وصلت البرازيل مؤخرا إلى محطة مخيفة من انتشار فيروس كورونا المستجد، إذ تجاوزت بريطانيا من حيث عدد الوفيات المرتبطة بالفيروس، لتصبح بذلك في المرتبة الثانية مباشرة تحت الولايات المتحدة بأكثر من 42 ألف قتيل، وأكثر من 867 ألف حالة إصابة مؤكدة. فمعدلات الإصابة ما زالت تواصل الارتفاع، والحصيلة اليومية للوفيات في البلاد تُعد من بين الأكثر ارتفاعا في العالم، والسلطات الصحية لم تقترب بعد من تسطيح المنحنى. وفي إحدى الدراسات، توقع باحثون أن تشهد البلاد 100 ألف حالة وفاة قبل آب/ أغسطس المقبل.
وقال مايك
ريان، وهو أحد أبرز خبراء منظمة الصحة العالمية، في إحاطة إعلامية بجنيف مؤخرا،
أشار فيها إلى حدة الأزمة عبر أمريكا اللاتينية، «إننا حاليا في قمة هذا الوباء،
لاسيما في الجنوب». وأضاف قائلا: «بشكل عام، مازال النظام الصحي قادرا على
التعاطي مع الأزمة في البرازيل، وإن كان ذلك يظل غير واضح مع العدد المتزايد من
حالات الإصابة الشديدة».
بيد أن عمق
الكارثة التي حلّت بالبلد الأكبر في المنطقة من حيث عدد السكان لم تكن غير متوقعة؛
ذلك أن كلا من خبراء الصحة العامة والصحفيين وسياسيي المعارضة، كانوا قد حذّروا من
المخاطر التي يطرحها الفيروس في مدن البرازيل المكتظة بالسكان، التي تتميز
بالتفاوت الاجتماعي الكبير، والعشوائيات ذات الكثافة السكانية العالية، والوصول
غير المتساوي إلى الخدمات العامة.
وقالت آنيا
بروسا، الباحثة بـ«معهد البرازيل» التابع لـ«مركز وودرو ويلسون» في واشنطن، لأحد
المواقع الإخبارية الإلكترونية الشهر الماضي؛ «إن كل من كان يتابع البرازيل، وكان
يرى ارتفاع الأرقام يوما بعد يوم، وأسبوعا بعد آخر، كان يعرف أنها تسير في ذالك
الاتجاه»، مضيفة: «إنها ليست مفاجأة، لكنها مأساة إنسانية حقيقية!».
وفي
البرازيل أيضا، كما في الولايات المتحدة، سرعان ما اتخذ الوباء بعدا سياسيا؛ فالرئيس جائير بولسونارو لفت الانتباه بتشككه في كورونا، إذ قلّل من شأن التهديد
منذ البداية باعتباره مجرد برد خفيف، ودخل في خلاف مع حكام الولايات الذين فرضوا
إغلاقات قال إنها ستلحق ضررا غير ضروري بالاقتصاد البرازيلي. كما توقفت إدارته
لوقت قصير عن نشر البيانات المتعلقة بفيروس كورونا، قبل أن تذعن لاحقا لغضب
الجمهور وحكم المحكمة العليا باستئناف نشر الإحصائيات اليومية. وعلاوة على ذلك،
اختلف بولسونارو مع وزير الصحة في حكومته، وقام مؤخرا بتعيين ثالث مسؤول في هذا
المنصب، في غضون أشهر قليلة، وهو من الموالين له ولا يملك أي خبرة في المجال الطبي.
«هذه أسوأ أزمة صحة عامة نواجهها، وقد حلّت بنا في وقت تحكمنا فيه أسوأ حكومة في العالم»،
يقول دانييل دورادو، خبير الصحة العامة في جامعة ساو باولو، الذي قال لصحيفة «ذا
غارديان»؛ إن آلاف الأرواح كان بالإمكان إنقاذها لو كان ثمة رد أسرع وأقل ارتباكا.
وعلى غرار
الأوبئة السابقة، فإن سكان البرازيل الأكثر هشاشة هم الذين يعانون من الفيروس أكثر
من غيرهم. وفي هذا الصدد، كتبت مارينا لوبيز في صحيفة «واشنطن بوست» تقول؛ «إن
الفيروس ضرب فقراء البرازيل، وخاصة العشوائيات المعروفة باسم «فافيلاس» بشكل غير
متناسب، مضيفة أنه «في ساو باولو، احتمال موت الأشخاص الذين يعيشون في مناطق فقيرة
ويصابون بالفيروس أكبر عشر مرات مقارنة بالأشخاص في المناطق الغنية، وفق بيانات
أفرجت عنها وزارة الصحة في المدينة. كما أن احتمال موت سكان ساو باولو السود جراء
الفيروس أكبر بـ62٪ مقارنة مع السكان البيض».
ورغم أن
الفيروس متركز في المدن الكبيرة، إلا أنه يصيب أيضا المناطق النائية في البرازيل.
وفي هذا السياق، قال زميلاي من «واشنطن بوست»، تيرانس ماكوي وهيلويسا تراينو؛ «إن
المرض أخذ يصل إلى مناطق تبعد بساعات عن أقرب وحدة عناية مركزة»، مضيفين؛ «إن
زعماء السكان الأصليين يقولون إن قرابة 230 شخصا من السكان الأصليين ماتوا،
والكثير منهم في أكثر مناطق البرازيل عزلة، ويتوقعون ارتفاع العدد».
وفي هذه
الأثناء، على الإنترنت وفي الشوارع، ينخرط بولسونارو وأنصاره في معارك قانونية،
بما في ذلك قضايا تتعلق بأبنائه وحلفائه، إذ يشتكون من بعض الخصوم، من قضاة
«يساريين» مفترضين في المحكمة العليا إلى مشرّعين مشاكسين في الكونجرس، إلى إعلام
«عدو» يسعى لإضعاف رئاسته.
وقد يبدو
هذا شيئا مألوفا بالنسبة للقراء الأمريكيين، لكن الخطر في البرازيل ربما أكبر مما
هو عليه الحال في الولايات المتحدة تحت رئاسة دونالد ترامب؛ إذ يشير نشطاء وسياسيو
المعارضة إلى إمكانية أن يحاول بولسونارو القيام بـ«انقلاب على نفسه» حتى يعلن
حالة طوارئ من أجل تقويض سلطة المؤسسات المستقلة الرئيسية للبلاد.
وكتب بريان
وينتر من دورية «أميركاس كوارترلي»؛ «إن الحرب بين مؤسسات البرازيل على السلطة
والصدارة مستعرة منذ نحو ست سنوات»، منذ أن بدأت قضية كبيرة لمكافحة الفساد طالت
جزءا كبيرا من المؤسسة السياسية، مضيفا القول؛ «إن الاختلاف الرئيسي الآن هو أن
بولسونارو وحلفاءه يبدون أكثر استعدادا لتحدي القضاء إن اقتضى الأمر، معتقدين أن
الجيش سيدعمهم. هذا إضافة بالطبع إلى وباء لا يبدي أي مؤشرات على الإبطاء، فضلا عن
ركود اقتصادي من المحتمل أن يكون أسوأ من ذاك الذي وقع في عام 2015-2016. وعليه،
فإن مشاكل البرازيل يبدو أنها لا تزداد إلا سوءا».
(الاتحاد الإماراتية)