كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التقارب التركي-المصري، عقب ما أثاره ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في حديثه
لـ"عربي21" حول وجود علاقة متبادلة بين الجانبين، وشدد على أن "المصالح المشتركة
بحاجة للتركيز عليها، ونحتاج إلى دراستها
وتطويرها".
وفي ظل ما أثارته مقابلة أقطاي من تفاعلات
وتصريحات، برزت تساؤلات حول فرص ومعيقات التقارب التركي المصري، وما هي الملفات
المشتركة التي تدفع بعلاقات البلدين إلى الأمام.
وتدهورت
العلاقات بين القاهرة وأنقرة منذ انقلاب عام 2013، وتفاقمت على خلفية أزمتي ليبيا
والمتوسط، لكن أنقرة وعلى لسان الرئيس أردوغان ومسؤولين آخرين أكدت على "وجود
اتصالات على المستوى الاستخباراتي بين الجانبين".
فرص التقارب
ويرى الباحث في العلاقات الدولية جلال سلمي
أن فرص التقارب بين الجانبين "كبيرة"، في ظل وجود "مصالح
استراتيجية عليا تستدعي هذا التقارب على قاعدة المصالح المشتركة".
وينبه في حديثه
لـ"عربي21" إلى أن المصالح المشتركة
بين الجانبين تتعلق بملفات: ترسيم الحدود البحرية، واتفاقيات التبادل التجاري الحرة.
وجاءت أمارات
التقارب التركي المصري والتصريحات بالخصوص في ضوء آخر توتر حدث بينهما، عقب توقيع
نظام السيسي اتفاق ترسيم حدود بحرية مع اليونان ضد المصالح التركية، رغم انتقاصه
من حقوق مصر المائية لصالح أثينا.
اقرأ أيضا: أردوغان يتناول العلاقات مع مصر واليونان واستقالة السراج
وأعلنت اليونان ومصر مطلع آب/ أغسطس الماضي عن توقيع اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بالجرف القاري للبلدين، وذلك
ردا على اتفاقية مشابهة أبرمتها تركيا وليبيا في تشرين ثاني/نوفمبر الماضي.
وفي معرض رد
أنقرة على الاتفاقية اليونانية المصرية، قالت إن الحدود البحرية التي سيتم ترسيمها
أيا ما كان المسار الذي ستمر من خلاله، تهدف فقط إلى "محو الحدود
البحرية بين تركيا وليبيا"، وقالت إنه "لا قيمة لهذه الاتفاقية".
ويقول المسؤولون
الأتراك إن القاهرة متضررة من الاتفاق مع أثينا، في حين أنه بإمكانها تحقيق مكاسب
أكبر في حال تفاهمت مع أنقرة على ترسيم الحدود.
وبحسب بيان
خارجية تركيا، فإن مصر تخلت باتفاقيتها الأخيرة مع اليونان عن مساحة من حدودها
البحرية، لتضاف إلى خسارتها مساحة 11,500 كيلومتر مربع في الاتفاقية الموقعة بينها
وبين قبرص اليونانية عام 2003.
وقدرت الكاتبة
مروة أوروتش في مقال نشرته في صحيفة ديلي صباح التركية المساحة التي خسرتها مصر في
الاتفاق الجديد مع أثينا بحوالي 10,000
كيلومتر مربع.
أما
المصالح المشتركة بين البلدين فتبدو في النواحي الاقتصادية على نحو أكبر، حيث نما
الميزان التجاري بينهما بنسبة 20 بالمئة، ليتجاوز الـ5.2 مليار دولار في عام 2018 مقارنة
بـ4.38 مليار دولار خلال عام 2017.
وتسير العلاقات
الاقتصادية نحو مزيد من الازدهار مع "تصفير الجمارك" على بضائع البلدين
مطلع العام الجاري، بموجب اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا في كانون أول/ ديسمبر
2005، والتي دخلت حيز التنفيذ في آذار/ مارس 2007.
وقلل سلمي، الباحث في
العلاقات الدولية، من "عوائق التقارب" بين الجانبين، واعتبر أنها تتمثل في "اعتراض
من دول إقليمية لا تؤثر كثيرا في مسار التواصل بينهما، خاصة لو تدخلت روسيا على خط
المصالحة التركية المصرية".
وحول إمكانية تطور علاقات البلدين إلى
مرحلة "العودة الكاملة"، يرى سلمي أن " الطرفان ما زالا بعيدين عن
هذه المرحلة إلى حد ما، والأمر بحاجة إلى تدرج".
معيقات التقارب
أما المختص في العلاقات الدولية علي باكير
فيشير إلى وجود معيقين أساسيين أمام عودة كاملة للعلاقات المصرية التركية، العائق
الأول: مدى تأثير ونفوذ الإمارات العربية المتحدة على شخص السيسي والنظام العسكري
المصري..
ويوضح في حديثه لـ"عربي21" أن هذا
النفوذ الإماراتي "يضغط على النظام المصري باتجاه اعتماد حسابات أيديولوجية
في التعامل مع تركيا، بدلا من حسابات المصلحة التي تفيد البلدين"..
وتشكل الإمارات، وفقا لباكير، عنصرا ضاغطا
يقوض فرص بناء علاقات على أساس مصالح مشتركة، لأنها تريد "توظيف مصر بشكل عام
ضد الجهود التركية بالمنطقة"..
أما العائق الثاني فهو: مطالبة النظام
المصري بأن يتم التواصل على مستوى رئاسة الجمهورية التركية، أو إعطاء شرعية للنظام
من خلال هذا التواصل، وتوقعاته بتوقف تركيا عن الإشارة إليه كنظام انقلابي.
ويشير إلى أن هذا العائق يتعلق بتصور تركيا
إزاء ماضيها القريب، حيث شهدت أكبر عدد من الانقلابات العسكرية في المنطقة، والموضوع
حساس للغاية لها.
اقرأ أيضا: النظام المصري يرد على تصريح لتشاووش أوغلو عن الانقلاب
ويرى أنه "لا يجب على النظام المصري
أن يتوقع من تركيا أن يتم إسباغ شرعية على الانقلابات العسكرية لأن هذا موقف مبدئي
ولا يتعلق بشخص السيسي أو مصر"، مستدلا بموقف تركيا الرافض لانقلاب مالي، رغم
أن الرئيس المنقلب عليه موال لفرنسا، وعداء فرنسا لتركيا معروف.
وبالتالي، يمكن أن تقتصر العملية على
التواصل التقني والاستخباراتي أو الرسمي دون مستوى رئاسة الجمهورية.
ويقول: "هناك هامش محدود للمناورة لدى
الجانبين المصري والتركي، الطرفان باستطاعتهما استغلال الهامش الضئيل لتحقيق
المصالح المشتركة، وذلك في حال كانت هناك نية لدى النظام المصري بتحييد الحسابات الأيدولوجية
والخروج من عباءة النفوذ الإماراتي".
ويعتقد أن من مصلحة النظام المصري ألا يعتمد
بشكل كامل على الإمارات، لأن ذلك يقوض من إمكانية استمراره ويخلق له مشاكل في
الإقليم، منوها إلى أن مصر بحاجة إلى التعامل مع دولة قوية وكبيرة مثل تركيا.
ويختم بالقول: "بدون تحييد الإمارات سيكون
من الصعب توقع حصول اختراق كبير نحو تعاون البلدين".
خبراء يرصدون احتمالات توقيع تركيا ومصر اتفاقا بحريا
أوروبا تلّوح بعقوبات على تركيا بسبب"المتوسط".. وأنقرة ترد
تلفزيون تركيا يستذكر "الهجوم الكبير" على اليونان (شاهد)