نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتبة نسرين مالك، قالت فيه إن البعض قالوا بأنه إن فشلت حادثة إطلاق النار، في مدرسة ساندي هوك الابتدائية في أمريكا، في ترجيح كفة الميزان لصالح تبني قوانين للتحكم في الأسلحة النارية، فإن فرصة فرض مثل هذه القوانين ضاعت إلى الأبد.
وقالت مالك في مقالها الذي ترجمته "عربي21": "كذلك الفرصة المشابهة بخصوص المواقف البريطانية والأوروبية تجاه اللاجئين وطالبي اللجوء ضاعت، عندما وجد جثمان الطفل ألان كردي على أحد السواحل التركية قبل خمس سنوات تقريبا".
وبالرغم من الحزن العالمي وتغطية الصفحات الأولى للحدث ورسم لوحات تمثل جثمان الطفل الصغير وتحويله إلى رمز لعالم فقد طريقه، لم يحصل شيء. وفي الواقع أصبحت سياسات الهجرة الأوروبية أكثر صرامة.
وتعاطف الشعب البريطاني الأسبوع الماضي مرة ثانية عندما وجد جثمان المهاجر السوداني، عبد الفتاح حمد الله، على الشواطئ الفرنسية حيث غرق بينما كان يحاول الوصول إلى بريطانيا. وفي نفس الوقت وصل مهاجر ذو حظ أوفر إلى كنت وتم الاعتداء عليه مباشرة.
وقالت الكاتبة إن هذه الازدواجية تقع في صميم موقفنا من المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين "تعبير عن الحزن الشديد، لحظة تليها ضربات سياسية. نحب أن ننظر إلى أنفسنا على أننا لطفاء نتأثر بمأساة بعض الحالات، ولكننا لا نفعل شيئا أكثر من التعبير عن تعاطفنا".
وأضافت أن هناك ما يشبه التمثيل بخصوص التعبير عن التضامن والطريقة التي نحاول فيها باستمرار محو قسوتنا تجاه المهاجرين وطالبي اللجوء بتنظيم أنشطة تعكس غضبنا المبالغ فيه.
وزادت بالقول إن أفضل مثال على ذلك قيام صحيفة "ديلي ميل" بتخصيص صفحتها الأولى لقصة غرق حمد الله ولمخاطر عبور اللاجئين للقنال في قوارب صغيرة وتساءلت الصحيفة: "هل سنفيق الآن لهذه الكارثة؟"، وهي نفس الصحيفة التي نشرت الكثير من الصفحات الأولى المعادية للاجئين والتي لو جمعت على حبل واحد ربما غطت طول القنال.
اقرأ أيضا : "ترجمان الأوجاع"... وجع المهاجرين الحالمين بحياة أفضل
ولفت إلى أن هناك تعديلا طفيفا وذكيا للسياسة البريطانية المعادية للهجرة على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث يم التخلي عن اللغة "العدوانية" بهدوء لصالح مفهوم "الامتثال" – فتم استبدال سياسة التهديد (اذهبوا إلى أوطانكم أو واجهوا الإبعاد) التي انتهجتها تيريزا ماي [عندما كانت وزيرة للداخلية] إلى مفاهيم ثقافية مجردة مثل المواطنة والانتماء.
والهدف هو الاستمرار في جعل السياسات المناهضة للهجرة مكسبة للأصوات وفي نفس الوقت التراجع عن القسوة الصريحة، خشية أن يشعر الناخبون بأنهم مشاركون في ذلك.
وتعلق الكاتبة أن وزيرة الداخلية، بريتي باتل، ثبتت هذا الموقف المتناقض. ففي نفس الوقت الذي تتحدث فيه عن قصص العنصرية التي عانت منها لإضفاء الإنسانية على نفسها ولتعطي نفسها مصداقية، تقوم بإنكار وجود العنصرية الممنهجة.
وتتحدث بتعاطف عن الوفاة المأساوية للاجئ السوداني ثم تلوم "العصابات الإجرامية ومهربي البشر" بدلا من الإغلاق البريطاني للسبل الآمنة للجوء "فبين وزارة الداخلية والصحف اليمينية هناك أداء مروع يقومون فيه بتغيير أقنعتهم المسرحية، وجه حزين في لحظة وغاضب في أخرى، وهو أداء ناجح".
ولفت إلى أنه تم إقناع الشعب البريطاني بأن معاداة اللجوء ليس قسوة، ولكنه دفاع مشروع عن اقتصادهم وطريقة حياتهم.
وتعكس الاستطلاعات هذا الانفصام في الشخصية. فقد كشف استطلاع لشركة YouGov أن حوالي نصف الشعب البريطاني لا يتعاطفون أو تعاطفهم قليل مع طالبي اللجوء الذين يقومون برحلاتهم اليائسة عبر القنال.
وأظهرت استطلاعات أخرى على مدى الأربع سنوات الماضية نتائج مشجعة بخصوص "زيادة ليونة" المواقف البريطانية تجاه الهجرة.
ولكن يبدو أن تلك "الزيادة في الليونة" لم تكن كافية للتأثير في الأكثرية التي منحت لهذه الحكومة التي جعلت من معادة المهاجرين مبدأ أساسيا.
وعليه فإن كان هناك من ليونة فإنها تعكس الارتياح المتزايد للشعب البريطاني لبلد لا يسمح للهجرة إليها إلا لعدد محدود من الأشخاص المختارين والأثرياء من عرقيات وفئات مفضلة، وليس لاجئون مسلوبو الحقوق ومحطمون يحطون على شواطئهم من قوارب صغيرة.
وقالت: "بإخفاقهم في الدفاع عن هذا النوع من المهاجرين، تمت محاصرة اليسار تماما بخصوص الهجرة. وأبعد من القضية الإنسانية للاجئين فشل اليسار في صياغة حجة أخلاقية للتعامل مع التعصب الأعمى الذي تقوم عليه "المخاوف المشروعة" للناخبين".
وبتراجعه عن لغة العنصرية ورهاب الأجانب يكون اليسار أعلن قناعته بمبدأ أن معاداة الهجرة لا تتعلق بالأخلاقيات ولكن بالاقتصاد أو الثقافة أو أن الشعب البريطاني يريد "سيطرة" أفضل.
هذا الفشل -تضيف مالك- هو جزء من التحدي الأوسع لليسار في بلد كان فيه نجاخ اليمين الحقيقي هو تعطيل إمكانيات الناخبين من الربط بين معاناة ضحايا السياسات اليمينية وصناع تلك السياسات، بين تعاطف الناخبين مع الناس الذين يعيشون مآسي وبين دور [اليمين] في تلك المآسي.
ولفتت إلى أن "المأساة" التي يجب أن نفيق لها هي أن الكثير من الناس في بريطانيا مقتنعون بأنه لأجل أن يزدهر شخص آخر، يعني أنه لا بد أن يخسروا.
ولذلك فإنهم يعبرون كما تفعل باتل عن "انزعاجهم" بسبب "الوضع المأساوي"، ولكنهم يستمرون في إدامته.
حمد الله كان يعلم أنه قد لا ينجو. في اليوم السابق لوفاته قال لابن عمه إنه قد لا يراه ثانية مرة أخرى. وعلم في آخر لحظاته أن مغامرته فشلت.
لقد علم المخاطر ولكنه قام بالمغامرة على أية حال، لأنه كان يريد أن يعيش حياة كريمة أكثر من مجرد الحياة. وبعدم منحه ذلك تكون بريطانيا خسرت أكثرت مما لو وصل آمنا إلى شواطئها.