الحكم الواحد، والرئيس الواحد، والحزب الواحد، تحت الظلم والاستبداد، والسجون المليئة بخيرة شباب هذا الوطن، والمُهجّرين والمشردين، والنساء وما يتعرضن له من مظالم، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؟

وهل كان قدرنا أن تكون عائلة متنفذة ومتحكمة في رقاب الناس، وفي ممتلكاتهم، وأموالهم؟ وهل يستكثرون على الشعب التونسي أن ينعم بالحرية، وأن يعيش تجربة ديمقراطية تُعتبر رائدة في العالم العربي والإسلامي، بل في العالم أجمع؟ فالعالم الآن يعتبر هذه الثورة بمثابة مدرسة جديدة في السياسة، فهناك نجاحات وهناك إخفاقات فهي كأي تجربة، وقد نجحنا سياسيا؛ فلدينا برلمان، ومؤسسات ديمقراطية، ولدينا اختلاف سياسي حقيقي وليس صوريا.

أما الإخفاق فهو في المجال الاقتصادي، لأن الثورة تعتبر بمثابة بناء أصبح يتداعى للسقوط، ومن أجل أن نبني بناء أجمل وأفضل ربما نحتاج أن نسقط البناء القديم ونعيد ترتيب البيت من الداخل، وهذا بالطبع يحتاج إلى وقت وجهد، وفي مراحل البناء نواجه صعوبات تتمثل في سقف التوقعات والأمنيات المرتفع جدا الذي كان عند بعض الناس في تحسين الأوضاع الاجتماعية والنهوض بالمناطق المحرومة والمهمشة، وصحيح أنها تعاقبت الحكومات لكن الشعب ما زال تحت خط الفقر ويعاني مشكلات اقتصادية واجتماعية كبيرة.

كيف تنظرين لمبادرات تحصين الثورة التونسية من أعدائها؟


نعم، كانت هناك مبادرات لتحصين الثورة، وهذه المبادرات كان يجب أن تكون منذ البداية، وإلا لو تأخرنا فلا فائدة منها، وكنت من المؤيدين لها؛ فالأشخاص الذين تعاملوا مع النظام السابق، وكانوا شركاء بشكل مباشر أو غير مباشر في التعذيب أو التهجير أو الفساد أو الحوكمة الفاسدة التي كانت موجودة آنذاك، كل هؤلاء كان الغرض استبعادهم على الأقل لمدة خمس سنوات حتى تتعافى البلاد من سمومهم وشرورهم ومما تركوه في البلاد من آثار ومخلفات سياساتهم السابقة، ولم يكن ذلك مطلبا صعب المنال.

لكن هناك مَن رأى أن الثورة يجب أن يستفيد منها الجميع، وعفا الله عنا سلف، والديمقراطية هي التي ستفرز مَن يريده الشعب في سدة الحكم، فأتاح ذلك للنظام القديم أن يلملم جراحه، ويتعافى ليتشكل من جديد تحت مسميات وغطاءات مختلفة، وأن يُغير جلده، أو ثوبه الخارجي، ليظهر للناس في الصورة الأجمل، وليستفيد من هذه الديمقراطية ليستعيد أنفاسه.

وبالطبع كان للنظام القديم رجاله وأمواله، ومُموّلوه من رجال الأعمال الموالين له، إلى جانب الدول التي لا تريد أن تنعم تونس بهذه الثورة وبهذه الحرية، فكان النظام مسنودا داخليا وخارجيا ليعود في ثوب مزركش جديد، وأنا أتأسف لذلك؛ لأننا لم نستطع أن نمرر قانون تحصين الثورة في المجلس التأسيسي، لكن لعله يكون في الأيام المقبلة حين تكون لنا المؤسسات الدستورية، ويكون لدينا وعي سياسي بضرورة محاسبة الجلادين، ومحاسبة كل مَن انتهك حق الشعب، من خلال هيئة الحقيقة والكرامة، وهي إحدى هذه المؤسسات المعنية بهذا الشأن.

كما أتمنى أن تكون هناك استفاقة في المستقبل حتى لا نكرر الماضي، ولا نعود لتلك الأشكال من الحوكمة. صحيح أن الديمقراطية الآن هي الفيصل وهي التي تقول كلمتها، لكن لهؤلاء الإمكانيات التي تُمكّنهم من العودة من جديد للحياة السياسية مع الأسف.

كيف انعكست الثورة التونسية على الأوضاع السياسية بالبلاد؟ وما سبب حالة التأزم الراهنة؟


«الماء يفسده طول الركود».. فالحياة السياسية كانت شبه منعدمة تماما من قبل، الآن أصبحت هناك "حركية"، فلا نعلم مسبقا مَن هو رئيس الدولة، ولا رئيس الحكومة، وأصبحت هناك انتخابات حرة ونزيهة، وأصبحت هناك حياة سياسية تُعبّر عن كل الأطياف والألوان والسياسية، وبالتالي فلا يمكن الحديث عن الأزمة السياسية بشكل سلبي.

وأقول إن كل ما نراه هو إيجابي، وهو مخاض لديمقراطية ناشئة وشابة، عمرها في تونس الآن عشر سنوات، لكن الخيارات صعبة بالطبع، في ظل أوضاع دولية واقتصادية صعبة، بالإضافة إلى صعوبة الوضع الصحي الحرج على المستوى العالمي، فلا يمكن أن نعزل مشاكل تونس السياسية عن ما يحدث حولها في هذه القرية الصغيرة التي تسمى العالم.

وهناك أفق لهذه الأزمات، والأفق يكمن في الأمل نحو استقرار أفضل، ونحو ترتيب سياسي أفضل، وخيارات أصوب، واهتمام أكثر بالمجالين الاقتصادي والاجتماعي، والالتفات لمشاكل الشعب عوضا عن إضاعة الوقت في جدل سياسي عقيم لا يثمر إلا مزيدا من التفتت، والفرقة، وتقسيم الشعب، ولا يخدم أهداف ومصالح الثورة.

لذا، فإننا نجد العديد من دول العالم التي حققت الاستقرار بموجب القبضة الحديدية للديكتاتوريات المتنفذة فيها، وللأحزاب التي تحكمها منذ عقود كبيرة من الزمن. وأعتقد أن أزمتنا السياسية يُمكن أن تحسدنا عليها الكثير من الدول الأخرى.

وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي جدّد التزام بلاده بحماية الحقوق والحريات الأساسية وانخراطها التام بالمنظومة العالمية للديمقراطية وحقوق الإنسان.. فكيف تنظرون لواقع الحقوق والحريات بتونس الآن؟


انتقلت حقوق الإنسان في تونس من "الظلمات إلى النور"؛ فقد انتقلنا من سجون مليئة، ومن تكميم الأفواه، ومن حالات التعذيب التي طالت الرجال والنساء والشيوخ والأطفال، وانتقلنا من الحوكمة التي كانت تسودها المحسوبية والرشوة، والفساد الإداري والمالي، وانتقلنا من حالات التهجير، والمنافي شاهدة على فرار العديد من الناس من بلادهم بسبب أفكارهم، أو مواقفهم وانتماءاتهم السياسية، وبالتالي ليس هناك أي مجال لمقارنة الوضع بما كان عليه في السابق، اليوم أصبح بالإمكان مساءلة رئيس الدولة، وكذا رئيس البرلمان، والوزراء، والنواب، وحتى أعلى هرم السلطة إذا اقتضى الأمر؛ فالناس سواسية أمام القانون، وكلهم يمثلون أمام القضاء بنفس الشكل.

والآن بإمكان أي مواطن أن يستخدم الوسائل الحديثة للإبلاغ عن أي جريمة انتهاكات لحقوق الإنسان، أو حقوق الطفل، أو المرأة، فلم يعد هناك سكوت عن التجاوزات في حق الإنسان.

وأيضا ليس هناك أي وجه للمقارنة بين حقوق الإنسان في تونس اليوم وبين الإنسان في الدول العربية الأخرى مع الأسف، فمن الممكن أن يدفع الإنسان العربي حياته ثمنا للتعبير عن فكره أو مواقفه، وقد رأينا الصحفيين في بعض الدول يتم اغتيالهم وتقطيع أجسادهم إربا إربا، ولا تزال هناك حالات الاختفاء القسري، وحالات التعذيب الموجودة بوضوح في باقي الدول العربية.

وقد حققت تونس مكسبا في مجال احترام حقوق الإنسان، وبالطبع الديمقراطية في تونس "ناشئة"، لذا فإنك قد تجد بعض التجاوزات، لكنها تُدان وهي ليست الأصل، لأن الأصل اليوم هو احترام حقوق الإنسان، بينما في الماضي كان العكس، فقد كان الأصل انتهاك حقوق الإنسان، وحرماته، وعرضه، وماله، كان كله مُباحا، لكن اليوم قد تغير الوضع 180 درجة، وأي تجاوز لو طالته عدسة أي مصور، ولو بكاميرا هاتفه، فسيصبح محل مطالبة من الجميع، لا يمكن اليوم أن يُهان الإنسان كما كان من قبل، وتبقى الاستثناءات شاذة ولا يُقاس عليها.

كيف ترون الجدل المتفاعل بشأن النظام البرلماني والنظام الانتخابي في تونس؟


تونس عاشت تجربة النظام الرئاسي، وعاشت ويلاته، فإن كان على رأس هذا النظام حاكم مستبد بيده السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية إلى جانب الرئاسة فإن الأمر سيكون خانقا جدا للحياة السياسية في تونس، لذلك كان الغرض من الانتقال إلى النظام البرلماني هو ألا توجد السلطة في يد إنسان واحد، وأن تتوزع السلطة من أجل المزيد من الديمقراطية التشاركية.

الإشكالية كانت في قانون الانتخابات الذي أعطى إمكانية دخول المجلس التأسيسي ثم البرلمان للأحزاب بفضل «نظام البواقي» (القائمة النسبية) الذي مكّن الكثير من الأفراد الذين ليست لهم شعبية كبيرة أو زخم انتخابي كبير من دخول البرلمان وتمثيل الشعب، وحين تتشتت الأصوات وتتشتت الخارطة السياسية أو اللون السياسي داخل البرلمان فقد يكون ذلك إيجابيا في مرحلة التأسيس لأنه يعطي إمكانية كل الحساسيات الموجودة والأطياف والألوان السياسية أن تُعبّر عن نفسها وتشارك في صياغة وكتابة الدستور، لكن في الوقت الحالي وجود أحزاب لا تمثل شيئا داخل البرلمان مكّن من تشتت الأصوات والخيارات والتوجهات والسياسات العامة للبلاد، لذلك أتصور أنه ضروري جدا مراجعة النظام الانتخابي حتى تكون لنا أحزاب قوية ويكون لدينا أحزاب لها كتل برلمانية متوازنة بالشكل الذي يجعلنا نمرر القوانين بسهولة دون أن نرى ثرثرة كثيرة، أو كما يُقال تسمع جعجعة بلا طحين.

كل هذه الأسباب صعّبت أمر اختيار الحكومات، أو تمرير بعض القوانين، أو المشروعات، بسبب تشتت الأصوات، ولأن بعض الاختلافات لا تسمح للحياة السياسية بالاستمرار بهذا الشكل، فمن الضروري مراجعة هذا الأمر، مع التأكيد على إيجاد النظام الذي يُمكّن لألوان وأطياف مختلفة من الحكم، وألا يدع السلطة في قبضة واحدة، بل لتكون هناك حياة ديمقراطية تشاركية حقيقية.

كيف تُقيمين أداء الرئيس قيس سعيّد بعد مرور ما يقرب من عام على توليه الحكم؟ وهل نجح في تحقيق الوعود التي قطعها على نفسه؟


كما هو معروف فإن الرئيس لم يأت من الأحزاب، وخبرته السياسية ربما تكون غير موجودة؛ لأنه لم يأت من داخل حزب، وهذا أمر فيه السلبي والإيجابي، والرئيس لديه شخصيته ولديه فريقه الذي يستشيره إلى حد ما.

هل ساهم الرئيس في التوتر أم لا؟ الرئيس ليس كثير الظهور حتى الآن، وفي بداية ظهوره كانوا يعيبون عليه ويقولون له: "تكلم حتى أراك"، فحين يتكلم يمكن أن نفهم مواقفه وبرنامجه، ورأيه فيما يدور في البلاد حول الأزمات الموجودة، كان قليل الكلام في البداية، ولعله انتقل من مرحلة "قليل الكلام" إلى حالة "استعراض الكلام" حتى في ما يدور من خلافات حول بعض الآراء، بعكس ما كنّا نراه في البداية.

بوجه عام هو مُنتخب من قطاع كبير من الشعب، وعليه أن يُثبت قدرته على تحقيق ما وعد به الشعب، أو إنجاز شيء مما وعد به ناخبيه.

والرئيس أيضا ليس له كتلة برلمانية، وهذا ربما يشكل عائقا أمامه، فكما هو معلوم فإن البرلمان يستطيع سحب الثقة من رئيس الدولة في حالات معينة، هذا يجعل كل سلطة في الدولة – ليس فقط الرئاسة - تنتبه كثيرا لأنها قد تكون عرضة للمساءلة أو الإطاحة بها من قبل مجلس النواب، كما أن لرئيس الدولة سلطة الإقالة في بعض فصول الدستور تمكنه أيضا من إقالة الحكومة أو حل مجلس النواب.

وإجمالا، فلا يجب أن نتسرع أو نحكم عليه من خلال سنة فقط في الحكم، وهذه السنة كانت سنة صعبة، تعاقبت خلالها أكثر من حكومة، منها حكومة لم يخترها البرلمان، إلى جانب عدم الاستقرار السياسي داخل البلاد، بالإضافة إلى أن البرلمان في بعض الأحيان لم يكن قادرا على الإمساك بزمام الأمور، نظرا لتشتت الرؤى فيه، وضمه أشخاصا من كل حدب وصوب، ما يجعل عمله صعبا جدا، وهناك غير الراغبين في إعطاء صورة جميلة عن هذه الديمقراطية، وهناك مَن يرغب فقط في تشويه البرلمان أمام الملأ، وأمام العالم الذي يترقب من الثورة الكثير، وهناك مَن كُلّف بتشويه هذا المسار وتعطيله، أو الانتقاص منه، حتى جعل بعض الناس تكره السياسة والديمقراطية.

والذين يلعبون هذا الدور ربما ينجحون نوعا ما في التأثير على البعض، وإعطاء صورة أن البرلمان في حالة توتر مستمر، وغليان دائم، وتشابك، وتصادم. أتمنى أن توجد حلول لهذا الأمر سواء بالقانون، أو القانون الداخلي في البرلمان، أو القانون الذي يحمي الأفراد من هذه الممارسات، ولعلنا في المستقبل نشهد حالة ما من الهدوء، لإعطاء الفرصة لمزيد من العمل والتقدم شوطا في تحقيق المهام التي تُناط بعهدة البرلمان.

ما رؤيتكم لمستقبل حكومة مستقبل هشام المشيشي؟ وما هو المأمول منها؟


بالنظر للمشيشي وحكومته، فقد جاء أيضا في ظرف صعب جدا، في ظرف الأزمة الصحية، وأزمة تعاقب الحكومات، وهو لا يجعل المهمة سهلة على الإطلاق، ولا ننسى أن الوزراء هم فقط هرم السلطة، وهناك عمل إداري كبير، وهناك مدراء عموم منوط بهم الكثير من الأعمال، في رسم السياسات، وتنفيذ البرامج على أرض الواقع، هؤلاء يواجهون معضلة، ففي كل مرة يتغير فيها الوزير، ويأتي وزير جديد ببرنامج وتصور وسياسة مختلفة.

وأتمنى التوفيق لرئيس الحكومة، فقد جاء في وضع دولي وإقليمي ووطني صعب جدا على جميع المستويات، كمعدلات النمو، والاقتصاد، والمطالب الشعبية، والمشاكل الصحية، وغير ذلك، مما يزيد من عمق المشاكل الموجودة.

ولا يخفى على أحد أننا نشهد خلافات بين رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ورئيس الدولة، فعليهم جميعا أن يضعوا هذه الخلافات الجانبية وراء ظهورهم، وأن يضعوا اليد في اليد من أجل إنجاح هذه التجربة، وحتى لا يتشمت أعداء الثورة، وحتى لا تشمت بنا الدول التي تنتظر لنا السقوط، يجب أن ترانا نرتقي ونحقق الأهداف، كما يجب أن نعطيهم درسا في نجاح الثورة، وفي صمود الشعب وفي قدرته على حماية ثورته.

أما الذين يريدون تخذيل الثورة، وإعطاء أسوأ الصور عنها، فهؤلاء فعلهم محدود في الزمن، وأعتبرهم بقايا الاستبداد وآخر سلالته التي أتمنى أن ينقطع نسلهم فيما بعد، وأن يكون النسل الجديد من الشباب التي فتحت أعينها على بلاد بها مؤسسات ديمقراطية، وبرلمان، وانتخابات، وحياة سياسية. هؤلاء الذين لم يعرفوا الاستبداد ولم يعيشوا زمن السجون، ولا المنافي والتشريد، جيل عاش في الحرية سيواصل المشوار، وسيحافظ على هذه المكتسبات، وسيحقق لنا طموحنا في أن نرى تونس أفضل وأكثر استقرارا، وتونس تعطي درسا للعالم في أهمية الحرية والديمقراطية، وأن الشعب إذا أراد فإن إرادته تصنع العجائب.

اليوم، كيف تقيمين تجربتكِ الشخصية في حكومتي "حمادي الجبالي" و"علي العريض" في ضوء الانتقادات السابقة التي لاحقتكِ؟


أنا كنتُ معارضة سياسية، وعشت بالمنفى، وعشت تجربة المقاومة من خارج البلاد للنظام المستبد الذي تحكم في البلاد والعباد بالحديد والنار لعقود من الزمن، ثم جاءت الثورة المباركة، وعدت إلى البلاد وكان عليّ أن أتحمل إحدى المسؤوليات، وهي وزارة شؤون المرأة والأسرة، وكانت التجربة ثرية جدا، لأننا كنّا في مرحلة انتقالية، للوصول بالبلاد إلى شاطئ الأمان بعد كتابة دستور جديد، وإجراء انتخابات تُمكّن البلاد من تشكيل حكومة مُنتخبة ورئيس مُنتخب لمدة خمس سنوات.

وكانت فترة صعبة جدا؛ فقد جئنا مباشرة بعد إسقاط النظام البائد، وكانت توقعات الشعب عالية جدا، فالشعب الذي انتصر لثورته كان يأمل في أن يرى أهدافها تتحقق بسرعة كبيرة، وهذا لم يكن ممكنا، فكنّا نتعرض لضغوطات شعبية كبيرة لاستعجالنا، وحثنا على تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها الثورة، وخاصة "الكرامة" التي تعني توفير فرص العمل، وإعطاء المناطق المُهمشة حقها في التنمية وحقها في ثروات البلاد، وغيرها من المطالب، ولم يكن لدينا إلا وقت قصير لتحقيق كل ذلك، فكانت المدة خلال حكومتي حمادي الجبالي، وعلي العريض قصيرة، فلم يكن من الممكن تحقيق ما يصبو إليه الشعب.

لكن التجربة كانت رائدة جدا، فقد كان الإعلام في بداية التنعم بحرية التعبير، بل وتجاوز الحدود في بعض الأحيان، فتعرضنا أيضا لضغوطات إعلامية، وكانت الأقلام تعيش هذه المرحلة الانتقالية، والانتقال من مرحلة الصمت التام، أو الدوران في فلك الحاكم، أو "التطبيل والتهليل" لكل ما يفعله الحاكم وتزيين أفعاله، إلى مرحلة انتقاد الحكومات وانتقاد سياسات البلاد، فكنّا في الدفعة الأولى التي طالتها الأقلام والانتقادات، وكانت مرحلة جيدة، لأنها مرحلة "بداية النضج" ليس للعمل السياسي والسياسيين فقط،  بل وللإعلام أيضا، الذي كان عليه الخروج من "القفص" الذي رُسم له ووضع فيه، إلى فضاءات أرحب وإلى حرية التعبير، والتي هي أهم مكاسب الثورة.  

ما هي أبرز المكتسبات التي حققتها المرأة التونسية الآن؟ وهل وضعها الآن هو الأفضل في العالم العربي؟


بالنسبة للمرأة في العالم العربي والإسلامي تُعتبر المرأة التونسية رائدة، ولها من الحقوق ما يميزها عن نظيراتها في بقية الدول، خاصة أن الحقوق الشخصية مكّنتها من ذلك.

وقد رأينا بعد الثورة التواجد المهم جدا للمرأة في البرلمان، فنجد أن القوانين الانتخابية فرضت مبدأ التناصف، وفرضت الوجود في القوائم ما مكّنها أن تكون بنسبة تجاوز الثلاثين بالمائة داخل المجلس التأسيسي في البداية، ثم داخل مجلس النواب في مرحلة أخرى، كما أنها شاركت في الانتخابات البلدية، وهناك الكثير من النساء يشغلن منصب رؤساء بلديات، فنجد أكبر بلدية وهي مدينة تونس العاصمة تترأسها امرأة.

كما نرى لها الآن في الأحزاب السياسية مكانة متقدمة جدا، وتشارك في الحياة السياسية بكل قوة، كما أن علينا ألا نغفل مشاركة المرأة في الجمعيات والعمل الميداني داخل المجتمع المدني، وهذا أمر مهم جدا، كل ذلك يجعلنا نقول: لا خوف على مكتسبات المرأة مهما كانت الأحزاب التي تتصدر المشهد أو التي تتولى الحكم؛ فالمرأة كفيلة بأن تحارب بشراسة للحفاظ على تلك المكتسبات.

ولكن أيضا هناك العديد من القوانين التي تحتاج إلى المراجعة؛ لأن الحياة تطورت، وليس هناك داع لأن يكون هناك أي فرق بينها وبين والرجل في القوانين، فنجد مثلا الفرق في الأجور، وهناك بعض الامتيازات التي لم تتحصل عليها المرأة بعد، وخاصة في المناصب العليا؛ فلم نر المرأة في الوزارات السيادية، وإن أعطيت لها بعض الحقائب الوزارية الأخرى على استحياء، فنحن نريد أن تكون مشاركة المرأة مشاركة سياسية كاملة كما تستحق، ونريد أن نراها تُنافس على مقاعد رئاسة الحكومة، أو على وزارات السيادة كالداخلية والعدل والدفاع.

ونريد أن نراها تُنافس على رئاسة الدولة، أو رئاسة البرلمان، وهذا ليس بغريب على المرأة التونسية ولا بالأمر الصعب، وأنا آمل أن كل النساء اللاتي دخلن الحياة السياسية، وأخذن تجربة لا بأس بها خلال العشر السنوات الأخيرة، سيُمكّن في المستقبل العديد من نسائنا البارزات في مجال الحوكمة والسلطة، وإدارة الشأن العام، وأتمنى أن أرى في المستقبل المرأة التونسية تتبوأ أكبر المناصب وأعلاها في الدولة.