تمتد قائمة الإجراءات العقابية في قانون قيصر الأميركي الخاص بسوريا، لتشمل أشخاصاً ومؤسسات ودولاً. أولى حلقاتها تتعلق بنظام الأسد؛ حيث تشمل العقوبات في خطين متوازيين الأشخاص والمؤسسات، ويبدأ خط شخصيات النظام من رأس النظام بشار الأسد، شاملاً عائلته، والأبرز فيها زوجته أسماء الأخرس، وأخوه ماهر، وبقية الفاعلين من العائلة وأقاربها، ويلي هؤلاء قائمة أسماء كبار المسؤولين في حكومة النظام، والأجهزة السياسية - الإدارية، وكبار ضباط المؤسستين العسكرية والأمنية، وتأتي بعدهم المجموعة الثالثة من «رجال الأعمال»، وأغلبهم مجرد ممثلين أو مندوبين غير معلنين لأصحاب القرار، يديرون عمليات نهب وسرقة المال العام والاتجار باحتياجات الشعب الأساسية من غذاء ودواء لصالح رأس النظام والمقربين منه. وستصيب الإجراءات العقابية كل الذين شاركوا في عمليات القمع الوحشي، وارتكاب الجرائم ضد السوريين، أو قدموا دعماً ومساندة لهذه العمليات، أو للأدوات التي قامت بها من وحدات عسكرية وأمنية أو ميليشيات مسلحة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
ويتضمن خط المؤسسات السورية، التي يفترض أن تشملها عقوبات قيصر، وزارات في الحكومة، وخاصة وزارتي الدفاع والداخلية، إضافة إلى وحدات الجيش وأجهزة المخابرات، التي تقوم بالدور الأكبر في ارتكاب الجرائم، كما تشمل وزارات تدعم مؤسساتها وهياكلها الإدارية، وتساعد في تنفيذ الجرائم، وتبريرها، على نحو ما تفعل وزارتا الخارجية والإعلام، من دون أن تغفل الأعين عن بقية الوزارات، التي تحوّل بعض هياكلها ومؤسساتها للمساعدة في العمليات الإجرامية، ومنها وزارة الكهرباء، التي تقوم بقطع الكهرباء عن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
إن مؤسسات النظام ليست الوحيدة التي ستدرج في قوائم عقوبات قيصر، إنما ستكون إلى جانبها مؤسسات وشركات خاصة، تعمل في مجالات متعددة، يملكها أشخاص أو شركاء من أركان النظام أو مقربون ووكلاء لهم، كما في مثال الشركات التي يملكها رامي مخلوف أو سامر الفوز، وقد ساهمت تلك المؤسسات في جرائم النظام، ومثالها الفج جمعية البستان التي أعلنها رامي مخلوف عام 2011. وقد موّلت ميليشيات، قاتلت مع قوات الأسد، وقدمت مساعدات مالية وعينية للنظام في عملياته الإجرامية، وهذا حال كثير من الشركات.
وتتقارب العقوبات التي ستصيب النظام بشخصياته ومؤسساته، مع عقوبات ستصيب دولاً ومؤسسات وشركات وأفراداً في أنحاء مختلفة من العالم، نتيجة تعاونهم ودعمهم سياسات وإجرام النظام، وتقديم التسهيلات التي أدت إلى ارتكاب تلك الجرائم واستمرارها، ولعل الأهم في قائمة هذه الدول إيران، التي لم تترك حيزاً لدعم ومساندة النظام وجرائمه إلا استغلته، فدعمت بالمال والسلاح والقدرات البشرية النظام وعملياته، بل إنها دفعت قوى مسلحة وميليشيات للمساهمة بشكل رئيس في ارتكاب مجازر وعمليات تهجير وتغيير ديمغرافي على امتداد خط الوسط السوري، من دمشق إلى حلب من جهة، ومن الوسط إلى خط الحدود العراقية شرق دير الزور. وقامت روسيا بدور يقارب أو يزيد قليلاً عن دور إيران، فقد لعبت بشكل رئيس إلى جانب الصين دور المدافع عن سياسات الأسد وجرائمه، بما فيها مجازر حربه الكيميائية، ومنعت مجلس الأمن الدولي من اتخاذ قرارات بمعاقبته، إضافة إلى ما قدمته من أسلحة وذخائر ومساعدات، فقد انخرطت قواتها، ولا سيما قواتها الجوية والصاروخية، في الحرب على السوريين منذ عام 2015، فارتكبت مجازر كثيرة وعمليات تهجير ضد المدنيين، وخاصة في الشمال السوري، وما تزال، ما يجعلها في قائمة عقوبات قيصر.
ومما لا شك فيه أن دولاً أخرى ستكون على قائمة العقوبات، بسبب دعمها ومساندتها نظام الأسد، بينها دول عربية، مثل لبنان والعراق، إذ سمحت سلطات البلدين بذهاب ميليشيات منها إلى سوريا للقتال إلى جانب نظام الأسد، خاصة «حزب الله» اللبناني، وبعض فصائل «الحشد الشعبي» العراقي، وتسهيل مرور متطرفي «داعش» وأسلحة وأموال إلى سوريا، والتساهل في هروب مئات المتطرفين من السجون، وتوجههم إلى الشمال والشرق السوري، وقد ارتكب «داعش» جرائم ومجازر ضد السوريين، تقارب ما ارتكبته الميليشيات العراقية واللبنانية، التي يفترض أن تشملها عقوبات قيصر.
ومن البديهي أن مؤسسات وشركات وشخصيات عربية وأجنبية، ستشملها العقوبات بفعل علاقاتها مع نظام الأسد، وما قدّمته من خدمات، وما لعبته من دور في مسار العنف والمجازر في السنوات الماضية، وبينها هجمات النظام الكيميائية على تجمعات مدنية، وقد تجاوز عددها 25 موقعاً، بينها مدن وقرى غوطة دمشق، ومدينة خان شيخون في محافظة إدلب، وخان طومان جنوب حلب، وقد أوردت تقارير صحافية أسماء مؤسسات مصرية وألمانية وكورية، قدمت ذخائر كيميائية لجيش الأسد، استخدمها في تلك الهجمات، وبيّنت التقارير الصحافية أسماء شركات أوروبية، منها شركات بريطانية، ومؤسسات تركية، قدّمت خدمات لوجستية ساعدت النظام على المضي في جرائمه وارتكاب مزيد منها.
إن التدقيق في أثر الأطراف الداخلية والخارجية على مسار العنف والجرائم التي عاشتها سوريا، وما تزال، يكرس 3 حقائق، تستحق الوقوف عندها. أولى هذه الحقائق أن نظام الأسد، وبطبيعته العسكرية - الأمنية، بدأ مسار العنف ضد السوريين، فمارس كل أشكاله، من الاعتقال إلى القتل والجرح والملاحقة، ثم توّجها بالمجازر، التي كان من أبرزها مجزرة الجامع العمري وأهل القرى بدرعا في مارس (آذار) 2011، ومجزرة الساعة بحمص في أبريل (نيسان) 2011، ومجزرة حماة في يوليو (تموز) 2011، لكن في ظل تطورات الصراع الداخلي عقب انشقاقات في الجيش والأجهزة الأمنية، وامتداد الثورة في أغلب المناطق السورية، والاستنكار العربي والدولي، صار عاجزاً عن الاستمرار في حلّه العسكري - الأمني، دون تدخل خارجي مباشر.
والحقيقة الثانية أن التطورات الداخلية توافقت مع رغبات خارجية للتدخل إلى جانب النظام، وكانت إيران و«حزب الله» اللبناني في مقدمة الأطراف الخارجية، بحكم علاقاتهم العميقة، وهذا ما أكدته نصيحة قدّمها زعيم «حزب الله» للأسد، طالبه فيها باستمرار الحل العسكري - الأمني وتصعيده، قبل أن يدفع ميليشياته، ويبدأ أولى مشاركاته العلنية بالقتال، إلى جانب قوات النظام بريف القصير في فبراير (شباط) 2012. وتدخل الإيرانيون على نطاق واسع اعتباراً من فبراير 2012 فدفعوا ميليشيات من العراق وأفغانستان وباكستان مرتبطة بهم، ووحدات إيرانية للمشاركة في الحرب للقتال في محيط دمشق، وقدّموا أسلحة وذخائر، إضافة إلى 8 مليارات دولار للنظام لمواجهة تصاعد الصراع السوري، وطوّر الروس تأييدهم للنظام، وتقديم السلاح والذخائر له، قبل أن يُتوجوا موقفهم بالتدخل العسكري المباشر في سبتمبر (أيلول) 2015.
ويقودنا ما سبق إلى الحقيقة الثالثة والأخيرة، وهي أن دور النظام في الصراع صار هامشياً، وأن المقرر والفاعل الرئيس في سوريا هم الأطراف الخارجية، ممثلين بالروس والإيرانيين وميليشياتهم، ما يعني أن أي تغيير في السياسات وفي الميدان ينبغي أن يبدأ من الأطراف الخارجية المتدخلة، أو أن يتم التركيز عليها أساساً، من دون إهمال النظام الذي يعطي مشروعية لهذه التدخلات، وما تقوم به من جرائم وحدها، أو بالتشارك معه، إضافة إلى دورها في مساندة النظام ودعمه للاستمرار بسياساته وممارساته.
إن التغيير يبدأ من القوى الأساسية والفاعلة، وهذا كان في صلب نصّ ومعنى قانون قيصر الذي لم يهمل أو يتجاوز تأثير القوى الخارجية في الواقع السوري، وفي تغييره أيضاً.
(الشرق الأوسط اللندنية)