وسط تزايد ضغوط دولية واقتصادية وسياسية على مصر مؤخرا، أعلنت إيران، الأحد، عن تدشين
ممر تجاري دولي جديد مع دول أخرى يُعد بديلا قصيرا ورخيصا عن ممر قناة السويس
المصري.
وقال المدير
العام لمنظمة منطقة جابهار الحرة الإيرانية، عبد الرحيم كردي، إن الربط التجاري
بين مومباي بالساحل الغربي للهند وهامبورغ شمال غرب ألمانيا وسان بطرسبرغ شمال غرب
روسيا سيتم عبر مدن استراخان الروسية وأنزلي وجابهار الإيرانية ونافا شيفا بالهند،
بدلا من قناة السويس.
وقالت وكالة
"إرنا"، إن الممر التجاري سيقلص الوقت الذي يستغرقه نقل البضائع من
روسيا، من 38 يوما إلى 14 - 16 يوما فقط.
ورغم ما أنفقه
رأس النظام العسكري الحاكم بمصر عبدالفتاح السيسي بحفر تفريعة قناة السويس - 64
مليار جنيه مصري (8 مليارات دولار) عام 2015- بدافع زيادة أرباح مصر من المرور
بالقناة لنحو 100 مليار دولار سنويا، حسب تصريحات رسمية؛ إلا أن تلك الخطوة لم
تحقق مردودا.
ورسميا، تراجعت
إيرادات القناة التي تسيطر على حوالي 7 بالمئة من حركة التجارة العالمية تراجعا
بسيطا بالعام المالي 2019-2020، عن سابقه مسجلة 5.72 مليارات دولار.
"الممرات
المنافسة"
وظهرت تباعا
مجموعة من التحديات أمام قناة السويس؛ ومنها تراجع أسعار النفط عالميا ما قلل حركة
مرور ناقلات البترول، إلى جانب تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي، فيما
تفضل شركات شحن عالمية المرور بطرق أخرى لرخص تكلفتها وتراجع مخاطر القرصنة
البحرية بالقرن الأفريقي.
وفي أيار/ مايو
الماضي، أعلن تحالف 2M المكون من خط ميرسك الحاويات وخط MSC، أكبر خطين ملاحيين بالعالم، تحويل مسار سفن
تابعة له، لرأس الرجاء الصالح كخط بديل لقناة السويس للمرور بين أسيا وأوروبا.
وفي نفس السياق،
تم إطلاق مشروعات عالمية عملاقة ومنافسة لقناة السويس، ومنها توسعة قناة بنما التي
تصل بين المحيطين الأطلسي والهادي عام 2016.
وفي العام 2016،
دفعت الصين شركات الملاحة لاستخدام "الممر الشمالي الشرقي" المار
بالمحيط المتجمد الشمالي، بعد ذوبان الجليد هناك؛ حيث تقل الرحلة من شنغهاي بالصين
إلى هامبورغ بألمانيا بحوالي 2800 ميل بحري عن طريق قناة السويس.
وفي العام 2014،
افتتحت الصين أطول خط سكك حديد عابر للقارات بالعالم "طريق الحرير" الذي
يصل الساحل الشرقي للصين بأوروبا حتى إسبانيا بمسافة 13 ألف كم، وبمشاركة عدد كبير
من دول العالم.
وتقوم إسرائيل
بتجهيز ميناء "حيفا" على البحر المتوسط ليصبح ميناء الشحن الإقليمي
للشرق الأوسط إلى أوروبا بمساعدة الصين، وذلك بربط الميناء بالبحر الأحمر عن طريق
خط نقل سريع مع ميناء إيلات على خليج العقبة.
"إبعاد
الإدارة العسكرية"
وفي حديثه
لـ"عربي21"، انتقد الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، ما اعتبره "فشل
الإدارات المتتابعة لهيئة قناة السويس في الاستفادة من الموقع الجغرافي المتميز
للقناة"، متسائلا: "فكيف سيكون الوضع مع ممرات ملاحية جديدة؟".
وأشار إلى تأثير
تلك الممرات على صعيد حركة التجارة العالمية المارة بقناة السويس، وكذلك التداعيات
الاقتصادية على أحد أبرز مصادر النقد الأجنبي لمصر، خاصة "مع اعتماد مصر
الدائم على إيرادات القناة التي بلغت من 4 إلى 6 مليارات دولار تقريبا خلال العشر
سنوات الماضية كأحد مصادر النقد الأجنبي الرئيسية.
وأضاف الأكاديمي
المصري: "بحث العالم عن ممرات ملاحية أوفر وقتا وأرخص سعرا أمر طبيعي؛ وتحت
وطأة هذه الأمور اضطرت هيئة القناة لتقديم مجموعة تخفيضات بدأتها مباشرة عقب
افتتاح تفريعة القناة الجديدة التي تكلفت مبالغ طائلة على الاقتصاد المصري ولم يكن
لها جدوى اقتصادية معروفة حتى الآن".
ولفت ذكر الله إلى
أن "الممرات الملاحية الجديدة سواء قناة بنما، أو هذا الخط الجديد قد تأخذ بعض
الوقت، وقد توفر الكثير من الأموال على منتهجي تلك الخطوط؛ ولكن غير الطبيعي عدم
قدرة هيئة القناة على الحركة السريعة المتوازية مع هذه التطورات لتعوض ما فاتها من
إيرادات".
وقال رئيس قسم
الدراسات الاقتصادية، بأكاديمية العلاقات الدولية، بتركيا، إن "العالم يتطور
بشدة ولكن الإدارة العسكرية لقناة السويس غير رشيدة على المستوى الاقتصادي وتسببت
بتجميد ونقصان الإيرادات حتى الآن، ولم تنجح بتحويل القناة لمنطقة صناعية عالمية
كبرى استفادت من الموقع الجغرافي".
اقرأ أيضا: مسؤول إيراني: ممرنا التجاري يُعد بديلا لقناة السويس
وحول أثر
التخفيضات والعروض المغرية التي أقرتها الهيئة ومدى مساهمتها بزيادة تنافسية
القناة وزيادة الإيرادات، جزم ذكر الله، بأن "التخفيضات لم تؤت ثمارها وإنما
هي لمواجهة تداعيات عالمية مثل انكماش معدلات التجارة العالمية منذ 2008 وحتى الآن
بصورة متوالية، وتداعيات جائحة كورونا أيضا".
وأشار إلى أن
"التخفيضات حسب السيناريوهات المتفائلة تحافظ فقط على مستوى الإيرادات
الحالي، وإن كنت أتوقع تراجعها كثيرا بالعام المالي الحالي كما تراجعت
بسابقه".
وحول الحلول
المقترحة لمصر لرفع تنافسية قناة السويس أمام الممرات البديلة، لفت أستاذ
الاقتصاد، كلية التجارة، جامعة الأزهر، إلى أن "الدراسات الكلية والشاملة
تقول بضرورة إسناد الأمر لمتخصصين بالاقتصاد البحري وعدم تركه فقط للهيئات
العسكرية".
وأشار أيضا إلى
ضرورة "إيجاد رؤية استراتيجية للقناة، وكذلك التسريع ببيئة وبنية الاستثمار
بالقناة كجزء من بنية الاستثمار الأجنبي بمصر"، معلنا عن أسفه لأن "هذه
البنية يعترضها أمور كثيرة أهمها السيطرة الأمنية على معظم مقدرات هذا
الاستثمار".
وحول ما يمكن أن
تلعبه التفريعة التي أنفق عليها السيسي مليارات الدولارات لزيادة تنافسية القناة
كممر ملاحي دولي، قال ذكر الله: "إذا كنّا جادين بتحويل القناة ومصر لمنطقة
جاذبة للاستثمارات لابد أن يحدث بجوار التحديث التشريعي المطلوب بيئة حقيقية
مواتية للاستثمار".
"فرط
في القناة"
ومن وجهة نظر
سياسية، قال مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية بإسطنبول، ممدوح
المنير، إن "الممر التجاري الدولي الجديد عبر إيران بكل تأكيد ستكون له عواقب
وخيمة على المرور بقناة السويس؛ ولكن ذلك مرتبط أيضا بسياسة العقوبات الأمريكية
تجاه طهران ومستقبل العلاقة مع واشنطن".
الأكاديمي
المصري، أوضح بحديثه لـ"عربي21"، أنه "مع العقوبات الأمريكية ووسط
حالة العداء بين البلدين؛ أعتقد أن هذا الممر التجاري لن يغير من واقع الملاحة
الدولية بقناة السويس على الأقل بالمدى المنظور".
وأشار أيضا إلى
وجود "ممر ملاحي يعتزم الكيان الصهيوني إنشاءه كذلك"، لافتا إلى أن
"النظام المصري غير معني بذلك على الإطلاق، وأن السيسي الذي فرط بجزيرتي تيران وصنافير، ومياه النيل لن يكون صعبا عليه
التفريط بقناة السويس، وقد فرط بالفعل منذ انقلابه بالعام 2013".
وقال الباحث
المصري: "أرجو ألا ننسى أن السيسي سلّم المشاريع الاقتصادية على جانبي قناة
السويس للإمارات حتى تُميت أبوظبي القناة حتى لا تكون بديلا لميناء جبل علي
بدبي".
وأضاف:
"وبالتالي لا أعتقد أن هذا الممر عبر إيران سيقابل برد فعل وطني من قبل
النظام، بل ربما يساهم في تأسيسه، كما تساهم 5 بنوك مصرية في بناء سد النهضة
الإثيوبي الذي تدعي الدولة محاربته".
"مستقبل
غير سار"
وقال الخبير
المصري بمجال الإدارة والتخطيط، هاني سليمان، إن "الأمل كان معقودا بعد ثورة
25 يناير أن تستثمر مصر بمنطقة القناة كمركز لوجيستي عالمي للتجارة والصناعة
والاستيراد والتصدير، وليس مجرد ممر مائي، ما يجعلها منافسا قويا لمراكز عالمية
وإقليمية كجبل علي بدبي".
وأضاف
لـ"عربي21": "لكن ما حدث بعد الانقلاب العسكري هو إنشاء تفريعة
صغيرة للقناة وتصديرها للمصريين أنها قناة جديدة تجلب الرخاء، وكما قال الفريق
مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس السابق أنها ستدر 100 مليار دولا سنويا".
وتابع سليمان:
"وسرعان ما اتضحت الحقيقة، فلم تضف التفريعة أية مدخلات جديدة، ولم يرتفع دخل
القناة بل بدأ بالانخفاض نتيجة ركود الاقتصاد العالمي، وتفضيل الكثير من الدول
المرور برأس الرجاء الصالح، ما دعا مصر لتخفيض رسوم المرور في إجراء لم يفلح برفع
دخل القناة".
وأشار رئيس مجلس
إدارة مجموعة تنمية القيادة (LDG)،
أيضا إلى "تأثير جائحة كورونا الكبير على الاقتصاد العالمي، وبالتالي انخفاض
دخل القناة".
ويعتقد أنه
"مع إعلان إيران عن تدشين ممر تجاري دولي جديد يكون بديلا قصيرا ورخيصا عن
قناة السويس ويصل آسيا بأوروبا مباشرة؛ يبدو أن المستقبل يحمل الكثير من المفاجآت
غير السارة لمصر، خاصة بوجود مشروعات طريق الحرير كبدائل أقصر وأرخص من قناة
السويس".
وأكد الخبير
المصري في الإدارة والتخطيط، أن "قناة السويس أهم مصادر العملات الأجنبية
لمصر مع السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، وجميعها تأثرت سلبا بالسنوات الأخيرة
ومع جائحة كورونا، ما يجعل تأثير الممرات التجارية عبر طريق الحرير خطر كبير على
مصر".
وتساءل:
"هل تنتبه القيادة المصرية للخطر الداهم؟ وتبدأ وبسرعة بالاستثمار في منطقة
القناة، ومحاولة إحياء المشروعات التنموية الحقيقية، بدلا من وضع المليارات التي
تقترضها لبناء عاصمة جديدة للصفوة، وإنشاء قصور رئاسية للقادة".
وزير الإعلام المصري يروي تجربته مع "كورونا" (شاهد)
مسؤول إيراني: ممرنا التجاري يُعد بديلا لقناة السويس
جدل بعد حظر مصر تناول الإعلام قضايا سد النهضة وليبيا وكورونا