مرت 20 عاما على وفاة الرئيس السابق، حافظ الأسد، واستلام نجله بشار مكانه، تحولت فيها سوريا إلى بيئة تسودها الحرب الأهلية منذ تسع سنوات، وتنهكها العقوبات الاقتصادية.
وتسلّم الأسد الابن "55 عاما"، طبيب العيون الذي تخصّص في بريطانيا، مقاليد السلطة بعد شهر من وفاة والده في 10 حزيران/ يونيو 2000. وتمّ ذلك بعد تعديل دستوري خفّض سن الترشّح من أربعين إلى 34 عاما.
وتكشفت صورة بشار الأسد تدريجيا، بعد احتجاجات شعبية ضده في منتصف آذار/ مارس 2011 قمعتها قوات الأمن بالقوة، وما لبثت أن تحولت نزاعا داميا تعددت أطرافه.
ونقلت وكالة فرنس برس، عن الباحث في مركز السياسة العالمية فيصل عيتاني، أنه حين تبوأ الابن السلطة "ساد الكثير من القلق، فسوريا لم تكن قد شهدت قط انتقالا سلميا للسلطة منذ عقود، لكن ذلك سرعان ما تبدّد مع تسلّمه الحكم، وعكسه هالة الحداثة والشباب والانفتاح".
وشهدت سوريا بين أيلول/ سبتمبر 2000 وشباط/ فبراير 2001 فترة انفتاح، وسمحت السلطات نسبيا بحرية التعبير. ودعا نحو مئة من المثقّفين والفنانين السلطات إلى "العفو" عن سجناء سياسيين، وإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ 1963.
اقرأ أيضا: مظاهرات السويداء.. هل تواجه بالعقلية الأمنية لنظام الأسد؟
لكن توقيف عشرة معارضين صيف العام 2001 وضع حدا لـ"ربيع دمشق" قصير الأمد، الذي جاء بعد أربعين سنة من حكم الأسد الأب بيد من حديد.
وارتبط اسم الرئيس الراحل بالقمع الدموي لانتفاضة الإخوان المسلمين في مدينة حماة عام 1982، ما تسبب بمقتل عدد تتراوح التقديرات بشأنه بين عشرة آلاف وأربعين ألفا.
ويوضح الخبير في الشأن السوري في جامعة جورجتاون، دانيال نيب، أنه "في بلد لم يشهد انفتاحا سياسيا أو اقتصاديا هاما، بدا كأن وصول بشار إلى الرئاسة يعد بإصلاح طال انتظاره".
وأضاف: "اختلف بشار تماما عن الشخصيات الأخرى في النظام، فقد كان شابا، وتلقى تعليمه في الخارج".
لم يدم التفاؤل طويلا، و"سرعان ما ماتت فكرة بشار الليبرالي"، وفق عيتاني، بينما "كانت خيبة الأمل الكبيرة على المستوى الاقتصادي"، بعدما "تبيّن أنّ اقتصاد السوق الاجتماعي الذي مارسه هو عبارة عن صيغة للفساد الجشع وسط الدائرة القريبة منه".
اقرأ أيضا: هل يمهد قانون "قيصر" الأمريكي لإسقاط النظام السوري؟
وتسبّب ذلك "بتعميق التفاوت الاقتصادي، ووقع كثيرون من الطبقة المتوسطة وسكان المناطق الريفية في فقر مدقع".
وباءت محاولات الأسد الذي استقبله الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عام 2008، وشكلت زوجته أسماء محط أنظار الإعلام الغربي الذي أسهب في وصف أناقتها وثقافتها، لجعل سوريا أكثر قربا من الغرب، بالفشل.
بعد قمعه للتظاهرات السلمية التي تحولت نزاعا داميا تسبّب بمقتل أكثر من 380 ألف شخص منذ العام 2011، وأدى إلى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل سوريا وخارجها، طالبت دول غربية وعربية برحيل الأسد عن السلطة، ودعمت معارضيه.
وتلاحق نظام الأسد عقوبات قاسية أنهكت اقتصاده، وسيدخل آخرها ويُعرف باسم قانون قيصر حيز التنفيذ الأسبوع المقبل. وقد أقره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويعيش اليوم الجزء الأكبر من السوريين تحت خط الفقر، وتشهد الليرة السورية انهيارا غير مسبوق ومتواصلا أمام الدولار، يؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للسوريين الذين خرج العشرات منهم في مدينة السويداء (جنوبا) في اليومين الأخيرين إلى الشارع؛ تعبيرا عن غضبهم، مطلقين شعارات مناوئة للأسد.
في موازاة ذلك، لا تزال مناطق عدة في شمال شرق سوريا، وشمال غربها، خارجة عن سيطرة القوات الحكومية.
وبعد أكثر من تسع سنوات من الحرب، تمكّن الأسد من الاحتفاظ بالسلطة، وتسيطر قواته على أكثر من 70 بالمئة من مساحة البلاد، بفضل دعم رئيسي من حليفين أساسيين، هما إيران وروسيا. إلا أنّ بلاده تحوّلت ساحة للتنافس بين قوى دولية.
ويعتبر عيتاني أنّ الأسد الأب "أبقى دائما على سوريا مستقلة عن التدخل الأجنبي"، فيما "أصبح بشار مدينا للنفوذ الخارجي من أجل الحفاظ على نظامه سليما".
وفيما يُتوقّع أن تغرق سوريا في مزيد من الفقر في المرحلة المقبلة، كشف الصراع الأخير بين رجل الأعمال البارز رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري، والسلطات التي تطالبه بتسديد مبالغ مالية وحجزت على أمواله، تصدّعا جديدا في دائرة الأسد الاقتصادية.
اقرأ أيضا: مظاهرات حاشدة في السويداء ضد نظام الأسد (شاهد)
بدورها، قالت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، إن المصائب تتراكم على الأسد ونظامه، مع استمرار العقوبات الدولية ضده.
وأضافت الصحيفة الفرنسية أن الأسد يواجه اليوم، بعد تسع سنوات من الحرب المدمرة على بلاده، تمزقا غير مسبوق داخل حاشيته التي تتحكم في شؤون الدولة السرية منذ عام 1970.
ولفتت إلى أن ما يحصل حاليا مع ابن خاله رامي مخلوف، قرش عالم الأعمال في سوريا منذ 20 سنة، أكد للسوريين حجم الفساد وتحويل موارد البلاد من قبل هذه الحاشية الحاكمة، كما أنه يقسم العائلة، خاصة الطائفة العلوية، التي ضحت بعشرات الآلاف من أبنائها في القتال من أجل بقاء النظام.
وأشارت إلى أنه بعد تسع سنوات من الحرب، لم يستطع الأسد السيطرة على كامل الأراضي السورية، بعد أن فشل في إحكامها على منطقتين رئيسيتين، في الشمال الشرقي، الذي تديره إدارة كردية، ونصف محافظة إدلب بشمال غرب البلاد، التي ما تزال خارج سيطرته.
ونوهت إلى أن قصف الطيران الحربي الروسي والسوري بإدلب أدى لكارثة إنسانية، حيث فر نحو مليون مدني إلى الحدود مع تركيا.
وأشارت إلى أن الاحتجاجات العامة عادت من جديد، ففي مدينة إدلب، تجمع الآلاف رافعين شعارات معادية لنظام بشار الأسد.
وأضافت أن هذه الاحتجاجات تمت أيضا في مناطق سيطرة النظام، كما هول الحال في السويداء وفي درعا.
مظاهرات السويداء.. هل تواجه بالعقلية الأمنية لنظام الأسد؟
هل يمهد قانون "قيصر" الأمريكي لإسقاط النظام السوري؟
عضوان بفريق "قيصر" الأمريكي يكشفان تفاصيله لـ"عربي21"