قضايا وآراء

هل يصيب الفيروس النظام

1300x600
على مدار سبع سنوات خاض النظام الحاكم في مصر العديد من المواجهات الداخلية والخارجية، شملت المواجهة السياسية والأمنية مع مناهضي الانقلاب، والمواجهة العسكرية مع التمرد المسلح في سيناء، والمواجهة الدبلوماسية مع إثيوبيا حول مياه النيل. وبعيدا عن الآراء التي تتهم النظام بالتسبب في هذه الأزمات من الأساس، إلا أن المؤكد أن النظام لم يحقق نجاحا يذكر في أي منها، سوى نجاحه في قمع معارضيه باستخدام جرعة عنف غير مسبوقة في تاريخ مصر.

كان آخر ما ينقص النظام في ظل هذه الأزمات مواجهة جديدة على مستوى 100 مليون مصري، تتمثل في جائحة عالمية باغتت العالم في أسابيع قليلة لتمثل امتحانا صعبا للأنظمة الحاكمة على كافة المستويات الصحية والاقتصادية والأمنية، بل والأخلاقية كذلك. تميزت هذه المواجهة بعدم إمكانية تعليق الفشل فيها على قوى خارجية متربصة أو قوى داخلية من "أهل الشر".

خاض النظام هذه المواجهة بالصلف العسكري المعهود في التعامل مع شأن علمي وإنساني بحت يتعلق بأرواح الناس ومعاناتهم، وصب تركيزه منذ اليوم الأول على البعد الاقتصادي والحفاظ على المؤشرات التي حققها أمام المؤسسات المالية الدولية والمانحين. فاستمر في استقبال الوفود السياحية من البلدان الموبوءة، وتلكأ طويلا قبل اتخاذ أي إجراء للإغلاق، وحرص على بث رسائل طمأنة خادعة تلقاها الكثير من المصريين بارتياح لسوء أحوالهم المادية والمعيشية، والتي لا تحتمل تضييقا إضافيا وإلا لم يجدوا قوت يومهم.

سوءات النظام

كشفت الجائحة سوأة النظام الصحي في مصر، والذي لم يطاله أي إصلاح حقيقي خلال سبع سنوات هي عمر هذا النظام، سواء على مستوى البنى التحتية للمستشفيات المتهالكة أو تحسين الأوضاع المأساوية للأطباء والطواقم الصحية، والتي تسببت في لجوء 60 في المئة من الأطباء و20 في المئة من التمريض للعمل خارج مصر، وهو ما جعل مصر وفق مؤشر "انديغو ويلنس" للرفاه في 2019 واحدة من أسوأ عشرين دولة على مستوى العالم في مجال الرعاية الصحية، ضمن تصنيف شمل 191 دولة.

في ظل وجود منظومة صحية بهذه الحالة يفترض أن تكون الدولة أكثر حذرا وصرامة في التعامل مع الوباء، فهي تدرك أن المنظومة الصحية لن تحتمل عشرات الآلاف من المصابين فضلا عن مئات الآلاف.

وكان المتوقع هو المسارعة والتشديد في إجراءات الإغلاق مع التوسع في الفحوصات لمحاصرة التفشي في المراحل الثلاث الأولى قبل وصوله مرحلة التفشي المجتمعي، إلا أنه كان للنظام تقدير آخر بعيد عن ما هو مجمع عليه طبيا وعالميا، حيث استثنى قرابة الـ10 مليون عامل من قرار حظر التجوال، ولم يوفر بدائل للتكدس في وسائل المواصلات، لتصبح قرارات الإغلاق بلا معنى، بل وربما جاءت بنتائج عكسية. وعلى مستوى الفحوصات فاجأنا المستشار الصحي للسيسي بتصريحه بأن المسحات مكلفة ومجهدة ولا طائل من ورائها.

إدارة كارثية.. لماذا؟

الإدارة الكارثية للأزمة إضافة إلى منظومة صحية متهالكة بالأساس؛ انعكست سريعا على تحقيق مصر معدلات وفيات هي الأعلى من نوعها حول العالم، بواقع 5 في المئة من إجمالي الإصابات، ومعدل إصابة في الكادر الصحي هو الأعلى من نوعه، بواقع 11 في المئة من إجمالي المصابين، وقفزت بالأعداد إلى 1500 حالة يوميا، في الوقت الذي استغرقت الألف حالة الأولى 51 يوما، وهو ما كان يمثل فرصة ذهبية لمحاصرة الوباء في أيامه الأولى.

التداعيات الصحية للوباء من انهيار وشيك للنظام الصحي في مصر صار أقرب من أي وقت مضى، سواء بخروج المستشفيات من الخدمة تباعا نتيجة نقص المستلزمات والأدوية أو عجز الأطقم الصحية عن العمل نتيجة تفشي الوباء فيهم وعدم توفير سبل الحماية أو الرعاية بعد الإصابة. الوصول لهذه المرحلة ينذر بتداعيات أمنية وسياسية خطيرة ربما يحاول النظام استباقها الآن بتوسيع حملات الاعتقال، والتي طالت عددا من النشطاء والمحامين والأطباء كذلك على مدار الأسابيع الماضية.

الأوضاع الاقتصادية التي يحاول النظام إنقاذها على حساب صحة الناس يُتوقع لها مزيد من التدهور في ظل تفاقم الأزمة الصحية لا العكس، وهو ما سيمثل ضغطا إضافيا على المواطن المصري حيث سيواجه المرض والجوع في آن واحد.

هل من عقلاء؟

عنصر آخر ينبغي الانتباه له، وهو تفشي الوباء داخل أروقة المؤسسات الأمنية للنظام، والذي قد يحدث بسبب التعنت في مسألة الإفراج عن المعتقلين وتخفيف التكدس في السجون وأماكن الاحتجاز، أو حتى من خلال المخالطة العادية لعموم الشعب، والذي قد يؤدي إلى إضعاف القبضة الأمنية ولو نسبيا في التصدي لأي انفجار شعبي متوقع.

لو أن هناك بقية من العقلاء داخل النظام لأجبروه على تغيير هذه السياسات الكارثية والتي قد تعصف بهم شخصيا. يجب تسليم ملف إدارة هذه الأزمة للجنة قومية مختصة ومحترفة، بعيدا عن الإملاءات السياسية والدعاية الكاذبة، وتسخّر لها كافة مقومات الدولة، وتكلف كافة الأجهزتة التنفيذية بالتعاون معها. وتكون على رأس هذه اللجنة مجموعة من خبراء الوبائيات والصحة العامة وإدارة الأزمات والكوارث.

كما أنه يبقى لأطباء مصر في الخارج والمقدر عددهم بـ120 ألف طبيب؛ واجبا أخلاقيا ومهنيا تجاه زملائهم في الداخل، بتقديم كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي لهم، عن طريق إنشاء اتحاد أو رابطة لأطباء مصر في الخارج، لحماية المهنة وأبنائها ومساندتهم في ظل الظرف الحالي، وكذلك للقيام بدور فعال في إنقاذ المنظومة الصحية في مصر في المستقبل، بإعداد مشروع لمنظومة صحية جديدة تليق بالإنسان المصري.