يبدو أن اتفاق الوحدة
الموقع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ورئيس حزب "أزرق- أبيض'' بيني
غانتس في 20 نيسان/ أبريل 2020 قد حسم مصير مبدأ حل الدولتين، وفتح الباب أمام
دولة الاحتلال الإسرائيلي لبدء تشريعات لضم أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية في
المنطقة (ج) من الضفة الغربية.
وفي بداية تموز/ يوليو
من هذا العام، سيسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تنفيذ أحد أفظع
الأعمال الاستعمارية الاستيطانية منذ عقود، المتمثل بالضم من جانب واحد لمساحة
تقدر بحوالي 30 في المئة من الضفة الغربية. وهذه الخطوة ستترك للفلسطينيين 15 في
المئة فقط من أراضي فلسطين التاريخية وبدون سيطرة على حدودها.
وقد صوت تأييدا لقرار
الضم 68 عضوا من أعضاء الكنيست الإسرائيلي (البرلمان)، من أصل 120، دون شروط، في
حين أيد 34 عضوا قرار الضم (مع شروط)؛ بينما صوت 18 (15 في المئة من الكنيست) ضد القرار.
ما يعني أن خطط الضم ستتم دون جدال في الكنيست الإسرائيلي، وربما دون تدخل دولي
يتناسب مع خطورة هذه الخطوة.
ومعلوم أن عملية الضم
(غير القانونية) كانت تراود زعماء دولة الاحتلال التوسعية وحكوماتها المتعاقبة منذ
عام 1967، ولكنها لم تكن تحظى بهذا الدعم الكبير من الإسرائيليين، وبالتالي كانت
بعيدة عن الواقع خلافا لما يظهر هذه الأيام. فبعد فترة وجيزة من نكسة 1967، أعلن
الوزير الإسرائيلي "يغال ألون" خطته الرامية لضم الجولان وأجزاء من
أراضي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وإعطاء المناطق الكثيفة بالسكان من
الضفة حكما ذاتيا أو إعادة إدارتها للأردن، ولكن خطته لم يكتب لها النجاح، ولكنها
عكست الأطماع التوسعية لدولة الاحتلال.
واليوم يأتي قرار الضم
ليدك الإسفين الأخير في نعش نموذج حل الدولتين الذي قامت على أساسه "عملية
السلام"، والذي سيعني للفلسطينيين نكبة جديدة ومزيدا من الاغتصاب لأراضي
فلسطين التاريخية. إن تنفيذ هذا القرار في تموز/ يوليو المقبل سيرسل رسائل صادمة
في جميع أنحاء العالم، ويتوقع أن يؤدي إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط بشكل عام.
يأتي قرار الضم ليدك الإسفين الأخير في نعش نموذج حل الدولتين الذي قامت على أساسه "عملية السلام"، والذي سيعني للفلسطينيين نكبة جديدة ومزيدا من الاغتصاب لأراضي فلسطين التاريخية
إن المتتبع لسياسة
أوروبا تجاه القضية الفلسطينية، التي اعتمدت على مبدأ حل الدولتين وعملية أوسلو،
يدرك أنه سيتم إفشالها إلى حد كبير بسبب هذه التطورات والتوجهات الإسرائيلية، وأن
قرار الضم سيعني إعلانا واضحا للعالم أجمع عن الفشل الذريع لهذه السياسة وعن شل
قدرتها على التأثير أو المناورة المستقبلية.
وبعد رصد المواقف
المتباينة الصادرة عن عدد من دول أوروبا، يتبين أن السياسة الأوروبية تجاه فلسطين
في الوقت الحالي ما زالت تركز على الخطاب العام الذي يكرر الكلام على الكلمات
الطنانة، مثل "القانون الدولي" و"حل الدولتين" و"حدود
1967". ولكن استنساخ هذه الكلمات الطنانة وسط تهديدات خطيرة وحقيقية، مثل
قرار الضم، سيسمح للدول الأعضاء بالتظاهر بدعم الحقوق الفلسطينية، بينما هي تتقاعس
عن العمل الجاد لمنع وقوع الجريمة.
وبشكل عام، يؤكد
نهج
الاتحاد الأوروبي القائم على البلاغة والفذلكة الكلامية فقط عن الحقوق الفلسطينية
والقانون الدولي، بينما يمر الشرق الأوسط بأزمة خطيرة ناتجة عن عدم اكتراث إسرائيل
بالقانون الدولي، أن هذا الاتحاد بات ضعيفا بشكل لا يصدق عندما
يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. ومن الواضح أن الاتحاد يميل في الوقت الحالي إلى
تجاوز القضية الفلسطينية والتضحية بها خوفا من التنازل عن علاقة متصاعدة مع
إسرائيل؛ يرى فيها الاتحاد الأوروبي ومعظم الدول الأعضاء مكسبا كبيرا.
يؤكد نهج الاتحاد الأوروبي القائم على البلاغة والفذلكة الكلامية فقط عن الحقوق الفلسطينية والقانون الدولي، بينما يمر الشرق الأوسط بأزمة خطيرة ناتجة عن عدم اكتراث إسرائيل بالقانون الدولي، أن هذا الاتحاد بات ضعيفا بشكل لا يصدق عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية
وهذا يفسر عدم الإجماع
على فكرة العقوبات الاقتصادية ضد إسرائيل والتي طرحتها بعض الدول، وهذا ما اعترف
به جوزيف بوريل مفوض العلاقات الخارجية الأوروبية شخصيا، عندما قال إن موقف
الاتحاد "بعيد جدا" عن العقوبات، ناهيك عن أن لإسرائيل حلفاء مهمين، مثل
المجر والنمسا، الذين لا يعتمدون سياسة البلاغة الكلامية حول دعم الحقوق
الفلسطينية، ولكنهم بدلا من ذلك يعلنون تأييدهم وحماسهم للسياسة الإسرائيلية، كما
يتضح من دعم البلدين المباشر لما يسمى صفقة القرن.
ولعل أفضل مثال على
سلبية الاتحاد الأوروبي هو موقف الدول الأعضاء التي أشارت في رسالة تهنئتها
للكنيست الإسرائيلي الجديد إلى حرصها على تعزيز العلاقات مع إسرائيل، وحذرتها في
الوقت نفسه من الضم، حيث يوضح عدم الجدية في ما تلوح به أوروبا، وأن السياسة
الواضحة حتى الآن لهذه الدول ما زالت هي المعارضة الدبلوماسية الناعمة للضم، بدلا
من الإجراءات العقابية القوية الرادعة والقادرة على إعادة ضبط التوجهات
الإسرائيلية.
ولكن ذلك لا يعني أن
أوروبا ليس لديها القدرة على متابعة مثل هذه الإجراءات العقابية (لو أرادت)، وخاصة
أن تعطيل الاتفاقية التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل لا يتطلب تصويت الأغلبية
لإقراره، ولكن أوروبا مجتمعة كما يبدو غير راغبة إلى حد كبير، وربما غير قادرة على
السير في طريق العقوبات في الوقت الراهن. ومع ذلك يمكن رؤية بصيص من الأمل
والتفاؤل في ممارسة ضغط حقيقي على دولة الاحتلال، من خلال مواقف كل من فرنسا
وأيرلندا ولوكسمبورغ وبلجيكا، التي يُقال إنها ما زالت تضغط من أجل اتخاذ إجراءات
عقابية جماعية في حال أصرت إسرائيل على تنفيذ تهديداتها بالضم، وحتى إن لم تنجح في
ذلك على مستوى الاتحاد فلعلها تلجأ لاتخاذ إجراءاتها الاحتجاجية الخاصة بها، والتي
قد تشمل وفقا لمناقشات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ناقشوا في شباط/ فبراير
الماضي؛ الاعتراف بدولة فلسطينية، بالإضافة لعدد من الخطوات التي نوقشت في عدد من
العواصم الأوروبية، مثل استدعاء سفراء إسرائيل لإجراء مشاورات، والدعم الأوروبي
لقرار في الأمم المتحدة ضد الضم، ودعم الإجراءات الجارية ضد إسرائيل في المحكمة
الجنائية الدولية في لاهاي، وتكثيف المقاطعة ضد
المستوطنات بطرق مختلفة.. كل ذلك
سيترافق مع زيادة الدعم للفلسطينيين.
وتلك العقوبات
والإجراءات في حال نفذها الاتحاد الأوروبي ستكون مؤلمة لدولة الاحتلال، سواء من
الناحية الاقتصادية أو الدبلوماسية، أو من ناحية تهشيم صورتها التي بذلت الكثير
لتكريسها في الغرب، وسيكون من السهل على أصدقاء فلسطين العمل على فضح عنصريتها
كدولة أبارتهايد أكثر من أي وقت مضى، بل حتى سيكون من الصعب على الدول الأوروبية
ملاحقة حملة المقاطعة الدولية (BDS) التي ستثبت أنها
كانت على حق في كل مطالباتها.