انتاب وئام حالة من القلق على شقيقه أحمد، بسبب تأخره عن العودة للمنزل عقب صلاة الجمعة؛ فهو عادة يمضي وقتا في الحديث مع أصدقائه في قريته، ولا يتأخر كثيراً.
ولم يكن يعلم أحمد التميمي (٢٢ عاما) يومها والذي يعاني من متلازمة داون أنه سيكون هدفا جديدا لرصاصات الاحتلال؛ فبعد انتهاء صلاة الجمعة سمع صوت مواجهات مع الجنود في قرية النبي صالح غرب رام الله سببها إعدام الاحتلال لشاب كان يقود مركبته قرب مدخل القرية، فانتفض الأهالي ورشقوا الجنود بالحجارة.
وكما اعتاد أحمد، ظل يشاهد المواجهات حتى أصبح الجنود على بعد أمتار قليلة منه تمكّنهم من معرفة وضعه وطبيعته؛ ولكنهم رغم ذلك أطلقوا النار على ساقه من تلك المسافة القريبة وأصابوه بالرصاص الحي.
ويقول شقيقه وئام لـ"عربي٢١" إن أحمد سقط أرضا ولم يدر أحد ما به في البداية؛ وهو كان يصرخ ويبكي من الألم إلى أن بدأت ساقه تنزف ونقل فورا إلى المستشفى.
ويوضح بأنه مكث في المستشفى ثلاثة أيام لأن الرصاصة أدت إلى تفتت العظم نتيجة الرصاص المتفجر الذي اخترق ساقه، وأنه طيلة هذه الفترة كان يبكي بشدة ويريد العودة إلى المنزل.
اقرأ أيضا: "فلويد الفلسطيني".. حملة دولية للتعريف بجرائم الاحتلال
ويبين وئام بأن الأطباء "أوصوا بضرورة عدم تحريك ساقه أو السير عليها وهو ما لم يستوعبه أحمد؛ فطبيعة الأشخاص من متلازمة داون يحبون الخروج من المنزل كثيرا والتحدث مع الناس ويكرهون البقاء حبيسي بيوتهم".
ويضيف: "عانينا كثيرا خلال هذه الفترة؛ فمن جهة يحب أحمد الخروج من المنزل كثيرا ومن جهة أخرى لا يجب أن يتحرك، وكذلك نحن قلقون على حالته النفسية فليس من السهل الشرح له حول ما حدث له وكيف استهدفه الجنود بشكل متعمد".
ويقضي أحمد معظم أوقاته باكياً جراء الألم الذي يشعر به؛ فساقه الجريحة تحتاج أكثر من شهرين كي تعود إلى وضعها السابق، ولكن هذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الجنود أحمد.
ويقول وئام إن أحمد تعرض للضرب عدة مرات خلال اقتحام القرية سابقا وعانى من رضوض وجروح؛ كما تعرض للإصابة بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، ولكن هذه المرة كانت الأقسى.
ويتابع:" تغيرت حياتنا كثيرا بعد إصابته فنضطر للبقاء معه جميعا كي لا يستمر في البكاء؛ ونستغرب استهدافه من قبل جنود الاحتلال رغم أنهم كانوا قريبين منه وعرفوا أنه يعاني من متلازمة داون، ولكن الاحتلال لا يفرق بين الفلسطينيين".
الحلاق شاهدا
وتعالت الأصوات المطالبة بحماية ذوي الاحتياجات الخاصة خلال الفترة الأخيرة التي شهدت استهدافا واضحا لهم؛ فبعد يوم واحد من إصابة أحمد قتل الجنود الشاب إياد الحلاق في القدس المحتلة والذي يعاني من التوحد.
ويقول أحد أقرباء الحلاق لـ"عربي٢١" إن العائلة ما زالت لا تستوعب هذه الجريمة التي نفذها الجنود والتي تترجم حقدا دفينا ضد الفلسطينيين.
ويبين بأن معطيات ما حدث مع إياد وتفصيلات شهود العيان تظهر جريمة إعدام مكتملة الأركان، حيث كان يسير في طريق باب الأسباط حين اشتبه الجنود بحمله سلاحا فبدأوا بإطلاق النار عليه بحجة أنه شكل خطرا عليهم.
ولكن شهادة إحدى المدربات التي كانت برفقة إياد دحضت مزاعم الاحتلال؛ فهي كانت تصرخ بأعلى صوتها وتقول لهم إنه معها وإنه من ذوي الاحتياجات الخاصة ولكنهم لم يكترثوا وواصلوا إطلاق النار حتى بقي بلا حراك.
ولكن الأقسى من ذلك، أن الجنود تركوا إياد ينزف دون السماح بنقله في الإسعاف؛ وهو أسلوب يتبعه الاحتلال عادة بعد إطلاق النار على الفلسطينيين من أجل تقليل فرص نجاتهم.
وفي هذا الإطار يؤكد محامي العائلة جاد قضماني بأن "شكوى رسمية قدمت ضد مطلقي النار على الشاب الحلاق، ويجري الآن متابعتها معربا عن أمله في أن يتم معاقبة المتسببين بقتله".
ويقول لـ"عربي٢١" إن التحقيق يتم بشكل سري مع عناصر الشرطة الذين أطلقوا النار عليه، مبينا بأن القناعة التامة لديه هو أنه تم قتله بدون مبرر وخلافا للقانون وأنه يجب محاسبة جميع المتسببين في ذلك.
خرق القواعد الدولية
بدوره، يرى مدير مركز شمس لحقوق الإنسان عمر رحال بأن الاحتلال يستهدف كل ما هو فلسطيني الذي هو بالنسبة له هدف مشروع لا يفرق فيه بين رجل وامرأة وشيخ ومسن وطفل وشاب.
ويقول لـ"عربي٢١" إنه خلال العدوان على قطاع غزة في أعوام ٢٠٠٨ و٢٠١٢ و٢٠١٤ كان الاحتلال يستهدف المدنيين العزل وحتى أماكن الإيواء التي ترفع شارة الأمم المتحدة؛ رغم أن طياري الاحتلال حين يقومون بالقصف يكونون على دراية بإحداثيات وطبيعة المواقع.
ويوضح بأن في "قاموس الاحتلال لا حرمة فيه للإنسان ولا المكان، ولم تسلم منه المؤسسات المدنية والمساجد والمستشفيات؛ بل إن عدسات المصورين نقلت مشاهد مروعة لجنود الاحتلال وهم يقتلون المدنيين"، حسب تعبيره.
ويبين بأن "كل ذلك له دلالة واحدة وهي أن الاحتلال يريد أن يوقع المزيد من الضحايا في صفوف الفلسطينيين؛ وأن هناك أوامر وتعليمات من المستوى السياسي الإسرائيلي بقتل المزيد من الضحايا، وهو ما تظهره فتاوى رجال دين يهود طالبوا بقتل الفلسطينيين وعدم تقديم الإسعاف الأولي لهم إذا أصيبوا".
اقرأ أيضا: الاحتلال يعدم فلسطينيا من ذوي الاحتياجات الخاصة بالقدس
وحول استهداف ذوي الاحتياجات الخاصة يؤكد رحال بأن كل فئات الفلسطينيين تحت مرمى الاحتلال الذي ينتهك الاتفاقيات الدولية ذات الصلة سواء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو الاتفاقيات التي تحدثت عن ذوي الاحتياجات الخاصة وتقديم المستعدة لهم، والقانون الدولي لحقوق الإنسان وفي مقدمتها اتفاقيات جنيف وتحديدا الاتفاقية الرابعة التي تتحدث عن حماية المدنيين تحت الاحتلال.
ويعتبر رحال بأن "إطلاق الرصاص على شخص يعاني من التوحد أوجع قلوب الناس كلها حين قتل بدم بارد؛ وعندما تمت تصفيته بهذه الطريقة؛ فهو الفلسطيني الأعزل الذي قابله الجنود المدججون بأحدث الأسلحة ولم يشكل أي خطورة على الجنود، ولكن بسبب وضعه تصرف بهذه الطريقة حين أخافه الجنود وأرعبوه؛ ونتاجا لخوفه الغريزي تصرف بهذه الطريقة وحاول الابتعاد عنهم كي يبتعد عن أنظارهم لكنهم عاجلوه بمزيد من الرصاصات".
ويشير إلى أن "نتيجة التشريح أثبتت أن الإصابة كانت في المنطقة العلوية من البطن والظهر؛ رغم أن قواعد إطلاق النار في الجيوش النظامية تتدرج حين يكون هناك خطر داهم؛ فإذا كان هناك خطر محتم يجب أن يصرخ الجندي بأعلى صوته باللغة التي يفهمها الشخص لشد انتباهه؛ وإذا لم ينتبه واستمر بالاقتراب وشكل عليه خطورة يتم إطلاق النار في الهواء من أجل إخافته؛ ثم إذا لم ينته الخطر واستمر بإطلاق النار؛ فعلى الجندي إطلاق النار صوب قدميه لشل حركته وليس قتله؛ وبعد ذلك عليك تقديم المساعدة الطبية له".
ويتابع: "في كل المرات يضع الاحتلال المدني الفلسطيني الأعزل في أسطوانة مشروخة أنه شكل خطورة على حياة الجنود المدججين بالسلاح؛ وهي رواية كاذبة لا يصدقها طفل؛ وفي كل مرة الإصابة في المنطقة العلوية لأن الهدف هو إيقاع المزيد من الضحايا الفلسطينيين".
وأضاف: "هناك استخدام خشن وأسلحة محرمة دوليا وهناك أسلحة يتم تجريبها علينا من قبل الاحتلال، والأدهى والأمر أن جنود الاحتلال يتبارزون بينهم من أجل إيقاع الجرحى والشهداء في صفوف الفلسطينيين خلال المظاهرات السلمية المشروعة في القانون الدولي؛ والتي يقابلها الاحتلال بالقوة العسكرية المبالغ فيها".
وجود الاحتلال بالقدس يزيد مشكلة المقابر الفلسطينية (صور)
موسم البطيخ.. هكذا يحارب الاحتلال المنتج الفلسطيني (صور)
فشل حل الدولتين هل يقود الفلسطينيين لخيار الدولة الواحدة؟