أخبار ثقافية

كوينتن تارانتينو: السينما كقصيدة جامحة الأصالة

بتسعة أفلام فقط أصبح هذا المخرج علامة بارزة في هوليوود- صفحته الشخصية تويتر

يوصف كوينتن تارانتينو، بالمخرج المجنون، الخلاق، غريب الأطوار. بتسعة أفلام فقط أصبح هذا المخرج علامة بارزة في هوليوود.

 

ولا أدل على ذلك من فيلم (Pulp Fiction) ثاني أفلامه الطويلة، والذي أصبح من ضمن أفضل الأفلام في التاريخ بتغييره لنمط التلقي السائد لفن السينما.


ليس بذي خلفية أكاديمية، بل جاءنا من خلفية محبته وعشقه لأفلام الستينيات والتي غذت طفولته؛ أفلام الويسترن بشكل خاص وأفلام القتال الآسيوي وغيرها وبدرجات متفاوتة.

 

هذه الخلطة عجنت هواجسه وكونت مفرداته التي بنى عليها مجده السينمائي فيما بعد. إنه عاشق كبير للشاشة الكبيرة، يرتكز عمله فيها على الـ Homage والتي تعني التغني أو الاحترام.

أعاد لنا هذا المخرج الاعتبار لكثير من القيم الأساسية في فن السينما، والتي ظلت تخفت وتتلاشى في ظل صناعة هائلة يتوغل فيها رأس المال.

 

اقرأ أيضا : "المثلية الجنسية" تثير انتقادات حادة بالسعودية لـ"مخرج7"

 

بل إنه علمنا من جديد أن أساس هذا الفن هو المتعة بالدرجة الأولى، متعة الفرجة، ثم تأتي من بعد ذلك الرسالة أيا كانت نوعيتها.

 

وطبع ذلك كله بمفردات خاصة ذاتية تميز بها، وأصبحت له بصمته الواضحة في مجمل أعماله. 

السينما بصفتها ملاذا مناسبا لقلب التاريخ 

 
يمتلك تارانتينو تفردا خاص ولغة جامحة تتمثل بعناصر لا يمل المشاهد من تكرارها في أعماله. يغير بأحداث التاريخ، ولا يلتفت وراءه كما في فيلمي (Inglourious Basterds) و (Once Upon Time At Hollywood) ففي فيلمه الأخير يقلب التاريخ، ويقتل وبطريقته الدموية الكوميدية المعهودة قاتلي الممثلة الشابة آنذاك (Sharon Tate)، وتظل الممثلة ضمن أحداث الفيلم على قيد الحياة تعيش بسلام وتحتفل مع أصدقائها.

 

في تعبير واضح عن المرارة التي ظلت بداخله كلما قرأ عن مقتل هذه الممثلة التي أحبها (من المعروف أن هذه الممثلة قتلت هي وجمع من أصحابها بطريقة بشعة، وكانت حاملا وعمرها 26 سنة) فقد جعلها في هذا الفيلم تمر مرورا عابرا يشبه مرور الحلم الشفيف المصاحب للفراشات الزاهية الألوان.

 

فكأنها ترمز للبراءة التي تم قتلها بوحشية في الواقع. وأما في الحلم فهو يحب أن تبقى هذه البراءة تسري في تفاصيل حياة ذلك الجيل دون المساس بها أو محاولة تفسيرها. 

وفي فيلم (Inglourious Basterds) يموت هتلر هو وكل قادة النازية بفخ نصبته صاحبة صالة عرض الأفلام (الفتاة اليهودية)، يموت (بالحرق) وفي (قاعة سينما) تشكل هذه الرموز دلالات واضحة لكوينتن لا تحتاج إلى مزيد من التفسير. فهل يمكن للفن السينمائي أن يغير أحداث التاريخ؟ مع تارانتينو أصبح هذا السؤال ممكنا!

السينما قصيدة جامحة؛ الأصالة أهم عناصرها

 
كيف لشاعر معاصر أن يكتب قصيدة حديثة في الطرديات (شعر الصيد)، مثلا. هذا الغرض الشعري انقرض منذ عهد قديم وظلت مفرداته الجمالية تسبح في فضاء ذلك العهد. تارانتينو عالج ما يشبه هذا السؤال المجنون ولكن بطريقة أفلام الويسترن أو أفلام القتال التي تسود فيها رؤية واضحة بين الخير والشر. خاض هذا التحدي مسلحا بالعشق والاحترام والحب مع ما تميز به من جنون وخيال متفرد.

ومن أوضح الأمثلة على ذلك فيلم (Django Unchained) الذي يحاكي فيه أفلام الويسترن وفيلم (Kill Bill) بجزأيه والذي يحاكي فيه أفلام القتال الآسيوية.

فيلم (Django Unchained) يلتزم بالإطار العام لأفلام الويسترن، بل ويستعيد الروح الناظمة لتلك الأفلام لكنه يقدم بصمته الخاصة لهذه الروح، وبعد أن نستمتع بالمشاهد العظيمة في الفيلم يمرر لنا نظريته الخاصة بقضية الحرية والعبودية.

 

يقدمها بسلاسة ضمن أحداث الفيلم وبدون تعسف ضمن وقائع تحفز المتلقي على سؤال جدلية العبيد والأحرار والتفكير بها وكأنها سؤاله الخاص.

وأما فيلم (Kill Bill) فهو لا ينشغل بأمور هامة وضرورية لواقعية الأبطال فنرى البطلة الممثلة (Uma Thurman) تخرج من قبر، وتذهب مشيا إلى كرفان القاتل، بدون أن تأكل وبقدرات خارقة، وقبل ذلك تذهب إلى طوكيو في أول انتقاماتها بعد غيبوبة تستمر 4 سنوات، تذهب بسيارة الطبيب الذي قتلته بعد أن تذكرت أنه كان يعتدي عليها أثناء غيبوبتها.. وفي طوكيو تتحرك بأريحية ببدلتها القتالية الصفراء التي هي نفس بدلة بروسلي.. تتحرك بأريحية وكأنها تعرف المدينة من صغرها.

كل ذلك يدل على أن تارانتينو التزم بالإطار العام لأفلام القتال الآسيوية والتي تجعل من البطل أسطورة خارقة، كما أنه لم يرد أن يقدم لنا سينما تؤكد المؤكد، بل رمى ذلك وراء ظهره، وأقنعنا بذلك.

 

مما يجعلنا نبحث عما وراء هذه العناصر لنشاهد فيلما تسري فيه روح الأفلام القتالية من جهة، وبنفس الوقت يشركنا بنظرته الخاصة المتعلقة بسؤال السوبرمان من جهة أخرى.

 

لقد قدم لنا عملا حديثا يناقش هذا الموضوع مع تحية حب خالصة لأفلام الفنون القتالية الآسيوية ممزوجة بجرعة من السخرية والاستخفاف وصدمة المتلقي. هذه العناصر التي تتكرر في جميع أفلامه تجعلها مستساغة مع عناصر وثيمات أخرى بخلطة سحرية في غاية التجانس.

في إحدى مقابلاته يقول: (هدفي من صناعة الأفلام هو مشاركة الناس هذا العشق، وتبسيطه لجعلهم يعتقدون أن بإمكان أي منهم صناعته). لقد مكنه شغفه من الوصول إلى العالم والقبض على معادلة الفن الصعبة (السهل الممتنع).