لم يعد أهالي قرية النبي صالح غرب رام الله، يتمكنون من الاستفادة من عين القوس المائية، التي تقع قرب قريتهم، بسبب تدرج الاحتلال ومستوطنيه في الاستيلاء عليها، حتى بات ممنوعا على الفلسطينيين الاستفادة منها بالوقت الحالي.
ويقول الناشط الفلسطيني باسم التميمي
من القرية لـ"عربي21"، إن "هذا الينبوع يعود لأهالي النبي صالح،
وكان يستخدمه المزارعون لري مزروعاتهم، وكذلك اعتاد المواطنون على نقل المياه منه
لمنازلهم، قبل أن تمتد شبكة الأنابيب في القرية".
واستفاد الفلسطينيون من عين
الماء حتى عام 2008، لكن المستوطنين قاموا بزيارات مشبوهة تحت حماية قوات
الاحتلال، ما أثار قلق أهالي القرية الذين حاولوا حمايتها عن طريق البقاء قربه، إلا
أن جنود الاحتلال استخدموا مختلف الوسائل لتأمين اقتحامات المستوطنين.
وبعد سنوات قليلة بدأت السيطرة
الرسمية على العين من قبل الاحتلال، حيث منع الفلسطينيين من التواجد قربها أو حتى
استخدام مياهها، وأصبحت المنطقة برمتها عسكرية يمنع على الأهالي الاقتراب منها.
اقرأ أيضا: الأمم المتحدة: الاحتلال يزيد وتيرة هدم منازل الفلسطينيين
ويوضح التميمي أن الاحتلال عرف
الأهمية الاستراتيجية للعين كونها تقع قرب مستوطنات عدة؛ فبرر المستوطنون سرقتها
بأسباب دينية يهودية وادعوا أن مياهها مقدسة، وأصبحوا يخترعون الطقوس المختلفة
كضرورة استحمام السيدات فيها بعد الولادة، كما غيروا اسمها إلى "عين
مئير".
ويشير الناشط الفلسطيني إلى أن العين
تقع ضمن سلسلة عيون مياه في المنطقة تتعرض هي الأخرى لعمليات استيلاء ممنهجة،
فيقوم الاحتلال والمستوطنون بحرق مضخات المياه والبيوت البلاستيكية التي تروى من
العين ومنع المواطنين من استخدامها.
وحاول الفلسطينيون استرداد عين قوس
بشتى الوسائل، لكنهم لم يفلحوا بما في ذلك الجهود الرسمية التي كبلتها سيطرة
الاحتلال وتفاهمات أوسلو حول الموارد المائية، ما جعل مواطني قرية النبي صالح
يتوجهون للمسيرات السلمية الشعبية الأسبوعية، تعبيرا عن رفض الاحتلال بشكل عام
وممارساته التهويدية.
مئات العيون
وتنتشر عيون المياه في أراضي الضفة
المحتلة لتكسبها الخضرة والخصوبة؛ ولكن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على معظم هذه
الينابيع مستغلا أهميتها الجغرافية والتاريخية.
ولا تكاد عين مياه تخلو من اعتداءات
المستوطنين التي تخفي وراءها أكبر من مجرد الاعتداء، فبحسب المراقبين يسعى
الاحتلال لإحكام سيطرته على أراضي الضفة من خلال الاستيلاء على ينابيع المياه التي
تعتبر ثروة مائية وتاريخية وحضارية.
ووفق جمعية الهيدرولوجيين
الفلسطينيين، فإن عدد ينابيع المياه الموسمية وغير الموسمية في الأراضي الفلسطينية
يبلغ 714 ينبوعا، يُستخدم منها ما بين 320 و350 فقط، ويحكم المستوطنون سيطرتهم على
عدد كبير منها ويُمنع أصحابها الفلسطينيون من الوصول إليها.
وتوضح الجمعية في إحصائيات خاصة أنه
يوجد 314 بئرا جوفية، يعمل منها 212 بئرا فقط، والبقية معطلة لأسباب فنية، حيث
يسيطر الاحتلال بشكل تام عليها.
اقرأ أيضا: الاحتلال يشن حملة اعتقالات في القدس المحتلة (شاهد)
ووفق المعطيات، فإن ما لا يقل عن 84
بالمئة من ينابيع المياه المتضررة من أنشطة المستوطنين تقع في أراض مملوكة ملكية
خاصة للفلسطينيين، إلا أن المستوطنين يعملون على تطوير المنطقة المحيطة بالينابيع
إلى منطقة "جذب سياحي" في أكثر من 70 بالمئة من الينابيع التي تم
الاستيلاء عليها، كمقدمة للسيطرة على الأراضي القريبة منها، من خلال إقامة بنية
تحتية بحماية قوات الاحتلال ومن ثم الاستيلاء على الأراضي القريبة من المكان.
وارتبطت أهمية المياه منذ البداية
بعمليات الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، فقد وصلت الهجرة الأولى في أواخر القرن
التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلى منطقة مصادر المياه في شمالي فلسطين، حيث وقع احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والجولان وجنوب لبنان عام 1967 رافقه
احتلال آخر لمصادر المياه من أنهار وآبار وينابيع، ورغم تحويل مياه نهر الأردن،
إلا أن الاحتلال ما زال متمسكا بالضفة الغربية للحصول والسيطرة على خزان المياه
الجوفية.
وفي دراسة لمركز التخطيط الفلسطيني
يضرب فيها مثالا على أزمة المياه؛ يوضح أن منطقة العوجا قرب أريحا عانت منذ عام
1985 حيث كان المزارعون يعتمدون في ري مزروعاتهم على ينابيع العوجا التي كانت
تزودهم بـ17 مليون متر مكعب سنويا بالإضافة إلى عدد من الآبار الارتوازية، ولكن
لجوء المستوطنات المجاورة إلى حفر آبار عميقة في المنطقة أدى إلى جفاف ينابيع
العوجا من ناحية ونضوب مياه الآبار الارتوازية العربية من ناحية أخرى حتى أصبحت
غير صالحة للاستعمال بسبب ملوحتها، وإزاء ذلك تقدم المزارعون بطلبات عديدة
للاحتلال من أجل تعميق آبارهم لكن طلباتهم قوبلت بالرفض.
مشاريع السيطرة
ويقول الخبير في شؤون الاستيطان عبد
الهادي حنتش لـ"عربي21" إن الاحتلال لديه عدة مشاريع في الضفة هو من يخترعها؛ من بينها الأماكن الدينية والأثرية التي يسيطر عليها تحت حجج عدة.
ويبين أن مشروع ينابيع المياه يأتي
بعد ذلك حيث يعتبره الاحتلال جزءا من الإرث اليهودي حسب ما يدعي ووضع نصب عينيه
تنفيذ المخطط على مراحل، مشيرا إلى أن الاحتلال انتقى ينابيع مياه عدة حسب أهوائه،
لافتا إلى أن الضفة فيها قرابة 800 نبع مياه، لا يُسمح للفلسطينيين بتطويرها واستغلالها
بالشكل الطبيعي.
ويضيف: "قام الاحتلال بدراسة
قضية الينابيع جيدا وعلم أهميتها الكبيرة فرسم خرائط ووضع عليها أماكن الينابيع
ونظم لها المستوطنون زيارات دورية بحيث أصبحت مستهدفة حتى وقعت السيطرة عليها
وبالتالي أصبح أصحابها ممنوعين من استخدامها".
اقرأ أيضا: الاحتلال يجبر فلسطينيا على هدم منزله المطل على الأقصى (شاهد)
ويقول حنتش إن "هناك شقين في ما
يتعلق بالينابيع؛ الأول يعتمد على الزراعة بحيث يؤثر الاستيلاء عليها على الاقتصاد
الوطني الفلسطيني".
أما الشق الثاني بحسب الخبير فيتعلق
بمصادر المياه؛ حيث أن هناك مخزون مياه كبير قام الاحتلال بسرقته وتهريب 52 بالمئة
منه لداخل الكيان الإسرائيلي، كما قام بإعطاء 36 بالمئة من المخزون للمستوطنين ما
يجعل المجموع 88 بالمئة، فلا يبقى إلا 12 بالمئة للمواطن الفلسطيني، فحين يقوم
بذلك يعرف تماما تأثيره على المواطن، وفق تعبيره.
دور السلطة
ويقول رئيس هيئة الجدار والاستيطان
التابعة للسلطة وليد عساف لـ"عربي21" إن استهداف الاحتلال لينابيع
المياه، هو استهداف للثروة الرئيسية التي يعيش عليها الفلسطينيون.
ويوضح أن المياه هي المصدر الرئيسي
للزراعة والحفاظ على الأرض في الضفة وحتى الثروة الحيوانية تعتمد عليها بشكل كبير،
وبالتالي تعتبر مصدرا للحياة والبقاء والاستمرار في العيش.
ويشير إلى أن الاحتلال قام خلال
السنوات الماضية بإقامة محميات طبيعية في منطقة الأغوار؛ حيث تقع كلها في محيط
الينابيع المائية من أجل السيطرة عليها وتحويلها بطبيعة الحال إلى ملكيته.
ويؤكد عساف أن الفلسطينيين قديما
سكنوا قرب ينابيع المياه ما جعلها إرثا تاريخيا وحضاريا لأي شعب؛ حيث شهدت إقامة
أكبر الحضارات حولها لأن الإنسان يبحث في عيشه عن المياه، لافتا إلى أن ينابيع
المياه شكلت أساسا للحياة في المناطق الصحراوية كذلك.
ويضيف: "تضفي الينابيع تنوعا
بيئيا هاما كذلك؛ وهي مصدر مهم للسياحة، فالاحتلال باستيلائه عليها يريد محاصرة
الفلسطينيين وتضييق حياتهم وعيشهم في أراضيهم".
وحول دور السلطة في الحفاظ على
الينابيع، يؤكد عساف أن الاحتلال ينشئ المحميات الطبيعية بالقرب منها مثل محمية
وادي قانا في محافظة سلفيت ومنطقة العوجا في أريحا والمالح في الأغوار الشمالية؛
وبالتالي يمنع الفلسطينيين من دخولها ويجعلها تحت سيطرته بشكل كامل.
اقرأ أيضا: إصابات باعتداء لمستوطنين على سيارة ومداهمات بالضفة
ويبين أن سيطرة الاحتلال على
الينابيع في مناطق خاصة وغير مأهولة يجعل من الصعب الحفاظ عليها أو التصدي لهذه
المصادرة؛ مضيفا بأن الهيئة تقوم بدعم المزارعين ورعاة الأغنام الذين تتعرض عيون
المياه في مناطقهم للسلب؛ وتقدم كذلك المساعدة القانونية والمادية لمن يتعرض
لهجمات المستوطنين والاحتلال.
ومما لا شك فيه أن اتفاقية أوسلو
التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع الاحتلال عام 1993 ساهمت في استمرار سيطرة
الأخير على موارد المياه، حيث أبقى الاتفاق الانتقالي (أوسلو ب) الموقّع في عام
1995 السيطرة على جميع موارد المياه في يد إسرائيل، وكان يُفترض أن يسري الاتفاق
لمدّة خمس سنوات فقط ولكنّ الاحتلال ما يزال يطبقه حتى اليوم. ويقتضي الاتّفاق أن
تحصل إسرائيل على 80 بالمئة من المياه الجوفية الجبلية المشتركة بين الفلسطينيين
والاحتلال فيما يحقّ للفلسطينيين أن يستغلّوا فقط 20 بالمئة منها، كما حدد ألا يقيد
تزويد المياه للمستوطنين فيما قيّد تزويد المياه للفلسطينيين بكمية محددة سلفا -
نحو 118 مليون كوب (متر مكعب) تزوّد من تنقيبات قائمة تضاف إليها 70-80 مليون كوب
تزود من تنقيبات جديدة؛ كما اقتضى الاتفاق أن يشتري الفلسطينيون من الاحتلال 31
مليون كوب إضافية كل سنة.
الاحتلال يقتحم الأقصى لتركيب أجهزة ويلوّح بغلقه بحجة كورونا
هكذا تلتهم شوارع الاحتلال الالتفافية أراضي الضفة (شاهد)
قانون "كمنتس".. هكذا يسرّع الاحتلال هدم منازل الفلسطينيين