الغارديان: لبنان معتاد على الكوارث لكن الانفجار استثنائي

نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للزميلة في معهد كارنيغي للسلام كيم غطاس، قالت فيه إن عقودا من المقاومة الصبورة في وجه الكوارث تحولت إلى غضب عارم بعد الانفجار المدمر في مرفأ بيروت.

وقالت: "بعد يومين من الانفجار لا نزال نعد الموتى ونحسب الأحياء ونبحث عمن دفنوا تحت الأنقاض".

وتابعت: "بعد يومين لا يزال صوت الزجاج المحطم يسمع طيلة الوقت: ألواح الزجاج المتصدعة تسقط وحطام الزجاج يتم كنسه وأكوام الزجاج التي يتم التخلص منها في زوايا الشوارع. مزيد من الزجاج ومزيد من شظاياه في قلوبنا".

"وبعد يومين لم يعتذر أي وزير أو حتى مسؤول حكومي للشعب اللبناني . ولا أحد اهتم في أن يزور المستشفيات ليزور الجرحى أو يتفقد الأضرار للمناطق السكنية".

وأضافت أن كثيرا من الأسئلة لحد الآن ركزت على الذي بدأ النار الأولى التي أدت إلى الانفجار في مرفأ بيروت يوم الثلاثاء.

والسؤال الأهم هو: "لماذا بقي 2750 طنا من نترات الأمونيوم، تم إنزالها من باخرة متعطلة مؤجرة لرجل أعمال روسي عام 2014، مخزنة في المرفأ لمدة ست سنوات؟"، ولا بد أن سلطات المرفأ والقضاء وفي الغالب مسؤولين آخرين كبار كانوا يعرفون بوجود هذه القنبلة الموقوتة وسط مدينة عدد سكانها مليوني شخص، بحسب غطاس.

وبعد يومين لا يزال الغضب الأعمى يتزايد، "اليوم نحزن  وغدا ننظف وبعد غد ننصب المشانق". هذه واحدة من الرسائل التي تم تداولها في بيروت، في بلد بقيت رهينة لمؤسسة سياسية فاسدة وعصبة من أمراء الحرب لأربعة عقود. ويتم نشر صور المقاصل والمشانق على منصات الإعلام الاجتماعي، وأصدقاء لطفاء ممن يحبون عزف القيثارة ويخيطون ملابسهم بأنفسهم اعترفوا بالقول: "لم استوعب يوما كيف يمكن لإنسان أن يقتل إنسانا مثله، ولكن اليوم يمكنني أن أقتل، أريد أن أقتلهم". 

وظهر الحدث الهائل وكأنه زلزال وغارة جوية في آن واحد. لم يخبر أي منا في لبنان مثله أبدا، ولم يشهد أحد منا هذا النوع من الدمار التام أو يمكنه أن يدرك حقيقة مدى ما أصابنا وأصاب مدينتنا الحبيبة، مع أننا مررنا في محن أكثر من أن يتحمله أي عمر.

اقرأ أيضا: هل كانت زيارة ماكرون للبنان إغاثية أم لتثبيت الوصاية؟

فإن كنت في منتصف الأربعينات من عمرك في لبنان، تكون قد عشت 15 عاما من الحرب وغزوتين إسرائيليتين و30 عاما من الاحتلال السوري وعدة مرات من الانهيار الاقتصادي وفقدان العملة لقيمتها وحملتي قصف إسرائيلي وثورة وموجة من الاغتيالات السياسية دمرت صفوف التقدميين ومنذ نهاية 2019 موجة احتجاجات أخرى تطالب برحيل النخبة السياسية الفاسدة – نفس أمراء الحرب الذين أداروا الحرب ثم صنعوا السلام كي يستمروا هم وأصدقاؤهم بملء جيوبهم.

وعجلت الثورة الأزمة الاقتصادية والمالية والتي تم صنعها على مدى سنوات، وتفاقمت مع فيروس كورونا والإغلاق. ومع ذلك كنا لا نزال صامدين، بشكل عجيب، وليس بفضل زعمائنا ولكن بالرغم عنهم، وذلك بفضل مبادرات خاصة وأشخاص رائعين يديرون منظمات الإغاثة والمستشفيات والعيادات والمدارس والجامعات، والنسيج الذي يجعل البلد ما هي عليه: مكان لمجتمع رائع يمكن أن يوضح لماذا بالرغم من كل الأذى يبقى الكثير منا غير مستعد لترك لبنان.

قدرتنا على التحمل رحمة ولعنة في نفس الوقت. نجد طريقة للتحمل وهو ما يعني أننا نلتف حول المشكلة ونجد حلا لكل شيء وهذا يعني أننا لا نجتث سبب الفساد. لا نزيد الموت، فنعيش بأي وسيلة، ونعيد البناء كل مرة بأفضل طريقة ممكنة ولكن بقينا غير مستعدين للاعتراف بأننا نبني على أرضية مهتزة.

فكم أكثر من ذلك يمكن لبلد وشعب أن يتحمل؟ وهل هذه نقطة تحول؟ وإن كانت كذلك فتحول نحو ماذا؟ ثورة كاملة وتغيير حقيقي نحو بداية جديدة أم عجز تام وهزيمة؟

في شباط/ فبراير 2005 تم اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، بتفجير موكبه باستخدام 1000 كغم من المتفجرات ما أسفر عن قتلته وقتل 22 شخصا آخر كما تسبب بدمار لواجهة بيروت البحرية التي كان قد أعيد بناؤها حديثا. وتم وضع لوم الاغتيال على المسيطرين على لبنان في دمشق، وتسبب الغضب العارم والمظاهرات الكبيرة على مدى شهرين على إنهاء 30 عاما من الاحتلال السوري. ولكنهم خلفوا وراءهم نظاما مترسخا سمح لزعامات لبنان الاستمرار في نهب البلد لصالحهم ولصالح أصدقائهم في دمشق.

وهذا النظام يشمل حزب الله والذي قوي منذ ذلك الحين كحزب سياسي وتنظيم عسكري. كثير من الغضب اليوم موجه ضده – وهناك تخمينات كثيرة بأن نترات الأمونيوم المخزنة كانت له، للاستخدام في صناعة القنابل، أو أن النار بدأت عندما استهدفت الطائرات الاسرائيلية مخزن أسلحة سري له في المرفأ.

ومع أن الإهمال قد يكون هو في الغالب السبب إلا أن الناس لا يريدون أن يتخلوا عن النظريات الأخرى بعد. وعلى أي حال فإن حزب الله جزء من نظام فساد يغرق البلد. والذين يريدون النجاة بأنفسهم قد يلقون باللائمة بشكل كامل على حزب الله ولكن يجب علينا أن نتذكر بأنه لا يمكن لحزب الله العمل في لبنان دون تعاون مباشر أو غير مباشرة مع معظم المؤسسة السياسية التي تبدوا سعيدة بعقد الصفقات وحماية بعضها البعض.

ولذلك كان الشعار الذي ساد المظاهرات منذ شهر تشرين أول/ أكتوبر كان "كلن يعني كلن". وهذا هو السبب الذي يجعل هذه تبدو على أنها نقطة تحول ذات حجم مختلف، واحدة يمكن أن تؤدي إلى الإطاحة بالقيادة، أو على الأقل ربطي أيدي عصبة الزعماء الفاسدين وجلب حكومة جديدة أو ولادة نظام جديد وبعقد اجتماعي جديد.

لا يزال الكثير غامضا حول تفاصيل أحداث يوم الثلاثاء. ولكن ما هو واضح هو أن الذين سمحوا لهذا أن يحدث لا يمكن أن يكونوا هم من يحققون فيه. ويجب أن يكون هناك تحقيق دولي للتأكد من اكتشاف التفاصيل كاملة، ليس فقط كيف بدأ الحريق والانفجار الذي تلاه ولكن الأهم لتحديد كيف ولماذا بقيت مواد خطيرة مخزنة في المرفأ وسلسلة المسؤولين عن ذلك كاملة.

هذه هي اللحظة التي يجب فيها أن ينتهي الإفلات من العقاب في لبنان. هذه هي لحظة العدالة، ليس فقط لمن ماتوا في هذه الكارثة ولكن لكل الذين قتلوا على مدى الأربع عقود الماضية. يومين بعد الانفجار يقوم اللبنانيون بأفضل ما يتقنونه: التنظيف وإعادة البناء. فهم لا ينتظرون الدولة الغائبة لفعل ذلك ولكنهم ينتظرون العدالة.