السيسي يعظ

كرر رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في 29 من آب/ أغسطس كلماته عن معية "الله" تعالى له، وذلك في افتتاحه ما وصفه إعلامه الرسمي بـ"مشروعات قومية" بمحافظة الإسكندرية، بعد أن قال في خطابه في 28 من تموز/ يوليو على هامش افتتاح مشروعات في مدينة صناعية (الرُّوبيكي) إن الخالق أعانه في صراعه السياسي مع جماعة الإخوان المُسلمين، مُؤكدا أنه (تعالى) راض عما يفعله منذ نهاية حُزيران/ يونيو 2013م حتى اليوم.

ومُؤخرا، زاد الجنرال من جرعة الثقة في النفس التي تصل لحد السفاهة؛ إذ ذكر جميع المصريين، وأنه يسعى لنهضة بلدهم، هادفا لتوفير جهد مئة عام مقبل "دفعة واحدة" عليهم، وأنه لا يرضى لهم بديلا عن هذا السعي، كما أن الله لا يُرضيه ذلك؛ إذ إن الجنرال يسعى لرضا الوطن، وقبل ذلك رضا الله، حتى وإن كان هذا دون رغبة المصريين كلهم!

تشي الأحداث السياسية المُتلاحقة في مصر، مع زيادة جُرعة ذكر رئيس النظام "الله" في خطاباته، وكأنه أحد أوليائه الصالحين، إلى أن السيسي يحاول أن يُثبت لنفسه قبل المصريين والعالم أنه مُمسك بمقاليد الحكم جيدا؛ وربما فوق اللازم بمراحل، وذلك بداية بزيادة جُرعات اعتقال والتسبب في وفاة المُعارضين، مُرورا بالعادة المرذولة التي لم يجرؤ رئيس مصري من قبله على فعلها؛ إذ دأب على الحديث للمصريين مُوليا إياهم ظهره ومُستقبلا كاميرا التلفزيون الرسمي.

ومع عدم اهتمام الجنرال بل احتقاره للحاضرين المُمثلين لقمة دولاب ونظام دولته؛ إلا أن حديثه للمصريين من كُرسي في وضع الجالس في مُقدمة الصفوف، ودون وضعية المُخاطب لهم من فوق منصة، يحمل أكثر من إهانة مُتعمدة مُتكررة، وإقرارا ضمنيا بأنه إنما جاء فوق رقاب المصريين وأنه باقٍ دون رغبتهم، ولذلك يحاول إظهار احتقاره لهم. ولعل ذلك ما يُفسر قوله السبت الأخير من آب/ أغسطس في الإسكندرية؛ إن المصريين إذا تضايقوا من الإصلاح الذي يبغي به وجه الله فلـ"يتضايقوا"؛ لأن الجمل والكلمات لديه متضاربة "مُتقاتلة" على الدوام، فإنه من الطبيعي أن تحمل كل منها المعنى ونقيضة. فالإصلاح الذي يُرضي الله في عُرف السيسي يُضايق المصريين؛ وكأنه الوحيد الذي يعرفه تعالى، وهو في سبيل هذه المعرفة يزعم استعداده للتضحية بمقعده، الذي استلمه عنوة.

وعقب كلمات السيسي بساعات قليلة جدا، تصدر هاشتاغ "#مش_عايزينك" مواقع التواصل الاجتماعي ليصبح "التريند" الأكثر انتشارا في مصر، وهو ما لا يعني لدى الجنرال شيئا سوى مزيد من استدعاء مُفردات الشرف الكاذبة، ومُحاولته إنقاذ المصريين من العوز، وهي منظومة تتجاوز الكلمات الجوفاء لادعاء إنشاء مشروعات قومية وتقليص مساحات الدين الخارجي، لولا أحداث جسام تتجاوز قدراته، وآخرها فيروس كورونا.

إننا أمام قاتل جماعي يتفنن في إذلال شرفاء المصريين بقتلهم وسجنهم وطردهم وتهجيرهم قسرا؛ ولا يرحم حتى الذين خدعتهم كلماته البراقة المُخادعة المُمتلئة لحافتها غشا عن أنهم لم يجدوا "مَنْ يحنو عليهم أو يرفق بهم"؛ من زيادة الأسعار ومن بينها مترو الأنفاق، عصب المواصلات الرئيسي في القاهرة الكبرى. إذ تسلم الحكم وسعر التذكرة الموحدة جنيه واحد لتزيد الآن في المُتوسط عن 10 أضعاف الرقم الأول؛ ولتبلغ نسبة الزيادة الحقيقية عن آخر رفع لأسعار التذاكر ما بين 80 في المئة حتى 120 في المئة، مما يُسبب اضطرابا كبيرا في حياة وتنقلات قرابة 2.8 مليون مواطن يستخدمونه بصورة يومية؛ بالإضافة إلى مئات الألوف من المصريين استوطنوا المناطق المُحيطة بأغلب محطاته التي تبلغ الأربعين؛ ومع ما يساويه هذا من ارتفاع لبقية المُواصلات الخاصة الجماعية داخل العاصمة التي تعد من أكثر مدن العالم اكتظاظا بالسكان، وبالتالي السلع المُختلفة.

أما رغيف الخبز الذي يعتمد عليه ملايين المصريين بصورة رئيسية في وجباتهم؛ فقد عمد السيسي إلى خطة جهنمية لرفع ثمنه دون تحريك لسعره، إذ قلل وزنه من 130 جراما إلى 110 جرامات، ثم مؤخرا عمد إلى إنقاصه مرة أخرى لـ90 جراما، بما يساوي زيادة سعره الاستهلاكي الفعلي بـ30 في المئة.

وبعد مجموعة من القرارات التي تصب في مصلحة الدولة، وتحصيل المزيد من الجبايات في صورة ضرائب تزيد من معاناة الشعب المقهور على أمره، من زيادة في أسعار الكهرباء، وفرض رسوم باهظة على الطلبة الراسبين في الجامعات المُختلفة، وزيادة رسوم ترخيص السيارات لأكثر من 1700 جنيه (ما يُعادل من 110 دولارا)، وإحالة قرابة 54 مليونا إلى النيابة العامة لتحصيل غرامة الامتناع عن المُشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة.. بعد هذه الحزمة من الجبايات الأخيرة فحسب، يزعم السيسي أنه يُراعي الله في المصريين المقهورين المغلوبين على أمرهم في عصره، ولعله يقصد أنه يراعيه تعالى لكن بتعبير الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ: "الشيطان يعظ"!