يحوز ملف "ترسيم الحدود" بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي أهمية
كبيرة، إذ يجري التفاوض عليه بوساطة أمريكية في ظل أسوأ أزمة سياسية واقتصادية تمر
بالبلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990.
وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية استغلال ظرف بيروت الصعب من أجل تحقيق مصالح "تل أبيب" في هذا الملف الحساس.
وكان آخر إجراءات واشنطن فرض عقوبات في 8 أيلول/سبتمبر الجاري على وزير
الأشغال والنقل السابق يوسف فنيانوس عن تيار المردة، ووزير المالية السابق علي حسن
خليل، وهو نائب عن حركة أمل، التي يرأسها نبيه بري، رئيس البرلمان والمسؤول عن
إدارة التفاوض بملف "ترسيم الحدود".
وفي سياق تنديد حركة أمل باستهداف واشنطن للوزيرين السابقين، تطرقت في بيانها
إلى خطة ترسيم الحدود بين لبنان و"إسرئيل" التي ترعاها واشنطن.
وقال البيان إن "اتفاق السير بترسيم الحدود البحرية في الجنوب اللبناني
اكتمل مع الولايات المتحدة ووافقت عليه بتاريخ 9 تموز/يوليو الماضي وحتى الآن ترفض توقيت
إعلانه دون أي مبرر".
وجاءت العقوبات الأمريكية بالتزامن مع تصريحات لمساعد وزير الخارجية الأمريكي
لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر في 8 أيلول/سبتمبر الجاري، حيث قال إن المحادثات
حول ترسيم الحدود البحرية تحرز "تقدما تدريجيا"، ويأمل في توقيع الاتفاق
"في الأسابيع المقبلة".
اقرأ أيضا: واشنطن: تقدم بمحادثات ترسيم الحدود البحرية بين الاحتلال ولبنان
وفي اليوم التالي نفى شينكر، المسؤول الأمريكي عن ملف التفاوض، وجود أي
اتفاق مع لبنان حول آلية الترسيم، وتحدث عن "نقطة عالقة سخيفة"، ما
اعتبر لبنانيا "تهربا أمريكيا من قول الحقيقة"، وفق ما كتبه محمد علوش
لصحيفة "النشرة".
وكان رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري قد صرح في مطلع آب/أغسطس الماضي لصحيفة
"النهار" بأن المفاوضات حول ترسيم الحدود "أصبحت في خواتيمها"،
وذلك قبيل ساعات من انفجار مرفأ بيروت في الرابع من الشهر ذاته.
ويقول الخبير العسكري أمين حطيط لـ"عربي21" إن انفجار مرفأ بيروت
وما سببه من تفاقم للأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان إلى جانب آثار العقوبات الأمريكية
وقانون قيصر "جعل واشنطن تحاول استغلال الظرف الصعب لتحقيق مصالح الاحتلال
الإسرائيلي في ملف ترسيم الحدود".
وكانت حكومة الاحتلال قد أعلنت في
العام 2019 عن موافقتها على إجراء محادثات مع لبنان بوساطة أمريكية لحل النزاع
القائم حول "الحدود البحرية".
وصلب الخلاف بين لبنان والوساطة الأمريكية، وفقا للخبير العسكري حطيط،
"يكمن في محاولة الفصل بين ترسيم الحدود البرية عن البحرية في الاتفاق"، في حين ينظر لبنان إلى الترسيم كقضية واحدة.
ويرتبط النزاع في المنطقة البحرية باكتشاف الثروات النفطية
والغازية في البحر المتوسط، ويقدر حجم الاحتياطيات البحرية اللبنانية من النفط عند
865 مليون برميل، ومن الغاز عند 96 تريليون قدم مكعبة.
وفي شباط/فبراير
2018 وقع لبنان أول عقد له للتنقيب البحري عن الغاز والنفط في المتوسط مع اتحاد
شركات يضم "توتال" و"إيني" و"نوفاتيك"، دون أن تشمل العمليات الجزء المتنازع عليه مع الاحتلال.
المراوغة الأمريكية
ويوضح حطيط أن المطالب اللبنانية في البر هي تحرير "13 منطقة" من
الاحتلال الإسرائيلي تمتد من الناقورة إلى مزارع شبعا، وتثبيت الحدود الدولية
القائمة وخروج الاحتلال من هذه المناطق.
والمطالب اللبنانية في البحر هي تصحيح خط الحدود البحرية في المنطقة
الاقتصادية، لأن الخط الذي يتمسك به الاحتلال يحرم لبنان من 860 كيلومترا مربعا في
البحر.
أما الطرح الأمريكي فيريد إجراء حل وسط في البحر بإعطاء لبنان 500 كليومتر
مربع وإبقاء 360 تحت السيطرة الإسرائيلية، وهذا مرفوض لبنانيا.
ومن ناحية البر، فإن الأمريكيين يدعون إلى "التفاوض بين لبنان
وإسرائيل" حول المناطق المحتلة، فيما يرفض لبنان التفاوض ويطلب تحديد المناطق،
كما قال حطيط.
مصدر الصورة موقع tabletmag، والتي توضح منطقة النزاع اللبناني الإسرائيلي في البحر المتوسط
ووصف حطيط تصريحات المبعوث الأمريكي المتناقضة بين "قرب التوصل لاتفاق"
و"وجود خلاف على نقطة سخيفة" بأنها "مواقف كاذبة"، حيث "يقبل
شنكر بالطرح اللبناني في الغرف المغلقة ثم ينكر موافقته عندما يخرج. لم يعد
المبعوث الأمريكي مصدر ثقة لدى اللبنانيين".
ويؤكد أن الولايات المتحدة تريد أن "تعطي الاحتلال الإسرائيلي أرضا
لبنانية"، فيما يرفض لبنان "التنازل عن أي أرض سواء في البحر أو البر".
ويقول: "الطرف الأمريكي يعتبر أن لبنان تحت الضغوط والحصار وقانون
قيصر والإرهاب الاقتصادي وانفجار المرفأ وانهيار العملة المحلية في موقف ضعيف ويمكن
أن يخضع للضغوط".
اقرأ أيضا: صحيفة: باسيل قد يتخلى عن حزب الله لتفادي عقوبات واشنطن
ويستدرك: "لكن الولايات المتحدة فوجئت بأنه مهما حدث من ضغوط، فالمقاومة لا
تتنازل ولا يضغط عليها، لذلك اعتمد الأمريكان استراتيجية تأخير الحل وممارسة
المزيد من الضغوط حتى يتنازل لبنان".
ومشددا على أن لبنان ليس بصدد تقديم تنازلات في ملف ترسيم الحدود، أشار إلى
أن الشعب اللبناني دفع ثمن تحرير الجنوب من دمائه ولم يحرر أرضه بالتفاوض والتنازل،
ومن "غير المعقول" أن يضيع أرضه ودماءه أمام الضغوط.
ويمر لبنان بأزمة اقتصادية خانقة انهارت خلالها العملة المحلية فاقدة أكثر
من 80 بالمئة من قيمتها منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وارتفعت معها الأسعار، ولم
يستطع جزء كبير من اللبنانيية تلبية احتياجاتهم
الأساسية، وسط شح في العملة الأجنبية، وتقديرات تشير إلى ارتفاع نسبة الفقر إلى 50
بالمئة.
ودفع الانفجار حكومة حسان دياب إلى الاستقالة، في 10 آب/أغسطس الجاري، بعد
أن حلت، منذ 11 شباط/فبراير الماضي، محل حكومة سعد الحريري، التي أجبرتها احتجاجات
شعبية ترفع مطالب اقتصادية وسياسية على الاستقالة، في 29 تشرين الأول/أكتوبر
الماضي.
ويستمر الفراغ السياسي في لبنان في ظل عدم تمكن مصطفى أديب رئيس الحكومة المكلف
منذ 31 آب/أغسطس الماضي من التوصل لتشكيلة حكومية تلقى موافقة أغلبية أو إجماعا
وطنيا.
ويتوقع الخبير العسكري حطيط أن لبنان "سيشهد ثلاثة أشهر صعبة حتى
كانون الأول/ديسمبر المقبل، موعد استلام الإدارة الأمريكية الجديدة لزمام الأمور".
تقدير استخباري إسرائيلي: التطبيع ممكن مع السعودية وعُمان
بعد تصريحات باسيل.. هل "حزب الله" جاهز للانسحاب من سوريا؟
توافق حزبي في لبنان على تسهيل تشكيل الحكومة الجديدة