نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للصحافية عفاف برناني، قالت فيه
إنه في 29 تموز/ يوليو قامت السلطات المغربية باعتقال الصحافي عمر راضي بعد تحقيق
دام أكثر من شهر في تهم بالتعامل مع وكالات استخبارات أجنبية. وفي يوم اعتقاله
أعلن المدعي العام بأن "راضي" يواجه أيضا تهم اغتصاب. وأصبح "راضي"
الآن من بين عدة صحافيين مستقلين اتهمهم النظام المغربي بالاعتداء الجنسي.
وأضافت: "قد يكون مفاجئا أن تعرف أنني أنا – كامرأة مغربية وكشخص عايش
الواقع المؤسف للتحرش الجنسي في المغرب – متشككة في تلك التهم، وبينما يُعتبر
الاعتداء الجنسي بأي شكل من الأشكال أمرا ممقوتا ويستحق دائما التحقيق الجاد، إلا أن
هناك أسبابا جدية للاعتقاد بأن هذه التهم تُستغل لأهداف سياسية. لماذا؟ لأنني
رأيت ذلك يحصل بنفسي".
وأضافت: "لقد قلبت حياتي رأسا على عقب في 24 شباط/ فبراير عندما
استقبلت مكالمة هاتفية من الشرطة الوطنية. استدعيت للاستجواب بعد اعتقال الصحافي
توفيق بوعشرين، صحافي ورئيس تحرير الصحيفة المستقلة أخبار اليوم. ولأكثر من ثماني
ساعات، ضغط علي المحققون بوحشية لأعترف بأن بوعشرين اعتدى عليّ جنسيا. واستخدمت
تعبير أعترف، لأنني من تلك اللحظة أصبح واضحا بالنسبة لي أن رفضي الامتثال لسردية
النظام التي تقول إنني ضحية سيعني أنه سيتم معاملتي كمجرمة".
وتعلق: "كان ذلك اليوم بداية لسلسلة من الأحداث المؤلمة. فبعد أيام من
التحقيق وجدت أنه لم تقم الشرطة فقط بتزوير أقوالي، ولكن أيضا تم تسريب مقتطفات من
شهادتي المزعومة لوسائل الإعلام الموالية للدولة. وكرد على هذا التزوير وسوء
استخدام السلطة، قمت برفع قضية في محكمة النقض في الرباط".
وزادت: "بعد ذلك بقليل، اختطفتني الشرطة – دون تقديم مذكرة جلب – من
بيت صديقة كنت معها بعد أن حاصروا البناية بعدد من عناصر الأمن. وأخذتني الشرطة
مباشرة إلى المحكمة، حيث حقق معي المدعي لعدة ساعات، مصرا طول الوقت أنني أنا التي
زوّرت الشهادة".
اقرأ أيضا: هل ينجح "المغرب" في جمع "المشري وصالح" رغم شروطهما؟
وتابعت: "في وقت لاحق من ذلك اليوم عقد المدعي مؤتمرا صحفيا عرض فيه
تسجيل فيديو صامت من التحقيق الأول الذي جرى معي. فيديو لم أكن أعلم أنه يتم
تسجيله. كما تم نشر لقطات من ذلك الفيديو في المقالات المنشورة عني في الإعلام
الموالي للدولة. وبعد ذلك مباشرة أعلن المدعي بأنه يوجه لي تهمة التشهير والإدلاء
بشهادة كاذبة. وفي وقت قياسي تم الحكم علي بالسجن ستة أشهر، دون أن أستطيع الاتصال
بمحام. ومع أنني قدمت استئنافا، إلا أن محكمة الاستئناف أقرت الحكم".
وقالت: "خلال هذه العملية كلها، والتي انتهت بإدانة بوعشرين والحكم
عليه بالسجن لمدة 15 عاما، وعانيت فيها أشكالا من المضايقات والتعذيب النفسي.
بالإضافة إلى ساعات من التحقيق، قامت السلطات بمداهمة بيت صديقتي وقطعوا الماء
والكهرباء. وعانيت من المضايقة المستمرة والتشويه في الإعلام الموالي للدولة،
والذي تحول مرة واحدة من التعاطف معي كضحية مزعومة لاعتداء جنسي إلى تشويه شخصيتي
بإهانات وتشهير وتصويري على أني الطرف المذنب".
وأشارت إلى أنه "في إحدى المرات ذهب الادعاء لدرجة اتهامي بالمعاناة
من متلازمة ستوكهولم [تعاطف الضحية مع الجاني]، بينما ادعى محامو ضحايا بوعشرين
المزعومون زورا بأنني شاركت في فيديو فاضح".
واستطردت قائلة: "لم أشعر في أي وقت خلال هذه المحنة بالتمكين ولم أعتقد للحظة واحدة بأن النظام المغربي كان يعمل لمصلحتي. بل على العكس وجدت نفسي محاصرة بعملية قانونية مشبوهة حرمتني من وكالتي وكرامتي. وتحت هذه الظروف قررت
الهروب من بلدي واللجوء إلى تونس بعيدا عن عائلتي وأحبابي".
وأكملت: "بعد أكثر من سنتين، لا يزال بوعشرين في السجن بتهم اعتداءات
جنسية. وقبل اعتقال راضي، اعتقلت السلطات الصحافي سليمان الريسوني بتهم الاعتداء
الجنسي في أيار/ مايو 2020. ولم يكن الريسوني فقط زميلا سابقا لبوعشرين في أخبار
اليوم، ولكن ابنة أخيه الصحافية هاجر الريسوني اعتقلت أيضا العام الماضي بزعم أنها
أجرت عملية إجهاض وبإقامة علاقات جنسية خارج الزواج (وكلاهما جريمة في القانون
المغربي). ونفس النظام الذي يدعي أنه يدافع عن ضحايا الاعتداء الجنسي عرّض هاجر
الريسوني إلى كشف طبي عنيف وبالإكراه لإثبات تهم الإجهاض ضدها".
وذكرت: "مثل بوعشرين، تم استهداف عمر راضي من السلطات قبل فترة طويلة
من اعتقاله حديثا بتهمة الاغتصاب. فكان قد اعتقل في شهر كانون الأول/ ديسمبر
الماضي بسبب تغريدة. وقبل اعتقاله الشهر الماضي، كشفت العفو الدولية أنه استهدف
باستخدام برمجيات تجسس من مجموعة NSO، والتي لا
تستطيع سوى الحكومات شراءه واستخدامه".
وأوضحت أنه "يبقى العنف الجنسي، كما هو الحال في بقية أنحاء العالم،
واقعا مؤسفا في المغرب. إلا أنه بالاستهداف الاختياري للصحافيين المستقلين، فإن
النظام يبعث برسالة مقلقة للضحايا والناجين بأن الاتهامات الوحيدة التي يستعد
النظام للنظر إليها بجدية هي تلك التي تتهم منتقدي النظام. ولا يؤدي هذا فقط إلى
التقليل من أهمية العنف الجنسي ولكن يهدد بمستقبل مظلم لحرية الصحافة في المغرب".
قيادات وتيارات إسلامية تنعى عصام العريان