عشريني يقتل شقيقته لإنشائها حسابا على فيسبوك، وآخر خنق زوجته أمام طفله، وثالث احتسى الشاي بجانب جثة ابنته التي هشم رأسها وأرداها قتيلة، وأخرى لم يكتشف أحد جثتها التي أخفاها والدها إلا بعد عشر سنوات من قتله لها!.. هذه ليست مشاهد متخيلة من أفلام رعب ولا قصصا من وحي كاتب سيناريو دموي، وإنما قصص حقيقية وقعت داخل بيوت عربية ومسلمة في الآونة الأخيرة.
التقارير تشير لوجود نحو عشرين جريمة قتل سنويا
بحق فتيات في الأردن فقط؛ من قبل أقرب الناس إليهن (الأب أو الأخ) بدعوى الحفاظ على
الشرف، وقصة المغدورة أحلام التي اشتهر عنها وسم #صرخات أحلام لم تكن الأولى وللأسف لن تكون الأخيرة.
أحلام فتاة في العقد الثالث من عمرها واجهت خلافات عائلية لا نعلم تفاصيلها، ووصل إلينا كما وصل لغيرنا نبأ قيام أبيها بمطاردتها بالشارع بكل وحشية لقتلها، مستخدما حجارة البناء! والفتاة تستغيث أمها ولا يتحرك قلب الأم ولو شيئا بسيطا لنجدة ابنتها، فضلا عن أشقائها الذين ساعدوا والدهم ومنعوا أحدا من إنقاذها كما قيل. وتكتمل الصورة قهرا بتأخر وصول الشرطة للمكان، لتموت أحلام ويذهب صدى صرخاتها في مجتمع تحكمه إلى حد ما أعراف وتقاليد بالية؛ ألبسوها كذبا وزورا ثوب الدين.
ليجلس الأب بجانب جثتها بكل برود بعد تلك الجريمة النكراء يشرب كأسا من الشاي!!
أيّ شرفٍ أو دينٍ يحمله ذلك الرّجلُ الذي يقتل ابنته أو أخته أو ابنة عمّه لأنّه اعتقد أنها ارتكبت خطيئة ما؟ المصيبة الأكبر أن معظم الفتيات المعتدى عليهن بدعوى "
جرائم الشرف "يمتن عفيفات بريئات مما نسب إليهن تحت دوافع الشك الشيطانية.
مجتمع ظالم في كثير من الأحيان يتغاضى عن الرّجل المعتدي؛ كما لو أنّ هذه الفتاة مارست الفاحشة وحدها!! ثمّ يقول لك: هذا ضروري لغسل العار، وقد نجح فلان وغسل عاره بيده!! وهذا أمر ترفضه الشريعة ولا يقره دين أو خلق.
إذا أردت حكم الإسلام فالإسلام أعطى القاضي وحده دون سواه إثبات الفاحشة بشهادةِ أربعة شهودِ رأوا ممارستها عيانا لا مرية فيه، ثمّ يعمد القاضي إلى أي شبهةٍ ليبعد العقوبة عن الفاعل والمفعول بها.
وإذا أردت الحديث عن مجتمعٍ الصحابة الذي كانت فيه الغيرة والشّرف أضعاف ما هي عليه اليوم في مجتمعاتنا؛ لك (إن أخذنا بالرواية التي تتحدث عن) قصة المرأة التي جاءت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مقرة بالزّنا وأنها حاملٌ من السّفاح خير مثال، حيث ردَّها النبيّ صلوات ربي وسلامه عليه حتّى تضع حملها، ثم ردها عامين لترضع وليدها، ولَم نسمع أن أحدا من أهلها اعتدى عليها او آذاها خلال ذلك.
وقد أعجبني ما كتبه الباحث الشرعي صالح السهيل بمسألة توظيف الدين لتبرير تلك الجرائم: ساهمت الأحاديث الموضوعة في جعل الأب مؤاخذاً بانحراف بناته أو تبرجهن، فضلاً عما هو أكبر من ذلك، بل جعلوا الأخ والعم والابن محاسبين بذلك.
وهذا يتناقض مع مسألة التكليف الشرعي عند بلوغ سن الرشد، حيث يتحمل كل شخص ذكرا كان أو أنثى مسؤولية تصرفاته. ولا يعقل أن يحاسب الأب لكون ابنه ذي العشرين عاما قصّر في صلاته، أو لكون ابنته في ذات العمر نفسه خلعت حجابها! فهذه مسائل يحاسبهم ربهم عليها، ويكفي الأب والأم أن يقوما بتربيتهم على قيم الإسلام الصحيحة ويشكلان قدوة صالحة أمامهم في طفولتهم، وبعد ذلك كل يتحمل مسؤولية نفسه.
المصيبة أنهم يغمضون أعينهم عن جرائم الذكور وينفجرون بمحاسبة البنات على أبسط الهفوات، وعليه فالمجتمع الذي يعيشُ انفصام الانتقام من المرأة والعفو عن الرجل تجاه الجريمة الأخلاقيّة نفسها هو مجتمع يفتقر لأدنى معاني الشّرف.
عفوا.. قبل أن أختم مقالتي، أدرك أن هناك مؤامرة على الأسرة العربية والمسلمة، وانتهاكا صريحا لقيمها، ولكن علينا أن ندرك أن التعامل مع أخطاء البنات بهذه الطريقة المريعة (إن ثبتت) يسهّل مهمة من يرغبون بتفكيك الأسرة أكثر وأكثر، وليس العكس، ويعطيهم الحجة على طبق من ذهب لحماية البنات من آبائهن القتلة وأمهاتهن وأشقائهن المشاركين بالجريمة.