مقالات مختارة

مصر: بعد سبع سنوات من الانقلاب.. يسود القمع بينما ينهار الاقتصاد

1300x600

 بدد نظام السيسي تقريباً جميع المكاسب التي تحققت في مصر بعد انتفاضتها الديمقراطية


لربما توقع المصريون الذين تظاهروا دعماً لانقلاب عبد الفتاح السيسي في صائفة عام 2013، في أقل تقدير، أن تزداد الحرية السياسية وتتحسن الأوضاع الاقتصادية.

ولكن بات واضحاً بعد مرور سبعة أعوام أن المتظاهرين لم ينالوا ما كانوا يأملون فيه.

فمصر اليوم أكثر قمعاً وأسوأ حالاً من الناحية الاقتصادية مما كانت عليه في عهد محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في البلاد، والذي أطيح به بعد انقضاء عام واحد فقط من فترته الرئاسية الأولى.

لا تنجم الانقلابات العسكرية بتاتاً عن مستويات أكبر من الحرية والديمقراطية أو حقوق الإنسان، ومصر أكبر دليل على ذلك.

على الرغم من أن السنة الوحيدة التي حكم فيها مرسي لم تكن بالضرورة نموذجاً مثالياً للديمقراطية، إلا أنها كانت منفتحة، وحرة وتنافسية، وخاصة إذا ما قورنت بالمناخ السياسي الحالي.

لقد بدأ نظام السيسي عهده بتبديد جميع المكاسب تقريباً التي تحققت بعد انتفاضة مصر الديمقراطية في عام 2011، بما في ذلك تلك التي أنجزها مرسي أثناء الفترة القصيرة التي قضايا في الحكم.

سارع نظام ما بعد الانقلاب برئاسة السيسي مباشرة إلى إغلاق المؤسسات الإعلامية التابعة للمعارضة، واعتقل الزعماء السياسيين، وحظر الأحزاب السياسية الرئيسية، وارتكب عدة مجازر بحق المتظاهرين. ولربما كانت المذابح التي ارتكبت يوم الرابع عشر من أغسطس / آب 2013 في ميداني رابعة والنهضة في القاهرة أكبر مذبحة ترتكب في يوم واحد بحق المتظاهرين في التاريخ المعاصر للعالم.

كما أقدمت الحكومة التي تشكلت ما بعد الانقلاب على سن قوانين جائرة، ومن ذلك قانون التظاهر الذي يجرم المظاهرات المعارضة للحكومة، والذي ساعد الدولة على سجن عشرات الآلاف من الناس في مصر، التي يحتجز الآن في معتقلاتها ما يزيد عن ستين آلف سجين سياسي.

إذا ما أخذنا بالاعتبار قانون التظاهر وبشكل أشمل أجواء الرعب التي تكتنف مصر، لربما لم يكن مفاجئاً ألا يشارك المصريون في الاحتجاجات التي تنظم حول العالم تضامناً مع حركة "حياة السود تهم". فعلى الرغم من أنه يوجد، بلا أدنى شك، الكثير من المصريين الذين يعارضون توحش الشرطة والعنصرية التي تمارس ضد السود، إلا أن سجل حكومة السيسي في ممارسة العنف ضد المتظاهرين، إضافة إلى إطارها القانوني القهري، قضيا على أي إمكانية للتظاهر.

إسكات الصحفيين

كما نجح نظام السيسي في فرض سردية إعلامية واحدة مؤيدة للنظام، وتم إنجاز ذلك من خلال إغلاق المؤسسات الإعلامية المذكورة آنفاً ومن خلال حملة ترهيب شاملة استخدمت فيها القبضة العسكرية.

استخدم السيسي بشكل خاص قانون الصحافة وقانون العقوبات والدستور الجديد وقانون مكافحة الإرهاب الجديد لإسكات الصحفيين، حيث تشتمل هذه القوانين على مواد تسمح للحكومة بالرقابة على المطبوعات وتغريم الصحفيين وسجنهم، وبشكل خاص فيما يتعلق بالقضايا التي تمس "الأمن القومي" المصري، حتى غدت مصر اليوم أسوأ ثالث دولة في العالم من حيث معاملة الصحفيين واعتقالهم.

وفي عام 2019 أغلقت الحكومة عشرات الآلاف من مواقع الإنترنيت التي أسست لمعارضة التعديلات الدستورية التي اقترحتها الحكومة والتي سمحت للسيسي بأن يمدد فترة ولايته حتى عام 2030.

وفي وقت مبكر من هذا العام، أعلنت الحكومة فرض رقابة على التغطية الإخبارية لما تعتبره قضايا "حساسة"، بما في ذلك وباء فيروس كورونا، والصراع في ليبيا، وسد النهضة الإثيوبي العظيم والتمرد العسكري في سيناء.

ومؤخراً اعتقلت الحكومة الصحفي محمد منير بسبب تغطيته لأخبار أزمة كوفيد-19، كما اعتقلت أقارب للناشط الحقوقي البارز محمد سلطان الذي ينشر كتابات ينتقد فيها النظام المصري من حيث يقيم في الولايات المتحدة. وفي الأسبوع الماضي اعتقلت لفترة قصيرة نورا يونس، محررة موقع المنصة الإخباري بعد مداهمة الشرطة لمكاتب المؤسسة وتفتيش أجهزة الحاسوب فيها.

في تلك الأثناء استخدمت وسائل الإعلام المؤيدة للسيسي حادثة مقتل جورج فلويد في الخامس والعشرين من مايو / أيار في مينابوليس لكي تصرف الأنظار بعيداً عن التوحش الذي تمارسه الشرطة المصرية ولتبرير سجلها الحافل بالعنف، واعتبر صحفيو القنوات المؤيدة للحكومة أنه إذا كان عنف الشرطة أمراً لا فكاك منه في الولايات المتحدة التي تدعي أنها تطبق المعايير الديمقراطية في الحكم وتلتزم بسيادة القانون، فمن باب أولى أن يتوقع حدوث مثل ذلك في مصر.

التراجع الاقتصادي

في نفس الوقت، لم تفلح مشاريع السيسي الاقتصادية الكبرى، بما في ذلك مدينة العاصمة الجديدة والتوسعة الكبرى لقناة السويس.

وكان السيسي قد استشرف أن تفضي توسعة القناة في أغسطس / آب من عام 2014 إلى زيادة واردات القناة إلى أكثر من الضعف، من 5.5 مليار دولار في 2014 إلى 13.5 مليار دولار بحلول عام 2023. ولكن الذي حصل بدلاً من ذلك هو أن الواردات إما تراجعت أو زادت بنسبة طفيفة جداً في كل سنة من السنوات التي تلت التوسعة، حتى أن الواردات في سنة 2018 / 2019 بلغت 5.8 مليار دولار، أي أدنى بكثير مما كان منتظراً.

وتراجعت قيمة الجنيه المصري من 7.1 للدولار في يونيو / حزيران من عام 2013 إلى 16.1 للدولار الواحد في وقتنا هذا. وتمثل برنامج مصر الاقتصادي الرئيس في عهد السيسي في اقتراض عشرات المليارات من الدولارات من صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي ومن الصين ومن دول الخليج إضافة إلى جهات أخرى.

وتضاعف دين مصر القومي ثلاثة أضعاف تقريباً منذ عام 2014 من 112 مليار دولار إلى 321 مليار دولار. وهذا الأسبوع، حصلت مصر على قرض إضافي بقيمة 5.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، حتى بات ما يقرب من 40 بالمائة من ميزانية مصر السنوية يخصص لسداد الفوائد على القروض.

تمكنت الحكومة من خلال تلك القروض من تحسين الاحتياطي الأجنبي وغير ذلك من المؤشرات الاقتصادية الكلية، أما على المستوى الاقتصادي الجزئي فتدل المؤشرات على أن مصر في حالة صعبة.

منذ أن جاء السيسي إلى السلطة وأسعار السلع الأساسية في ارتفاع مستمر، وخاصة منذ إطلاق برنامج قرض صندوق النقد الدولي في أواخر عام 2016، حيث اشترط صندوق النقد الدولي على الحكومة تقليص الدعم على السلع الضرورية.

بالمجمل، ارتفع معدل الفقر في البلاد من 26 بالمائة في 2013 إلى 33 بالمائة في 2018. وطبقاً لتقرير للبنك الدولي نشره في 2019 فإن ستين بالمائة من المصريين إما أنهم فقراء أو عرضة للإفقار.

كما تلقى السيسي المليارات من الدولارات على شكل منح من الإمارات العربية المتحدة ومن المملكة العربية السعودية. كانت تكلفة هذه المنح مرتفعة جداً إذ أنها رهنت مصر لهذين البلدين.

ففي عام 2016، سلمت مصر جزيرتين مصريتين إلى المملكة العربية السعودية، وتستمر مصر في انتهاج سياسة خارجية تتوافق مع رغبات السعوديين والإماراتيين.

وفعلاً، فقد هدد السيسي في وقت مبكر من هذا الشهر باللجوء إلى العمل العسكري ضد الحكومة المعترف بها دولياً في ليبيا. ولم يكن مستغرباً أن تكون تلك التصريحات محل ترحيب من قبل كل من الإمارات العربية والمتحدة والمملكة العربية السعودية، اللذين تمكنا بفضل ما أنفقاه على مصر من أموال من تحويلها إلى حليف تابع لهما.

ليس مستبعداً أن يكون تهديد السيسي قد صدر وفي البال منه عدة مقاصد. فهو أولاً يرغب في إرضاء المشرفين عليه في أبوظبي والرياض، ويرغب ثانياً في صرف الأنظار عن سوء إدارة حكومته لملف وباء فيروس كورونا ولملف سد النهضة الإثيوبي العظيم.

ماذا يخبئ المستقبل يا ترى؟

لقد كان صعباً في عام 2013 فهم مزاعم غلاة الناقدين الليبراليين لحكم الرئيس مرسي، وهي مزاعم غاية في السخف، ومفادها أن مصر كانت تشهد تشكل نظام دكتاتوري أكثر قمعاً من ذلك الذي كان يرأسه حسني مبارك، الدكتاتور الذي حكم البلاد من 1981 إلى 2011. أما اليوم فيستحيل فهم ذلك.

ما من شك في أن فترة حكم مرسي تبدو الآن كما لو كانت فرصة ضائعة. من الواضح أن مرسي لم يكن زعيماً مثالياً، إلا أن النظام السياسي الذي تشكل ما بعد انتفاضة عام 2011 وكذلك دستور عام 2012 كانا سيسمحان بالتنافس السياسي، وكانا سيمهدان السبيل على المدى البعيد لإنهاء سطوة الدولة العميقة في مصر.

لربما كان من الأفضل لمنتقدي مرسي، الذي قتل في العام الماضي بينما كان لايزال سجيناً، أن يلجأوا إلى نزع الثقة عنه من خلال الآلية التي يتيحها دستور عام 2012، أو كان بإمكانهم على الأقل التصويت على إنهاء رئاسته.

لربما تكون الأسابيع والشهور والسنوات القادمة تحت حكم السيسي أصعب على المصريين مما كانت عليه السنوات السبع السابقة. لقد أثبتت أن البلاد عدم جاهزيتها للتعامل مع أزمة فيروس كورونا ولا مع تداعيات مشروع سد النهضة الإثيوبي العظيم، والتي ستكون مدمرة بالنسبة لمصر التي تعتمد اعتماداً أساسياً على النيل كمورد للمياه.

من المفارقات أن رجاء مصر الوحيد يكمن في انطلاق انتفاضة جديدة. ولعل ما يرجوه كثير من المصريين هو أن تقود حركة الاحتجاج الشعبية القادمة إلى مزيد من الديمقراطية وليس إلى المزيد من الدكتاتورية.

ميدل إيست آي