"يعيش بيننا ولا يعرف منا
أحدا".. كانت تلك كلمات أسرة أحد
المصريين الذين تعرضوا للإخفاء القسري
والتعذيب بسجون النظام العسكري الحاكم، وذلك بالتزامن مع اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري الذي يحل
الأحد، في ظل تعرض آلاف المعتقلين من هذه الجريمة.
واعتمدت الأمم المتحدة يوما دوليا
للتضامن مع ضحايا الاختفاء القسري، تزامنا مع اندلاع ثورات الربيع العربي عام
2011، وهي الجريمة التي يعاني منها آلاف المصريين منذ
الانقلاب العسكري منتصف
2013.
ومن أشهر المختفين قسريا: البرلماني
السابق مصطفى النجار المختفي منذ 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، والبرلماني السابق
الدكتور سعد عمارة، وكل من الحقوقي إبراهيم عز الدين، وعزت غنيم، وهدى عبد المنعم،
وأحمد عبدالستار عماشة، وغيرهم الكثير من النشطاء والعاملين في المجال الحقوقي.
"عاهة مستديمة"
وتحدثت "عربي21" مع أسرة أحد
المعتقلين الذين تعرضوا للإخفاء القسري والتعذيب خلال تلك المدة، وتسببت تلك
الجرائم في عاهة دائمة له.
وقالت الأسرة إن عائلها "أحد
قيادات الصف الثاني من جماعة الإخوان المسلمين بمحافظة الشرقية، وأحد المرشحين
السابقين لمجلس الشورى في عهد حسني مبارك عام 2009، تعرض للاعتقال إثر مجزرة فض
رابعة العدوية بأيام".
وأوضحت أنه "تم نقله إلى سجن العزولي،
شديد الحراسة وسيئ السمعة، الموجود بمعسكر الجلاء بمحافظة الإسماعيلية، والتابع
لإدارة الجيش، وأنه تم إخفاؤه قسريا بأحد الزنازين".
وأكدت الأسرة أنه "لاقى كل أنواع
التعذيب، بداية من الصعق بالكهرباء، إلى التعليق من ذراعيه وقدميه، إلى جانب الضرب
المبرح، والتجويع والتعطيش، ومحاولة انتزاع الاعترافات منه بارتكاب جرائم لم
يرتكبها".
وتابعت بأنه بعد فترة
الإخفاء القسري، التي لم تقل عن عشرة أيام ولم تزد على أسبوعين، تم نقله إلى سجن الزقازيق العمومي،
أو ما يطلق عليه المعتقلون (جوانتانامو مصر)، ليتم تعذيبه مجددا، ووضعه في زنزانة
انفرادية لفترات طويلة، وليتم الإفراج عنه بعد نحو 3 سنوات من السجن".
وقالت الأسرة إنه "بعد إطلاق
سراحه بدت عليه علامات اضطراب ونسيان وتصرفات غريبة، ولكنه لم يمكث بيننا سوى 3
أشهر، حتى جاءت حملة اعتقال موسعة داهمت البيت، وحطمت محتوياته، واعتقلته هو وأخيه
وابنه".
وأضافت الأسرة أنه "تعرض للإخفاء
والتعذيب للمرة الثانية بسجن الزقازيق، وتم نقله لأحد مراكز الاحتجاز، بعد أن
ساءت حالته الصحية والعقلية، لتضطر السلطات الأمنية إلى الإفراج عنه ليلا، ليخرج
من معتقله تائها بشوارع المدن والقرى".
وتابعت: "وجده أحد المعارف يسير
بالشوارع تائها فأحضره لبيته، وذهبنا للطبيب، وبعد الفحص والأشعة المطلوبة على المخ
وجد أن تعرضه لتعذيب شديد أتلف خلايا المخ لديه"، موضحة أنه "يعيش
بيننا ولا يعرف منا أحدا".
"10178 في 7 سنوات"
وفي تعليقه، قال الحقوقي المصري خلف
بيومي، لـ"عربي21"، إن "جريمة الإخفاء القسري التي تمارسها السلطات
المصرية بشكل لاإنساني ينبغي أن يضع العالم لها حدا، وأن يضغط على الحكومة المصرية
لتكف عن ممارستها".
وحول الأرقام والإحصاءات بشأن من
تعرضوا للإخفاء القسري ومن ثم للتعذيب، أكد مدير مركز "الشهاب لحقوق
الإنسان"، أن "عدد المختفين قسريا في مصر خلال 7 سنوات، وحسب إحصائيات
موثقة، شملت كل الأعمار بلغ نحو 10178 معتقل".
"عاهات وانتحار وأمراض
نفسية"
وقالت الحقوقية المصرية هبة حسن: "لدينا بالفعل قوائم لمختفين قسريا للآن، بعضهم منذ ثورة كانون الثاني/ يناير
2011، وأغلبهم بعد ٣ حزيران/ يوليو ٢٠١٣، حيث تحول الإخفاء القسري من استثناء يقوم
به النظام لواقع ونمط ثابت للتعامل مع أي معتقل والاستثناء هو عرضه على النيابة
بمدة الـ٤٨ ساعة القانونية".
مدير التنسيقية المصرية للحقوق
والحريات، أضافت لـ"عربي21": "عندنا أرقام وإحصاءات تصدر بشكل
دوري؛ لكن نعترف أننا لا نستطيع حصر كامل من تعرضوا للاختفاء بالسنوات السابقة،
لتعذر الحصول على معلومات مع اتساع مساحة المتعرضين للاعتقال، وخوف أكثرهم من مجرد
إعلان اعتقال أبنائهم والتواصل مع أي جهة حقوقية للتوثيق".
وتابعت: "فضلا عن عدم وجود مصدر
رسمي يقدم أعداد المعتقلين أو المعروضين على النيابات أو حتى الموجودين بالسجون،
ونعتمد وكل المنظمات الحقوقية على تجميع معلومات بشكل فردي وودي مع الأسر
والمحيطين بهم".
وقالت الحقوقية المصرية إن "الإخفاء
القسري مرتبط بشكل ثابت بالتعذيب بالأساس؛ لأنه يتم بالمخالفة للقانون في أماكن
احتجاز غير رسمية، والتعرض للضغط النفسي، وعدم التواصل مع الأسر والمحامين".
وأكدت أنه "وبشكل تفصيلي بما
أظهرته الشهادات المتكررة من تعرض لتعذيب بدني قوي يصل فعلا لإحداث عاهات للمعتقل، أو فقدان أحد حواسه أو أطرافه غير الآثار النفسية لكل المتعرضين له، والتي قد وصلت
بالبعض للانتحار، ومحاولته، والأمراض التي يقضون سنوات بعد خروجهم للعلاج منها، وما
يترتب عليها من انهيار لهم ولأسرهم".
"حقائق صادمة"
من جانبه، أكد الحقوقي المصري أحمد
العطار، أن لديهم كشوفا بأسماء مئات المصريين الذين ما زالوا رهن الاختفاء القسري
منذ سنوات، وتعرضوا للجريمة الأكثر دموية وإيلاما للمختفي ولذويه.
وأوضح العطار بحديثه
لـ"عربي21"، أن "الاختفاء القسري جريمة مكتملة يتعرض فيها المختفي
لأبشع أنواع التعذيب البدني والنفسي، وتنتهي بإدراج المختفي بإحدى القضايا، التي
قد تصل به للإعدام".
وأشار لما حدث مع "شباب قضايا
(كفر الشيخ)، و(النائب العام)، و(المنصورة)، الذين تعرضوا جميعا لفترات متفاوتة
من الاختفاء، مرورا بتعذيبهم وانتزاع اعترافات منهم تحت وطأة التعذيب، ثم إعدامهم
جميعا".
وأضاف الباحث الحقوقي: "والحقيقة
الصادمة أن آلاف المصريين -أغلبهم من المعارضين السياسيين- بين أطفال ونساء وشباب
تم اعتقالهم تعسفيا، وإخفاؤهم قسريا".
وأشار إلى أن "أولى حالات
الاختفاء القسري وقعت بمجزرة الحرس
الجمهوري 8 تموز/ يوليو 2013، باعتقال واختفاء طالب الهندسة عمرو إبراهيم
عبدالمنعم"، لافتا إلى أن "الاختفاء القسري طال لاحقا حتى الأطفال، حيث
تعرض العشرات منهم لعملية ممنهجة من الاختفاء والتعذيب".
وتحدث عن حالة "الطفل عبدالله
بومدين، الذي اعتقل من منزله بالعريش بشمال سيناء وهو لم يتجاوز 14 عاما، والذي
اختفى بعدما صدر حكما قضائيا بإخلاء سبيله، ولم تصل أسرته لمكانه حتى اليوم".
وذكر العطار أيضا حالة اختفاء الطفل
"إبراهيم محمد إبراهيم، بعد اعتقاله مع أبيه من منزله بالعريش في سيناء،
وبعدما أعلنت الداخلية عن تصفية والده، لم يظهر لإبراهيم أي أثر".
وحول معدلات الاختفاء القسري، أكد
الحقوقي المصري أنها "في تزايد شديد، وبعد أن كان المتوسط 3 أشخاص يوميا
بالسنوات الماضية، تجاوز ونحن باليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، المتوسط 10
أشخاص يوميا، بمعدل يعتبر من الأعلى عالميا".
وختم العطار بالقول: "وثقنا عشرات
الحالات لمختفيين قسرا سابقا، وما زال تأثير هذه الفترة السيئة من أعمارهم مستمر
عليهم حتى وقت توثيقنا لها. والحقيقة الصادمة أن هذا التأثير يستمر لسنوات يعاني
فيها المختفي قسرا آلاما نفسية يصعب تجاوزها بسهولة، وتحتاج مراحل علاجية
طويلة".
"في الذاكرة"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أطلق
"الشهاب لحقوق الإنسان"، هاشتاغا بعنوان
"#أوقفوا_الاختفاء_القسري"، عرض من خلاله صورا وحالات عدد من المعتقلين
الذين تعرضوا للإخفاء القسري.