سيشكل دخول قانون قيصر حيز التنفيذ في الـ17 من الشهر الجاري تحولا مهما في تعاطي الولايات المتحدة مع الملف السوري.
لا يقتصر الأمر على المستوى الاقتصادي، بل يتعداه إلى المستوى السياسي والعسكري، فالقانون ليس مجرد عقوبات اقتصادية على غرار العقوبات السابقة، وإلا لما كان أدرج في ميزانية الدفاع، وهي الميزانية المخصصة لحماية الأمن القومي الأمريكي.
أربعة مستويات
يمكن قراءة قانون قيصر ضمن أربعة مستويات:
المستوى الاقتصادي، حيث يفرض القانون عقوبات جديدة على أي شخص أو جهة تتعامل مع النظام السوري أو توفر له التمويل في مجالات البناء والهندسة وصناعة الطاقة وقطاع النقل الجوي.
وهذا يعني منع توريد ما تحتاج إليه مؤسسات النظام، الأمر الذي سينعكس سلبا على قطاعي النفط والنقل الجوي، القطاع الأول شبه مدمر، وما بقي منه هو بأيدي الأمريكيين، أما القطاع الثاني فسيبقى مقيدا بشكل كبير.
ويعني أيضا منع وصول حوالات مالية داعمة للنظام، سواء على شكل استثمار أو على شكل قطع نقدي.
والجديد الذي جاء به القانون، هو إخضاع البنك المركزي السوري للعقوبات، فالقانون ينص أنه خلال مدة أقصاها 180 يوما يجري وزير الخزانة الأمريكي دراسة حول ما إذا كان مصرف سوريا المركزي أصبح مؤسسة يخشى من قيامها بعمليات غسيل أموال، وفي حال ثبت ذلك فيرفع الوزير تقريرا إلى الجهات المعنية لإنزال عقوبات على المصرف.
التداعيات الاقتصادية لا تقتصر على النظام السوري فقط، بل ستشمل "حزب الله" وإيران وروسيا، وقد أكد قانون قيصر أن المرحلة الثانية من تطبيق القانون ستبدأ بين شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) المقبلين، وستفرض عقوبات على كل من يتعاون مع النظام السوري، عسكريا وماليا واستثماريا، كـ "حزب الله" ومجموعة "فاغنر" الروسية على سبيل المثال.
المستوى الإنساني والحقوقي، حيث أكد قانون قيصر على أن العقوبات الأمريكية لن ترفع عن النظام قبل تحقيق شروط عدة: وقف قصف المدنيين والمراكز الطبية والمدارس والمناطق السكنية، رفع الحصار عن المناطق المحاصرة والسماح بمرور المساعدات الإنسانية، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والسماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى المعتقلات، عودة المهجرين بطريقة آمنة وإرادية، محاسبة مرتكبي جرائم الحرب.
المستوى السياسي، حيث يمنع القانون أي محاولة دولية للانفتاح على النظام السوري سياسيا، وقد أكدت المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية جيرالدين غريفيث، أن الحكومات التي تسعى إلى المصالحة وإعادة العلاقات مع النظام ستكون عرضة للعقوبات.
للولايات المتحدة وفق القانون القدرة على التحرك في فرض مناطق آمنة ومناطق حظر للطيران إذا ما شعرت بوجود تهديد إرهابي، أو بأن المساعدات الإنسانية الأممية لم تحقق أهدافها، أو تعرض النازحين للتهديد من قبل النظام وحلفائه.
المستوى العسكري، وهو المستوى الذي يؤكد أن قانون قيصر مرتبط بالمصالح الأمريكية العليا في المنطقة، ففي القسم 303 المعنون بـ "تقييم الفعالية المحتملة والمتطلبات لإقامة مناطق آمنة أو مناطق حظر طيران في سوريا"، يسلم الرئيس للجان الكونغرس في فترة لا تتجاوز 90 يوما من تاريخ سريان هذا القانون تقريرا يتضمن:
ـ يقيّم الفعالية المحتملة، المخاطر، والمتطلبات العملياتية لإقامة منطقة حظر طيران والحفاظ عليها على جزء من سوريا أو بكل سوريا، ويشمل:
1ـ المتطلبات العملياتية والقانونية للقوات الجوية للولايات المتحدة والتحالف لإقامة منطقة حظر طيران في سوريا.
2ـ تأثير منطقة حظر الطيران في سوريا على جهود تقديم المعونات الإنسانية ومكافحة الإرهاب في سوريا والمنطقة المحيطة.
3ـ إمكانية الحصول على مساهمات بقوات من دول أخرى لإقامة منطقة حظر طيران بسوريا.
ـ يقيّم الفعالية المحتملة، المخاطر، والمتطلبات العملياتية لإقامة منطقة آمنة واحدة أو أكثر في سوريا للنازحين في الداخل أو لتيسير تقديم المساعدات الإنسانية، وتشمل:
1ـ المتطلبات العملياتية والقانونية لقوات الولايات المتحدة والتحالف لإقامة منطقة آمنة واحدة أو أكثر في سوريا.
2ـ التأثير المحتمل لمنطقة آمنة واحدة أو أكثر في سوريا على جهود تقديم المعونات الإنسانية ومكافحة الإرهاب في سوريا والمنطقة المحيطة.
3ـ إمكانية الحصول على مساهمات من دول أخرى وشركاء غير حكوميين (تم فحصهم) لإقامة منطقة آمنة واحدة أو أكثر في سوريا.
وفقا لذلك، للولايات المتحدة وفق القانون القدرة على التحرك في فرض مناطق آمنة ومناطق حظر للطيران إذا ما شعرت بوجود تهديد إرهابي، أو بأن المساعدات الإنسانية الأممية لم تحقق أهدافها، أو تعرض النازحين للتهديد من قبل النظام وحلفائه.
ولا يقتصر المستوى العسكري عند هذا الحد، ففي القسم 102 المتعلق بالمحظورات فيما يختص بنقل الأسلحة والمواد المتعلقة بها إلى سوريا، يحق للرئيس الأمريكي فرض عقوبات على أي شخص أجنبي نقل أو قدم دعما ماليا أو ماديا أو تكنولوجيا كبيرا إلى سوريا، من شأنه أن يساهم بشكل أساسي في قدرة النظام على امتلاك أو تطوير أسلحة كيميائية أو بيولوجية أو نووية أو أي تكنولوجيات أخرى، وامتلاك أو تطوير قدرات باليستية أو صواريخ موجهة، وامتلاك أو تطوير أسلحة تقليدية متطورة بأعداد وأنواع تقوض الاستقرار، وامتلاك لوازم دفاعية، أو خدمات دفاعية، أو معلومات دفاعية.
الأبعاد الاستراتيجية
وفقا لهذه المعطيات، لن يكون قانون قيصر مجرد قانون جامد، بل هو قانون متحرك وفق المتغيرات الواقعية، فضلا عن كونه يمتلك أذرعا عسكرية، بعبارة أخرى سيخضع القانون لاعتبارات السياسة والمصلحة بالنسبة للإدارة الأمريكية، حيث قد يتم التغاضي عن كثير من الجهات التي تتجاوز القانون، كما أن تشديد العقوبات أو تخفيفها لن يكون مرتبطا بمدى تجاوز الدول أو الشركات أو الأفراد للقانون، وإنما سيكون مرتبطا بقرار الرئيس الأمريكي في حال وجد أن الأمر يتطلب التشديد أو التخفيف.
وبغض النظر عن هذه التفاصيل، تكمن أهمية القانون في أنه يتجاوز البعد الاقتصادي ليشكل تهديدا استراتيجيا للنظام السوري وإيران وروسيا، لأنه سيمنع روسيا وإيران بشكل نهائي من أي استثمار سياسي أو اقتصادي لانتصاراتهما العسكرية، وسيضعهما القانون في مأزق مستدام.
*كاتب وإعلامي سوري
الأَفعَى الصُّهيُونِيَّة والأَزَمات
هل سيمتد التوتر بين طهران وواشنطن إلى الكاريبي؟
قانون قيصر الأمريكي لقطع طريق الحرير الإيراني