الصراع
اليوناني التركي معقد، ويرجع تاريخيا إلى الحقبة التي خضعت فيها اليونان وكل دول البلقان للدولة العثمانية، فكان الصراع دينيا وقوميا أساسا. ثم أشعلت الدول الأوروبية الثورة اليونانية ضد الهيمنة العثمانية عام 1821، وأرسل السلطان العثماني الجيش والأسطول
المصري لقمع الثورة، ولكن تحالف الدول الأوروبية الكبرى تمكن من القضاء على الأسطول في معركة نفارينو البحرية عام 1827، فعاد الجيش المصري إلى مصر لكي يستأنف الحرب ضد السلطان في الشام حتى وصل إلى الأستانة.
وخلال الحرب العالمية الأولى دخلت الدولة العثمانية الحرب إلى جانب دول الوسط ضد دول المحور، فدخلت بريطانيا واليونان إلى عمق الأراضي التركية حتى تمكن الجنرال التركي أتاتورك من تحرير
تركيا منهم. ولكن ظل الخلاف اليوناني التركي حتى بعد تسويات الحرب العالمية الأولى، خاصة وأن الحدود البحرية والجزر ظلت ملتبسة ومثارا للمنازعات، وكان أحدثها في السبعينيات، وهو الخلاف حول جزر بحر إيجه الذي عرض على محكمة العدل الدولية عام 1978، حيث طلبت اليونان إصدار أمر تحفظي ضد تركيا حتى توقف البحث الزلزالي عن البترول في هذه المنطقة وحتى يتم ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
وظلت المنافسات التركية اليونانية رغم أنهما عضوان في الناتو وتحصلان على المعونة الأمريكية التي قسمت بنسبة سبعة لتركيا وثلاثة لليونان. ولكن الجالية اليونانية الكبيرة في الولايات المتحدة كانت ورقة يونانية رابحة مع الولايات المتحدة، ثم أضيفت لسجل الصراع المشكلة القبرصية، حيث قامت القوات التركية باحتلال الجزء الشمالي من جزيرة قبرص التي تسكنها أقلية تركية مسلمة نسبتها 20 في ال من سكان قبرص. وحاولت تركيا تجزئة الجزيرة ضد السياسات الدولية الداعية إلى وحدتها، فأعلنت عام 1983 إقامة دولة قبرص الإسلامية، ولكن مجلس الأمن أدان هذا العمل ولم يعترف بها إلا باكستان. ولا تزال المشكلة تمثل ندبا خطرا في علاقات البلدين حتى الآن.
ثم ظهرت مشكلة بشأن البترول والغاز في البحر المتوسط بعد ترسيم الحدود المصرية مع اليونان وقبرص، ولكن تركيا احتجت على اتفاقيات الترسيم لأنها لم تكن طرفا فيها. وترافق ذلك مع توتر العلاقات المصرية التركية بسبب تغيير نظام الحكم في مصر عام 2013، وبعد ذلك أقدمت تركيا على اختراق جديد بإبرام مذكرة تفاهم سياسية وعسكرية مع حكومة الوفاق في طرابلس لدعمها ضد اللواء حفتر الذي تسانده مصر، واحتجت مصر على الاتفاق واعتبرته ماسا بأمنها القومي باعتبار الجوار الليبي المباشر مع مصر، خاصة وأن تركيا دعمت قطر بينما مصر انضمت إلى السعودية والإمارات والبحرين لمقاطعة قطر، فأصبح التوتر المصري التركي يتخذ صورا متعددة في الإقليم.
طورت مصر تعاونها العسكري مع اليونان وقبرص وأجرت مناورات عسكرية معهما نكاية في تركيا، فصار البحر المتوسط بحيرة صراع بين تركيا من ناحية ومصر واليونان وقبرص من ناحية أخرى، وقبل ذلك التوتر التركي الإسرائيلي لإحباط السياسات التركية في فلسطين، في حادث سفينة مرمرة التي حاولت كسر الحصار الإسرائيلي على غزة في نهاية أيار/ مايو 2010.
ومن الواضح أن إسرائيل لها علاقات قوية مع مصر وقبرص واليونان، لكنها لا تعتبر نفسها طرفا في المعسكر المعادي لتركيا، ولما كان الصراع التركي مع اليونان وقبرص مفتوحا لكن تضبطه واشنطن والناتو ولا ينزلق إلى حروب ساخنة، فإن دخول مصر في هذه الدائرة يتسم بالخطر ويستجيب لنزعة الانتقام من تركيا بسبب معارضة تركيا للنظام الجديد في مصر لأسباب عديدة.
ونأمل أن يتم رأب الصدع في العلاقات المصرية التركية حتى توفر مصر على نفسها تبعات الدخول في محور خطر ممتد تاريخيا منذ العصور الوسطى، وتكتنفه تعقيدات جمة، خاصة وأن أطراف الحلف الأخرى محكومة بحسابات واشنطن والناتو وعلاقة تركيا المتينة بهما وحرص تركيا على هذه العلاقة.