انفتحت طاقات الحنجرة العربية مجددا على أقصى اتساع لها عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب مساء 11 أيلول/ سبتمبر؛ عن "إعلان" مملكة البحرين "تطبيع" علاقاتها بالكامل مع الكيان الصهيوني، وكأن مئات الآلاف الذين راحوا يُغردون ويُدوّنون على مواقع التواصل المُختلفة كانوا بمنأى عن حياتنا وواقعنا المُخجل؛ وكأننا جميعا لا نعرف بل نرى كـ"عين اليقين" القطار الصهيوني وهو يتمدد ويتوسع في دولنا العربية (اللهم إلا ما رحم ربي). والجملة الاعتراضية ليست إلا من قبيل فتح باب الأمل في النفوس.. وإن ظل وجوده صعبا من الأساس؛ ولكنه حب عدم الاعتراف بسيادة الظلام بالكامل الذي نتمنى أن نحيا لنراه حُلما (مجرد حُلم يمكن لأجيالنا من المحيط إلى الخليج أن تبني عليه)، ويبقى أن الواقع الواضح الماثل للعيان وضوح الشمس في رابعة النهار يخبرنا بأن العدو يشاركنا يومنا وسحابة نهارنا التي يقضيها أغلبنا دون العمل المُشرف الذي نفتخر به إن أردنا زواله من الوجود.. مثلما يرجو المخلصون منذ عشرات السنوات أو يزيد.
كل ما حدث في ذكرى أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر التاسعة عشرة أن ترامب المُحب لكشف العورات، المدمن على إبراز وقاحته، قرر فضح ورقة التوت الأخيرة التي تغطي نظام البحرين الحاكم؛ مثلما فعل قبل اكتمال شهر واحد مع النظام الإماراتي، لكن الحقيقة المعلنة والمعروفة والمحفوظة هي أن حكاما عربا ونخبا تقاسمهم خمر الحكم لا يفعلون ما يُغضب العم سام، ولا يأتمرون إلا بأمانيه ولا ينفذون إلا أقصى أحلامه؛ فضلا عن مسارعتهم بـ"هدهدة" واحتضان الدولة الصهيونية، أو ابنته المُدللة وفزاعته التي يحرص على بقائها بين أظهرنا.
وبمناسبة ذكر الشمس والنهار ويقينه ونوره، فإن مفكرين وأدباء ومصلحين يدركون أنه لولا رحمة الله وشفقته بنا ما طلع نهار على بلادنا ولا أضاءت شمس وجودنا؛ فإنه من العبث إقرارنا واحتماؤنا خلف قوة أمريكا ونفوذها لتبرير تمام ضعفنا وعجزنا عن مواجهة الواقع وتحديه ومحاولة تغييره. ويكفي أن دولة مثل اليابان خرجت من الحرب العالمية الثانية مجروحة مهزوزة الكيان تعاني من إلقاء قنبلتين نوويتين عليها، فبدأت نهضة شاملة تجني ثمارها الآن.. فيما دول عربية ذات تاريخ وحضارة عريقة لم تصل إلى ما وصلت إليه من تحد، وما زالت تعاني حتى اليوم من آثار التخلف وعدم القدرة حتى على مجرد النهوض.
ما حدث من إعلان البحرين والإمارات ومصر والأردن من قبل ليس إلا مجرد إخبار عن فعل وقرارات واضحة بأن قيادات للأمة في أحضان الصهيونية ما تزال.. حتى أن حلم دولتها بمملكة تتسع من النيل إلى الفرات لم تعد تفكر في تحقيقه الآن؛ فهي لا تملك القدرة العسكرية على بسط النفوذ هذا، ولماذا تضطر إليه وهي تحكم في السر كأفضل مما يمكنها أن تحلم به في العلن؟ فيما المصلحون والثوار في جزء من أوطاننا التي طالما حلمنا أن تصير وطنا واحدا.. أغلبهم إما شهيد أو معتقل أو مصاب أو مطارد؛ والمعافون من الدوائر الأربعة السابقة غير مشغولين في قطاع منهم (على الأقل) إلا بتأمين معيشة خاصة ولقمة هنية لهم ولأفراد أسرهم، وما خارج دائرة بيوتهم لا يخطر لكثير منهم على بال، هذا بالإضافة للتناحر والتشاجر والمشاحنة والالتباس الدائم وحب الشللية والتصنيف للناس (من المضارين لكن المغلوبين على أمرهم) على أساس الثقة والإخلاص ومن ثم النفع؛ ولا بقاء للكفاءة بينهم إلا فيما ندر.
والنتيجة النهائية أن قطاعا على الأقل من النافذين في دولنا العربية يعمل مع الصهاينة مع ورقة توت ضعيفة لا تحفظ عورة ولا تخفي سرا؛ وإن قبلت ذلك الإدارات الأمريكية المتعاقبة ورضت به، فإن ترامب المحب لافتعال الانتصارات الوهمية لا يرضيه إلا كشف العورات المتوهمة عن الأنظمة والقادة العرب، لعل الناخب الأمريكي يرضى عنه ويمنحه فترة رئاسية أخرى في الانتخابات الوشيكة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
لم تكن البحرين إذا أول دولة تخرج للعلن معلنة رضاها عن العمل الواضح التام الظاهر للعيان؛ ولن تكون للأسف الأخيرة حتى نتباكى على الأمر على هذا النحو؛ ولو أننا شرعنا وبدأنا في العمل بنفس الهمة ومنطق الرفض الصوتي لتغيرت مفاهيم حياتنا وتبدلت مع الأيام؛ إذ إننا بداية من وصف التخاذل وإتمام التعامل مع الكيان الصهيوني علنا.. بداية من كلمة "
التطبيع" التي لا يُعرف لها علاقة بالأمر نخطئ؛ فما دخل التصهين بلفظ التطبيع؟
إن أعداء أمتنا يعملون بلا هوادة ليل نهار من أجل تدمير محتواها، وهم لا يرضون في سبيل ذلك بما دون العلن والافتضاح الكامل ونزع العورات كاملة.. فهلا كنا على قدر المسئولية والتحدي بدلا من المزيد من محطات الثرثرة وإهدار المتبقي من العمر فيها، فيما يواصل قطار التصهين عمله!