المساجد في فلسطين لا تقتصر على العبادة والتقرب إلى الله عز وجل فقط، فهي بالإضافة إلى الجانب الروحي والمعنوي والإيماني، تعد مخزونا تراثيا وتاريخيا يؤكد إسلامية وعروبة هذه الأرض التي بارك الله حول مسجدها، المسجد الأقصى.
في هذا البحث نتلمس قبسا من النور من مساجد فلسطين التاريخية التي تشكل معلما تراثيا وإرثا إنسانيا ومعمارا فنيا ساحرا، ولن نعرج في هذا البحث على مساجد القدس والمسجد الإبراهيمي في الخليل لأنها مساجد معروفة للجميع وتحتاج منا إلى بحث مستقل وموسع، وسنركز على المساجد التي لا يعرف عنها القارئ العربي خارج فلسطين الكثير ضمن معركة الذاكرة في الحفاظ على الذاكرة الوطنية الفلسطينية والعربية.
جامع الخضراء:
يقع في الزاوية الجنوبية الغربية من حارة الياسمينة في نابلس بالقرب من "عين العسل" في موقع أثري قديم تعود أصوله إلى العصر الحجري الحديث، وتم إشغاله في عهد الرومان ببناء بازيليكا.
وفي بداية الفتح الإسلامي للمدينة كان المكان مهدما وتم تشييد مسجد في هذا الموقع إلا أن الصليبيين أقاموا كنيسة لهم أثناء الاحتلال الصليبي ليقوم صلاح الدين الأيوبي بعد تحرير المدينة بإزالتها، وقد أعيد بناؤه زمن السلطان سيف الدين قلاوون المملوكي سابع ملوك دولة المماليك التركية.
توجد في صحن الجامع بركة ماء، وتبلغ مساحة القسم المعد للصلاة فيه نحو 300 متر مربع، وله محراب جميل، وفي ركنه الجنوبي الغربي مكان منفصل يقال إنه المكان الذي حزن فيه النبي يعقوب بن إسحاق على ولده يوسف. ويعرف الجامع لذلك باسم "جامع حزن يعقوب".
وتبعد مئذنته مقدار ستين مترا من ناحية الشمال، وتشبه في نمطها المعماري مئذنة جامع الرملة حيث إنها مربعة الشكل على غرار المآذن المغربية.
وقد زاره كثير من الرحالة الأجانب والمسلمين حيث وصفوه بأنه ذو مساحة كبيرة جدا ومحاط بالبساتين والأشجار الكثيفة ولهذا سمي بالخضراء لاستمرار اخضرار المنطقة حوله، ومما يؤسف له أنه تم تدمير الجدار الغربي من بيت الصلاة، وكذلك المدخل وغرف تحفيظ القرآن وذلك باستخدام الجرافات العسكرية الإسرائيلية.
جامع النبي يحيى:
مسجد عتيق في بلدة سبسطية الفلسطينية وعلى ربوة تكسوها أشجار الزيتون واللوزيات تقبع قرية سبسطية.
وسبسطية هي بلدة فلسطينية تقع في محافظة نابلس وتعتبر المدينة ذات تاريخ عريق وحضارة زاهرة امتدت لأكثر من 3000 عام، تخللها العديد من الأحداث والوقائع التاريخية الهامة لفلسطين وللمنطقة بشكل عام وأطلق عليها المؤرخون لقب عاصمة الرومان في فلسطين.
اقترن اسم سبسطية بسيدنا يحيى عليه السلام، حيث قتل على يد الملك هيرودوس الابن إذ تم قطع رأسه، ويقال إن جسده دفن في سبسطية ولم يعرف مكان دفن رأسه، وتتضارب الروايات بوجود رأسه في مدينة دمشق، وقد بني فوق القبر كاتدرائية في القرن الثامن عشر الميلادي.
وفي الفترة الإسلامية فتحت سبسطية على يد عمرو بن العاص ثم وقعت تحت سيطرة الصليبين حتى عادت بيد المسلمين بعد أن فتحها صلاح الدين الأيوبي عام 1187 وقام ببناء مسجد فوق مقام سيدنا يحيى بجانب الكاتدرائية.
جامع النصر:
هو أحد المساجد التاريخية في مدينة نابلس في منطقة باب الساحة في وسط المدينة القديمة في نابلس.
كان يحوي سابقا في موقع المسجد كنيسة بيزنطية. وخلال الحكم الصليبي لنابلس، أقام فرسان المعبد كنيسة دائرية ذات قبة حمراء. وبعد تحرير نابلس عام 1187 على يد صلاح الدين الأيوبي، قام المماليك بتحويل الكنيسة الصليبية إلى مسجد. ودمر هذا المسجد نتيجة زلزال عام 1927، وأعيد بناؤه عام 1935، وتوجد في الطابق الأرضي للمسجد قبور تاريخية.
وتتضمن معالم البلدة عددا من المواقع الأثرية؛ منها ساحة البيادر "البازليكا الرومانية"، "معبد أغسطس"، و"كنيسة الراس" التي قطع فيها رأس يوحنا المعمدان (يحيى عليه السلام) والتي يعود بناؤها للفترة البيزنطية.
وتعتبر البلدة أكبر موقع أثري في فلسطين، ولها مكانة دينية خاصة؛ إذ يشدّد مختصون بعلم الآثار على أنه بالرغم من ادعاء الاحتلال تواجد جذوره في هذه القرية منذ ثلاثة آلاف عام، إلا أن الكنعانيين كانوا قبل هذا التاريخ وأقاموا فيها حضارتهم قبل أربعة آلاف عام، لتتعاقب بعد ذلك الحضارات المختلفة، آخرها الرومان والعثمانيون، الذين ما زالت آثارهم شاهدة على هذا التاريخ حتى اليوم.
مسجد محمد الفاتح:
هو مسجد يقع في منطقة صوفين في مدينة قلقيلية في فلسطين وهو مسجد مصمم على الطريقة العثمانية القديمة، ولذلك سمي بهذا الاسم، ويعد هذا المسجد الأول من نوعه في محافظات الضفة الغربية من حيث تصميمه البنائي.
وبما أنه سمي باسم السلطان الفاتح، فقد وضع على جداريته الخارجية الحديث النبوي الشريف الذي يبشر بفتح السلطان الفاتح القسطنطينية والذي يقول "لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش". ويتكون المسجد من طابقين تعلوهما مئذنتان وقبة ذهبية.
وقد أعطى المسجد مدخل المدينة جمالا ورونقا إضافيا، ورمزا إلى الحضارة الإسلامية التي شهدتها فلسطين، وأصبح المسجد أشبه بالمزار.
وقد صمم منبر المسجد في هيئته ليشبه الخوذة التي كان يلبسها السلطان محمد الفاتح. ويتكون المسجد من قاعة الصلاة الرئيسية، يعلوها قبة صفراء أكثر شبها بقبة الصخرة المشرفة.
وقد صمم المسجد بالطراز السلطاني العثماني، ثماني الأضلاع ليكون الضلع الجنوبي باتجاه القبلة تماما، والباب الرئيسي للمسجد من الجهة الشرقية. وأضيف جزء فيه بطابق ثان (سدة) للصلاة من الجهة الشمالية. حيث تبلغ مساحة البناء للمسجد دون المرفقات له مثل المتوضأ والحمامات حوالي 654 مترا مربعا، أما المساحة الكلية فهي 1000 متر مريع.
وقد أرفق المسجد بمتوضأ وحمامات من الجهة الشمالية تحت قبة صغيرة تحاكي قبة المسجد بالحسن والجمال وروعة المنظر، ويربطها بالمسجد رواق مصمم بالطراز التركي الشامي القديم.
ولمسجد السلطان محمد الفاتح مئذنتان من الجهة القبلية تحتضنان القبة الصفراء حيث ترتفع كل مئذنة أكثر من 55 مترا عن أرض المسجد، 43 مترا من الحجر الأبيض، يتخللها صحن أو شرفة من الحجر المقوس، ويعلو كل مئذنة قبة أسطوانية تشع منها الأنوار، يقارب ارتفاعها 15 مترا ليصبح ارتفاع كل مئذنة أكثر من 55 مترا.
مسجد بلال بن رباح:
يطلق عليه أيضا "قبة راحيل" أو "قبر راحيل" وهو بناء ديني مملوكي/ عثماني يقع على الطريق الواصل بين القدس والخليل بالقرب من المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم في فلسطين.
وتقول روايات يتداولها السكان إن الصحابي الجليل بلال بن رباح أذن للصلاة في هذا المكان عندما مر به برفقة الخليفة عمر بن الخطاب في زيارته لمدينة القدس.
وفي أيام حكم العثمانيين للمنطقة شيد محمد باشا عام 1560 أربعة جدران جانبية للمكان، واستعاض عن هرم مبني من 12 حجرا بـ"قبة" أخذ المكان تسميته منها.
وفي القرن التاسع عشر أضاف موسى مونتيفيوري، وهو ثري يهودي بريطاني، غرفتين إلى دهليز القبة، فصار مظهر القبر على الوضع الذي ما زال عليه.
ويؤمن معتنقو الديانات السماوية بأن النبي يعقوب عليه السلام قد مر في القرن السابع عشر قبل الميلاد بطريق الخليل عندما ماتت زوجته راحيل عند مدخل بيت لحم، فقرر دفنها وبناء قبر هرمي من 12 حجرا. وقد تحول القبر بعد الفتح الإسلامي لفلسطين في القرن السابع للميلاد إلى مصلى إسلامي يعتقد أن بلال بن رباح أذّن فيه. وقد شهد المكان تغييرات في العصر المملوكي والعثماني حتى القرن التاسع عشر، حيث تمت إضافة بعض الجدران وغرفتين إلى المبنى الأصلي.
وسيطر الاحتلال الإسرائيلي على المكان عقب احتلالها لفلسطين بعد حرب 1967، ورغم أنها لم تحدث تغييرات كبيرة فيه فإن الفلسطينيين لا يمكنهم الوصول إلى المسجد، وأغلبية زوار المكان هم من اليهود، حيث أحاطت القبة بأسوار بعد إنشاء جدار الفصل. ويفصل الجدار المنطقة الشمالية من بيت لحم عن قبة راحيل التي ترتبط بطريق مع مستوطنة غيلو القريبة.
إقرأ أيضا: قبس من نور أقدم مساجد فلسطين (1-5)
قبس من نور أقدم مساجد فلسطين (1-5)
لاجئ من يافا: لهذا رحّلتنا مصر بعد زيارة السادت للقدس
فلسطين 100 عام سينما.. من الريادة عربيا إلى تحدي البقاء (2من2)