* حفر مسار الانقلاب على "الرئيس المدني" بدأ في 12 فبرير 2011 بعد استيلاء المجلس العسكري على الحكم منفردا
* المجلس العسكري كان يفضل نجاح "مرسي" وليس "شفيق"؛ لأن الانقلاب على الأخير كان يمكن أن يشق المؤسسة العسكرية
* الإخوان ألقت اتفاق فيرمونت مع الليبراليين في سلة المهملات بعد انتخاب مرسي رئيسا، وراهنت على التحالف مع العسكر
* العسكر تلاعبوا بالإخوان في 2011 بنفس الحيل السياسية التي اتبعها جمال عبد الناصر معهم في 1952.. والجماعة ليس لديها عقل استراتيجي
* استهداف الإسلاميين لم يبدأ إلا بعد انقلاب 3 يوليو، بينما تنكيل العسكر بالأطراف الأخرى كان بعد ثورة يناير بمباركة الإخوان
* التحدي الذي تواجهه جماعة الإخوان الآن هو أن تجرؤ قيادتها على تدشين ميلاد جديد برؤية عصرية
* أدعو جماعة الإخوان لإجراء مراجعات فكرية وسياسية عميقة تناسب التغير الهائل في قيم المصريين
* الدعوى القضائية التي رفعها محمد سلطان بثت الأمل لدى عشرات الألوف من ضحايا التعذيب والاختفاء القسري والقتل الفردي والجماعي بمصر
* أحزاب جبهة الإنقاذ تتحمل جزءا من المسؤولية السياسية والأخلاقية عن الدماء التي سالت بعد انقلاب السيسي
قال الحقوقي المصري البارز، بهي الدين
حسن، إن "حفر مسار الانقلاب لم يبدأ في اليوم التالي لـ30 حزيران/ يونيو 2013،
أو لانتخاب محمد مرسي رئيسا، بل أن الانقلاب الأهم حدث في 12 شباط/ فبرير 2011،
باستيلاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الحكم منفردا".
وأضاف حسن، في الحلقة الأولى من مقابلته الخاصة
مع "عربي21"، أن "المجلس العسكري كان يفضل نجاح محمد مرسي في
الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2012، وليس أحمد شفيق الذي كان امتدادا
لاستراتيجية مبارك في تحجيم دور الجيش في السياسة"، مؤكدا أن "الانقلاب
على شفيق أصعب من مرسي، لأنه كان يمكن أن يشق المؤسسة العسكرية التي اعتزمت أن
تنفرد بالحكم".
وانتقد الاستراتيجية التي اتبعتها الإخوان
عقب ثورة يناير، مؤكدا أنه "بعد انتخاب مرسي رئيسا، ألقت الجماعة اتفاق
فيرمونت مع الليبراليين في سلة المهملات، وراهنت على التحالف مع العسكر، وعلى أن
إعطائهم كل التنازلات المطلوبة سيمنحهم الوقت المناسب لتحصين سلطتهم في مواجهة
الليبراليين وأيضا العسكر، بينما لم يكن لدى الإخوان عقل استراتيجي قادر على
قراءة خرائط علاقات القوى والأطراف السياسية المختلفة، والتحولات في القيم
الاجتماعية، والمزاج السياسي للمصريين، ولا حتى قدرة على قراءة التاريخ".
اقرأ أيضا: "عربي21" تحاور يزيد الصايغ عن علاقة السيسي بإسرائيل (ج2)
وأشار حسن، الذي يشغل منصب مدير مركز
القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إلى أن أحزاب جبهة الإنقاذ تتحمل جزءا من المسؤولية
السياسية والأخلاقية عن الدماء التي سالت عقب انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، مؤكدا أن
"المسؤولية القانونية والسياسية تقع على عاتق مَن كانوا في منصة صنع القرار
في الحكومة في ذلك الوقت ولم يعارضوه. وعلى رأس هؤلاء بالطبع المسؤولون الذين
اتهمهم الناشط محمد سلطان في دعواه القضائية بأمريكا".
وشدّد حسن على أن "التحدي الذي
تواجهه جماعة الإخوان الآن هو أن تجرؤ قيادتها على تدشين ميلاد جديد برؤية عصرية
تستلهم فيها روح وقيم الإسلام وليس نصه الحرفي،
وألا تكتفي بمراقبة تحللها كجسم تنظيمي وانطفاء وهجها كفكرة"، مضيفا:
"هذه مسؤولية القيادة، وبالدرجة الأولى تجاه أعضاء وأنصار الجماعة، سواء مَن
رحلوا عن الحياة، أو مَن يقضون سنوات طويلة في السجون، سواء كانوا في مصر أو في
المنافي".
وتاليا نص الحلقة الأولى من المقابلة الخاصة:
بعد مرور سبعة أعوام عليهما.. كيف ترى الآن أحداث 30 حزيران/ يونيو وما جرى في 3 تموز/ يوليو 2013؟
في واقع الأمر، لم تتغير نظرتي منذ 7
سنوات للحدثين. لقد اعتبرت 3 تموز/ يوليو انقلابا، وطالبت - في إطار بيان صدر عن
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومشاركة عدة منظمات حقوقية مصرية – في صباح 3
تموز/ يوليو 2013، أي قبل إعلان بيان الانقلاب رقم (1) في المساء، بأن يمتنع الجيش
عن أي دور سياسي، وعن التدخل ضد أي من الطرفين (جماعة الإخوان المسلمين
ومعارضيهم)، وأن تنحصر مسؤوليته إلى جانب الشرطة بمنع العنف إذا حدث، وحماية
التعبير السلمي لكل الأطراف.
وقبل 30 حزيران/ يونيو كتبت مقالا قمت فيه
بتقييم عام من حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، وقلت فيه إن التاريخ سيتذكره على
الأرجح باعتباره الرئيس الذي نجح في إقناع عموم المصريين أن الدين ليس حلا لمشاكل
السياسة.
هذا هو ما فشل فيه حسني مبارك على مدار 30
عاما، بل بالعكس، ازدادت شعبية الجماعة في عهده. ربما هذه الشعبية هي ما تفسر ما
قاله يوما الأديب نجيب محفوظ، الذي تعمق أكثر من غيره في فهم واستبطان الشخصية
المصرية وتجسيدها في أعماله الأدبية على مدار نحو نصف قرن. قال محفوظ إنه يشعر بأن
المصريين يريدون "تجربة" حكم الإخوان المسلمين. وخلاصة 30 حزيران/ يونيو
هي أن المصريين جربوا حكم جماعة الإخوان المسلمين، وقرروا الاكتفاء بذلك بعد سنة
واحدة.
بالطبع لم يكن لحكم الإخوان أن ينتهي لولا
تضافر عوامل أخرى. مثل الإعداد التآمري طويل المدى من جانب السيسي وقيادات عسكرية
وأمنية أخرى. كذلك التآمر السعودي الإماراتي ودعمهما المالي السري السخي للمتآمرين
المصريين. ربما كانت هناك تآمرات أخرى موازية تُحاك، ولكن القول بأن حدث 30
حزيران/ يونيو هو في جوهره محض مؤامرة، هو أشبه بالقول بأن 25 يناير كانت مؤامرة،
لأن المخابرات العسكرية كانت على صلة ببعض الأطراف قبل اندلاعها، فضلا عن أنها
انتهت بتولي العسكر الحكم بعد نحو أسبوعين.
من الضروري ملاحظة أن التآمر الخليجي
والمخابراتي المصري لم يكن ليكفل هذا النجاح السلس للانقلاب، والترحيب الشعبي به،
لولا أن عموم المصريين كانوا قد توصلوا بالفعل إلى أن هذا القدر من
"التجربة" من حكم الإسلاميين يكفيهم، ولا يريدون المزيد من إقحام الدين
في الحكم. هذا أيضا ربما يفسر عدم تجاوب المصريين مع أي دعوات لاحقة من جماعة
الإخوان المسلمين أو مدعومة منها بالتمرد على النظام الحالي، رغم تفاقم معاناة
المصريين المعيشية أضعافا مضاعفة عما كانت عليه منذ 7 سنوات، وافتضاح الفشل في
مكافحة الإرهاب وغيرها من التحديات الكبرى.
باختصار، أظن أن المصريين تيقنوا من خلال
ممارسة عملية أن الإسلام ليس حلا لمشاكلهم السياسية والاقتصادية، رغم أن المكانة
الروحية للإسلام لم تتراجع لديهم. وتخليهم عن الإخوان كحاكم هو موقف سياسي، ولا
علاقة له بموقفهم من الإسلام كدين.
ولكن من ناحية أخرى، أظن أن استمرار تمسك
قيادة جماعة الإخوان المسلمين بذات الرواية السطحية المجتزئة لما جرى في 30
حزيران/ يونيو ومقدماتها من أحداث، يؤدي إلى ترسيخ شعور لدى عموم المصريين بأن
الجماعة كفت عن أن تتفهمهم، وأن تدرك تطلعاتهم،
وأنها غير قادرة على تجاوز دوغمائيتها، والتعلم من
تحولات حركة النهضة الإسلامية في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب، ومن
إدراكهما للتطور الذي لحق بالقيم الاجتماعية والسياسية للشعوب في العالم العربي،
وإدراكهما لأهمية القيام بمراجعات فكرية وسياسية عميقة
تناسب ذلك التغير الهائل.
التحدي الذي تواجهه جماعة الإخوان
المسلمين الآن هو أن تجرؤ قيادتها على تدشين ميلاد جديد برؤية عصرية تستلهم فيها
روح وقيم الإسلام وليس نصه الحرفي، وألا تكتفي بمراقبة تحللها كجسم تنظيمي وانطفاء
وهجها كفكرة. هذه مسؤولية القيادة، وبالدرجة الأولي تجاه أعضاء وأنصار الجماعة،
سواء مَن رحلوا عن الحياة أو مَن يقضون سنوات طويلة في السجون، سواء كانوا في مصر
أو في المنافي. من حقهم على قيادة أكبر جماعة مُنظمة في مصر في النصف قرن الأخير
أن يفهموا أين كان الخلل؟، وهل كان ممكنا تداركه؟، وكيف ومتي؟، وهل مازال ممكنا
تداركه؟
برأيكم، هل كان يمكن تفادي الانقلاب على محمد مرسي أم أن الانقلاب كان قدرا مقدورا؟ وما الذي كان ينبغي على "مرسي" فعله تجاه الانقلاب؟
الانقلاب على محمد مرسي لم يكن حتميا، إلا
إذا افترضنا أن الخطوات الرئيسية لجماعة الإخوان منذ اجتماعها مع عمر سليمان قبل
تنحي مبارك بأيام كانت حتمية.
ومع ذلك أظن أنه كان هناك توافق داخل
المجلس العسكري أو خليته القيادية على عدم تمكين أي رئيس غير عسكري من مواصلة حكم
مصر، سواء كان ذلك الرئيس إسلاميا أو علمانيا. كما أظن أن المجلس العسكري كان يفضل
نجاح مرسي، وليس أحمد شفيق؛ فشفيق هو امتداد لاستراتيجية مبارك في تحجيم دور الجيش
في السياسة، والانقلاب على شفيق أصعب من مرسي، لأنه قد يشق المؤسسة العسكرية التي
اعتزمت أن تنفرد بالحكم.
بالتأكيد أن حفر مسار الانقلاب لم يبدأ في
اليوم التالي لـ 30 حزيران/ يونيو، أو لانتخاب محمد مرسي رئيسا. بل في ظني أن
الانقلاب الأهم حدث في 12 شباط/ فبرير 2011، باستلام – أو بالأحرى استيلاء -
المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الحكم منفردا. هذا كتبته من قبل في مقال قبل أن
يصير مرسي رئيسا.
والخطوات الرئيسية لجماعة الإخوان
المسلمين منذ ذلك التاريخ كانت تصب بشكل غير واعي لصالح ذلك القرار الإستراتيجي
للمجلس العسكري، الذي اتخذه المجلس أو خلية قيادية داخله على الأرجح في الفترة بين
25 كانون الثاني/ يناير و11 شباط/ فبراير، وربما قبل 25 كانون الثاني/ يناير.
وبعد انتخاب مرسي رئيسا، ألقت جماعة
الإخوان اتفاق فيرمونت مع الليبراليين في سلة المهملات، وراهنت الجماعة على
التحالف مع العسكر، وعلى أن إعطائهم كل التنازلات المطلوبة سيمنحهم الوقت المناسب
لتحصين سلطتهم في مواجهة الليبراليين وأيضا العسكر. لم يكن لدى الجماعة عقلا
استراتيجيا قادرا على قراءة خرائط علاقات القوى والأطراف السياسية المختلفة
والتحولات في القيم الاجتماعية والمزاج السياسي للمصريين، ولا حتى قدرة على قراءة
التاريخ. وخاصة درس كيف تلاعب جمال عبد الناصر بجماعة الإخوان المسلمين في السنوات
الأولى لانقلاب تموز/ يوليو 1952 حتى تخلص من خصومه الليبراليين، بحيل سياسية
مشابهة لتلك التي عاد العسكر لاستخراجها من أرشيف التاريخ بعد تنحية مبارك في
شباط/ فبراير 2011.
بعد مرور نحو 8 سنوات.. هل كان قرار الإخوان بخوض انتخابات الرئاسة خطأ فادحا؟ وهل تراه أخطر قرار منذ اندلاع ثورة يناير؟
قرار الإخوان بخوض الانتخابات الرئاسية هو
قرار تكتيكي في سياق توجه استراتيجي عريض جرى اعتماده علي الأرجح في شباط/ فبراير
أو آذار/ مارس 2011.يقضي ذلك التوجه بأنه من أجل نجاح المشروع الإسلامي الاستراتيجي
بعيد المدى للجماعة، فإن عليها أن تنسق مع الجيش وليس مع الأطراف العلمانية
الليبرالية واليسارية. ليس صدفة أن هذا تقريبا كان ذات توجه العسكر، من أجل تحقيق
هدف آخر مختلف، هو استعادة المكانة المركزية للجيش في حكم مصر، التي تعرضت للتهميش
منذ هزيمة حزيران/ يونيو 1967.
وأدعو القارئ لأن يعيد قراءة وتحليل
القرارات والتوجهات الرئيسية للطرفين منذ تشكيل المجلس العسكري للجنة التعديلات
الدستورية 2011 بمشاركة فقط جماعة الإخوان وإسلاميين آخرين دون تمثيل لليبراليين،
وصولا إلى دستور 2012 الذي كان أول دستور مصري يدستر حق العسكريين في محاكمة
المدنيين.
خلال ذلك جرت بالطبع احتكاكات سياسية
وقانونية ودستورية منطقية بين كل حليفين مؤقتين لهما أهداف استراتيجية مختلفة،
ولكن المواجهات الخشنة قضائيا وأمنيا وبالدم كانت تستهدف أطرافا أخرى. فخلال نحو
عامين اقتحمت قوات عسكرية لأول مرة مقار منظمات حقوقية وجرت تحقيقات قضائية
مُسيّسة مع الحقوقيين بمباركة إعلامية من الجماعة، وجرى اتهام إحدى أهم الجماعات الشبابية
في ثورة يناير (جماعة 6 أبريل) بالعمالة. وجرت مذابح للأقباط في ماسبيرو وسط تحريض
طائفي من إعلام الدولة ومذابح أخرى في شوارع وميادين وفي ستاد بورسعيد. وكان ضحية
هذه المذابح مواطنين غير محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، الذي لم يبدأ
استهداف أنصارها إلا بعد انقلاب 3 تموز/ يوليو بذات الوسائل وبقسوة أكبر، سرعان ما
امتدت قبل أن ينتهي عام 2013 إلى العلمانيين أيضا.
الناشط الأمريكي من أصل مصري، محمد سلطان، رفع دعوى أمام محكمة أمريكية ضد رئيس الوزراء المصري السابق حازم الببلاوي، يتهمه فيها - ومسؤولين آخرين- بـ"تعذيبه" إبان اعتقاله بمصر قبل سنوات.. فكيف ترى فرص نجاح هذه الدعوى القضائية؟
هذه الدعوى القضائية أعادت بعث الأمل لدى
عشرات الألوف من المصريين من ضحايا التعذيب والاختفاء القسري والقتل الفردي
والجماعي في مصر. لست خبيرا بالقانون والنظام القضائي الأمريكي، بحيث يمكنني توقع
النتائج. لكن للأسف، من المؤكد أن فرص الضحايا المصريين في التوصل للعدل والإنصاف
هي أفضل عشرات المرات أمام القضاء الدولي منه أمام القضاء المصري، باعتبار الأخير
هو أيضا ضحية لا حول لها ولا قوة.
كيف تنظر للدور الذي لعبته جبهة الإنقاذ والشخصيات المدنية التي كانت في الحكم في مرحلة ما بعد 3 تموز/ يوليو 2013؟ وهل يتحلمون جزءا من المسؤولية عن تلك الدماء برأيكم؟
من الصعب التعامل مع جبهة الإنقاذ ككيان محدد
الملامح التنظيمية والسياسية، فقد تشكلت على عجل في الأيام الأخيرة من حكم الجماعة
من شخصيات وأحزاب جمع بينها فقط رفض حكم الجماعة، وبسقوط حكمها انفضت الجبهة
عمليا. لكن بالطبع هذا لا ينفي المسؤولية السياسية والأخلاقية عن الأحزاب
والشخصيات الرئيسية المشكلة للجبهة. الأمر بالنسبة للأشخاص شائك، فهو يتطلب تمحيصا
دقيقا، ويتفاوت من شخصية لأخرى وفقا للدور الفعلي الذي لعبته كل شخصية، ومتى
استيقظ ضميرها. لكن المسؤولية القانونية والسياسية تقع على عاتق مَن كانوا في منصة
صنع القرار في الحكومة في ذلك الوقت ولم يعارضوه. على رأسهم بالطبع المسؤولين
الذين اتهمهم محمد سلطان في دعواه القضائية.