اتسعت دائرة الاحتجاجات على إغلاق الحكومة الأردنية المساجد لمدة أسبوعين، كإجراء وقائي من وباء كورونا، في الوقت الذي تسمح فيه بفتح العديد من القطاعات التي تشهد ازدحاما وضعفا في الالتزام بالإجراءات الوقائية التي أوصت بها وزارة الصحة.
وكان آخر فصول هذه الأزمة اعتقال الإعلامي في فضائية اليرموك ينال فريحات الجمعة، إثر إعلانه في مقطع فيديو بثه عبر موقع "فيسبوك" عن أدائه صلاة الجمعة مع نحو 30 شخصا في إحدى ساحات مساجد العاصمة عمان، رغم المنع الحكومي، ليتم الإفراج عنه في اليوم التالي، بعد تحويله إلى المدعي العام؛ بتهمة مخالفة أوامر الدفاع.
وفي 17 سبتمبر/ أيلول الحالي، دخل قرار إغلاق المساجد والمدارس لمدة أسبوعين حيز التنفيذ في عموم الأردن، جراء تسارع وتيرة تفشي فيروس كورونا، ما أثار انتقادات واسعة، خاصة مع عدم تطبيق إجراءات مشابهة في أماكن أكثر ازدحاما وأقل التزاما وتنظيما.
واليوم، أكد رئيس الوزراء عمر الرزاز، في كلمة وجهها للشعب الأردني، أن الحكومة ستقوم خلال الأسبوع الحالي بوضع معايير وشروط لفتح المساجد والكنائس وصالات المطاعم والمقاهي.
ولم يتطرق الرزاز إلى طبيعة هذه الشروط والمعايير، إلا أنه أكد أن "فرق الرقابة والتفتيش وكوادر الأمن العام، ستقوم بتنفيذ حملات رقابية مكثفة، وكل منشأة يثبت عدم التزامها سيتم إغلاقها فورا".
وأوضح وزير الأوقاف الأردني، محمد الخلايلة، أن وزارته متمسكة برأيها منذ اليوم الأول من أزمة كورونا، والمتمثل بالالتزام بكل ما يصدر عن الجهات الطبية والصحية من توصيات.
وقال لـ"عربي21" إن إغلاق المساجد جاء بتوصية من لجنة الأوبئة ووزارة الصحة، مشددا على أن إغلاق بيوت الله ليس مقصودا بذاته، "فلا أحد يريد أن يغلق المساجد، وإنما الهدف هو المحافظة على الصحة العامة، والسيطرة على الوباء".
ولفت إلى وجود قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، بأنه "لا مانع من إغلاق دور العبادة إذا أوصت الجهات الطبية في بلد مسلم بذلك؛ حفاظا على الصحة ودفعا للوباء".
وحول إغلاق المساجد والإبقاء على فتح قطاعات أخرى تشهد حالات ازدحام وقلة التزام بالإجراءات الوقائية؛ قال الخلايلة إن ما يجري في بعض المولات والأماكن من تجمع وازدحام خطأ واضح، مضيفا أن هذا وجود خطأ في هذه الأماكن يجب ألّا يدفعنا إلى ارتكاب خطأ آخر في المساجد التي نسعى إلى أن تبقى آمنة من الوباء.
وتعقيبا على الحملات الشعبية المنددة بإغلاق المساجد، أكد الخلايلة أنه لا يلوم العوام الذين دفعتهم العاطفة الدينية إلى مهاجمة قرار الإغلاق، مشيرا إلى أن الأطباء والمتخصصين الذين احتجوا على القرار ليسوا في موقع صنع القرار، ولو كانوا كذلك لربما كان لهم رأي مختلف.
وحول اتهامه بأنه لا يملك قرارا بفتح المساجد أو إغلاقها، قال الوزير إن لجنة الأوبئة تتقدم توصية لمجلس الوزراء وليس قرارا، والمجلس يناقش هذه التوصية ويصدر قراره حوله بشكل جماعي، مبينا أنه لم يعارض يوما التوصيات الصحية والطبية؛ كونها تصب في صالح الناس وصحتهم، وليس وراءها هدف مغرض كمحاربة الدين كما يزعم البعض.
خطر على الهوية
ورأى الناشط والإعلامي ينال فريحات أن إغلاق المساجد بحجة الحماية من فايروس كورونا شكل خطرا على هوية الدولة والشعب.
وقال لـ"عربي21" إن صلاة الجمعة شعيرة إسلامية، يجب أن تقام وتمنح لها الأولوية، لافتا إلى أن كثيرا من الأطباء والمختصين في علم الأوبئة أكدوا أنها لا تشكل عاملا في نشر الوباء، خصوصا مع التزام المصلين بالإجراءات الوقائية المعروفة.
ولفت فريحات إلى أنه لم يخالف قانون الدفاع بشكل واضح وصريح، حيث إن القانون يمنع الصلاة داخل المساجد لا خارجها، مؤكدا أن متطلبات السلامة العامة كانت متحققة في صلاة الجمعة التي شارك فيها، والتي رمزت إلى أن الشعب الأردني ما زال حيا ومرتبطا بشعائره الدينية.
وتابع: "الحكومة وقراراتها ليست مقدسة، وبإمكاني أن أتحداها، ولا أتحدى الدولة، والدستور الأردني أتاح لي حرية الرأي والتعبير".
اضافة اعلان كورونا
وبين فريحات أن هناك تخبطا في قرارات الحكومة إزاء التعامل مع أزمة كورونا، حيث إنها تراجعت عن العديد من قراراتها الأخيرة، متسائلا: "ما المانع أن أضغط ومعي المخلصون من أبناء البلد باتجاه أن تتراجع الحكومة عن إغلاق المساجد؟".
استثمار المساجد أولى
وفي الأردن أكثر من سبعة آلاف مسجد، كان بالإمكان استثمارها بأن تكون منبرا تثقيفيا وإرشاديا حول سبل الوقاية من فايروس كورونا، بحسب أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، الذي أكد أن للمسجد دورا في مكافحة الوباء يضاهي دور لجنة الأوبئة ووزارة الصحة.
وقال الخزاعي لـ"عربي21" إن للمسجد مكانة كبيرة جدا في وجدان وقلوب وعقول الأردنيين، "لما له من دور تربوي وديني واجتماعي ووحدوي"، مشددا على أن "المساجد بيوت الله، ولا يجوز إغلاقها على الإطلاق".
وبين أن دراسات أجريت على المجتمع الأردني أشارت إلى أن 83 بالمئة من المواطنين لا يلتزمون بارتداء الكمامات، و73 بالمئة من مرتادي المولات والمحلات التجارية لا يلتزمون بارتدائها أيضا، متسائلا: "لماذا تغلق المساجد في الوقت الذي تفتح الأماكن الأخرى التي تشهد ازدحاما وعدم التزام بالإجراءات الوقائية؟".
وأكد الخزاعي أن الحكومة ممثلة بلجنة الأوبئة مدعوة إلى أن تقدم مبررات علمية ومنطقية لقرار إغلاق المساجد، حتى لا يؤدي إغلاقها إلى نفور وغضب وتوتر الأردنيين، كونهم يعيشون في حالة خوف وقلق بسبب انتشار الوباء، لافتا إلى أن المسجد يمثل للأردنيين مكانا أمنا واطمئنانا يؤدون فيه الصلاة ضمن ضوابط صحية ويخرجون.
وقال الخبير الاجتماعي: "يجب ألّا ننسى أن المصلين عندما يذهبون إلى المساجد يذهبون متسلحين بالوضوء والثقافة الصحية والنية الصادقة والتكافل الاجتماعي، ولا يخرجون عن رؤية الدين التي تؤكد أنه لا ضرر ولا ضرار، وأن المساجد تنشر ما يحبه الله ويرضاه ويحمي المجتمع، ويصونه من الضرر وعدم نشر الأمراض والأوبئة".
وكان النائب صالح العرموطي قال إن إغلاق المساجد يشكل قلقا وذهولا لكل مواطن أردني، مطالبا بإعادة فتحها "اليوم قبل الغد".
وأضاف العرموطي في مقطع فيديو نشره مطلع الأسبوع الماضي على صفحته الرسمية في موقع فيسبوك، أن "هذا القرار يصوّر المساجد كأنها بؤر للوباء، وكأن الإسلام هو المستهدف، بينما الملاهي والنوادي والمولات، وأماكن أخرى يزدحم فيها المواطنون، متروكة للناس يصولون فيها ويجولون".
الإفراج عن إعلامي أردني أوقف لتأديته صلاة الجمعة رغم المنع
الأردن يتجهز لأسوأ سيناريوهات كورونا مع ارتفاع حالات الإصابة
دراسة: اللعبة التقليدية بين إخوان الأردن والنظام انتهت