ها هو المشروع
الإماراتي
الفرنسي يتهاوى ويتلقى الضربة تلو الأخرى، ومؤشرات الفشل باتت واضحة جلية لا
تخطئها عين.
مؤشرات تعاني منها قيادات الثورة المضادة
المتمثلة في الإمارات وفرنسا والسعودية. ومن المعلوم أن محمد بن زايد، ومحمد بن
سلمان، وماكرون يمارسون دون خجل أو حياء؛ أدورا تخريبية في بلدان الشرق الأوسط
وأفريقيا. وقد أنفق
ابن زايد وابن سلمان أموالا طائلة لإشاعة الفوضى وإثارة الفتن
في بلدان الربيع العربي، اعتقادا بأنهما يستطيعان المجيء بأنظمة وحكومات وفق
أهوائهما وأطماعهما. وقد نجحا بالفعل في مصر، وبكل أسف تمكنا من تدجين نظام مصر
بكل عظمتها وتاريخها، فأصبحت في عهد السيسي مجرد تابع وأجير وتحولت لعربة مهترئة
تجرها خيول متهالكة، وتخلت عن ريادتها لصالح الكيان الصهيوني ولصالحها.
وإذا دققنا النظر نجد أن الإمارات بقيادة محمد
بن زايد تقف وراء كل الانقلابات الدموية، وتبارك المؤامرات التي تستهدف بلدان
المنطقة.
ابن زايد، وابن سلمان، وماكرون، تلاعبوا
بثورات الشعوب في مصر، واليمن، والسودان، وسوريا، وحاولوا، وما زالوا يحاولون، في
الجزائر وتونس والمغرب، حتى تركيا لم تسلم من تلك المؤامرات الخبيثة، وبات من
المؤكد أن هناك انسجاما تاما بين الإمارات وفرنسا من خلال الدعم الفني والعسكري
واللوجستي والمالي، بجانب الإسناد السياسي لهؤلاء الشرذمة من العسكر. ويتعاظم
التعاون بين الإمارات وفرنسا ويبلغ ذروته خاصة إذا كان الهدف بحجم تركيا.
وبالعودة لفرنسا، وعندما كان نظام ابن علي في
تونس يترنح ويتهاوى، جاءت وزيرة الخارجية الفرنسية في ذلك الوقت (كانون الثاني/
يناير 2011) ميشال أليو ماري، لتؤكد استعداد فرنسا لتقديم يد العون والمساعدة لزين
العابدين بن علي لقمع الاحتجاجات الشعبية الواسعة في تونس. ثم بعد سقوط الطاغية
غيرت فرنسا موقفها، وأكدت دعمها للحراك الشعبي الذي أطاح به خارج السلطة قبل أن
تستضيفه السعودية وتوفر له ملاذا آمنا.
التجارب والتاريخ يؤكدان أن فرنسا تظهر في
العلن دعمها لثورات الربيع العربي، وفي الخفاء تدعم وتساند الثورات المضادة في
العديد من الدول، كما يحدث في
ليبيا الآن بدعمها التام لمجرم الحرب خليفه حفتر،
وكما حدث في مصر بدعمها للسيسي، وكذلك الأمر في الجزائر وتونس واليمن، وذلك
لرغبتها في إحياء نفوذها في المنطقة، وإحكام سيطرتها على خيرات تلك الدول، لأن
رغبة فرنسا صاحبة التاريخ الدموي في قمع شعوب مستعمراتها؛ تكمن في إبقاء الوضع كما
كان قبل اندلاع ثورات الربيع العربي بما يضمن لها استمرار مصالحها، ونهب ثروات هذه
الشعوب. وفي سبيل ذلك سعت وتسعى دائما لزرع عملاء داخليين لها في البلاد التي كانت
تحتلها سابقا. وقد تمكنت بالفعل من تمكين بعضهم في مفاصل تلك الدول، وأوصلتهم لهرم
السلطة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعسكرية والأمنية
والاستخباراتية (كما حدث في مصر بعد نجاح الكيان الصهيوني في زرع السيسي). وهذا ما
يفسر لنا موقف فرنسا في العمل جاهدة، وبشكل مفضوح، لدعم الثورات المضادة، وهو
الأمر الذي لم يعد خافيا على أحد.
باختصار، فرنسا عبارة عن وباء يجب استئصاله
والتخلص منه في دول المنطقة وأفريقيا، وإلا فستواصل فرنسا تمكين الأنظمة القمعية
التي تضمن لها تأمين السيطرة والهيمنة على قطاع الطاقة، وأعمال التنقيب والاستكشاف
والإنتاج، ولعل شركة "توتال" خير دليل على ذلك.
كما تسعى فرنسا بدعمها للثورات المضادة؛ لضمان
تدفق صفقات السلاح للمنطقة. وبحسب تقرير حكومي فرنسي قدم للبرلمان، فإن صادرات
الأسلحة الفرنسية ارتفعت في السنوات الأخيرة بنسبة كبيرة وصلت لـ40 في المئة،
نصفها توجهت للسعودية والإمارات ومصر.
وإذا كان هذا حال فرنسا، فماذا عن الإمارات؟
لم يعد خافيا على أحد ذلك الدور الذي يقوم به
نظام دولة الإمارات في قيادة الثورات المضادة، ووقوفها ضد رغبة الشعوب في التخلص
من أنظمة الطغيان والاستبداد.
الإمارات بذلت وتبذل أقصى جهودها لدعم
الانقلابات العسكرية ونشر الفوضى في بلدان المنطقة كلها، ولم يترك محمد بن زايد
سبيلا ولم يدخر جهدا لزعزعة استقرار الأوضاع في تلك الدول.
أبو ظبي بوجه خاص هي غرفة عمليات الثورة
المضادة، ولها أذرع إعلامية وسياسية وعسكرية ومالية، الهدف منها إجهاض الثورات
العربية، وضرب أي مسار انتقالي، والعمل على إعادة أنظمة القمع لسدة الحكم من جديد.
وعمل ابن زايد بكل ما أوتي من قوة لإجهاض تلك الثورات، وقام بتشكيل كتل سياسية
موالية له عن طريق شخصيات وأحزاب وحركات ومنظمات مجتمع مدني ووسائل إعلام في بلدان
الربيع العربي. ولم تكتف الإمارات بذلك، بل عمدت لضرب خطوط إمداد ودعم الثورات،
سواء كانت مادية أو إعلامية أو سياسية أو حقوقية، وبمنتهى الصفاقة والحماقة ونكران
الجميل، وتجاوزت كل الخطوط الحمراء فجاهرت بالعداء الصريح لتركيا، ودعمت ومولت
محاولة الانقلاب الفاشل في تموز/ يوليو 2016 بمليارات الدولارات، وشاركت وما زالت
تعمل على زعزعة الوضع في تركيا عن طريق حروب اقتصادية وإعلامية.
ومع كل ما ذكرناه، وبالعودة لمؤشرات فشل
المشروع الإماراتي الفرنسي، نجد أن الفشل يلاحقهم في ليبيا، وهذا حفتر الذي حاز
على كل صنوف الدعم بدأ مسلسل انهياره بعد انكسار حملته على طرابلس، ثم الإشكاليات
في شرق ليبيا، خاصة بعد إدانات دولية متعاقبة على ما قام به من أعمال إجرامية وقصف
المدنيين وتدمير المنشآت الصحية والأحياء السكنية.
فقد قدمت المدعية الجنائية الدولية، فاتو
بنسودا، تقريرا عن الأوضاع في ليبيا أدان حفتر بشكل مباشر، ووصف جرائمه بجرائم
حرب، وكذلك تلك التصريحات التي جاءت عقب مباحثات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع
أمين عام حلف "الناتو" بنس ستولتنبرج، حيث خرج بعدها الأخير ليقول إن
الحلف يدعم تركيا ضد التنظيمات الإرهابية شمالي سوريا، وأبدى استعداد الناتو لدعم
حكومة الوفاق الليبية ضد المنقلب حفتر.
ثم تلقت الإمارات ضربة أخرى مؤلمة في اليمن،
وهي إحدى المناطق الملتهبة التي تعاني فيها الإمارات، بعد ردود فعل الشعب اليمني
خاصة في مناطق الجنوب ضد ذلك المجلس الذي شكله ابن زايد، والمعروف باسم المجلس
الانتقالي الجنوبي، كما رفض مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي خطوة مجلس العيدروس بفرض
الإدارة الذاتية للجنوب.
وقبل ذلك حصار قطر الذي فرضته السعودية
والإمارات بالإضافة لمصر والبحرين، فقد استطاعت قطر كسر حصارها بعد أسابيع من
فرضه، فعاد كسر قطر لحصارها سلبا على ميناء دبي، وهو ما يعتبر فشلا ذريعا لابن
زايد.
وهنا يجب عدم إغفال ذلك الدور الأمريكي الذي
تقلص في المنطقة، لكنه لم ولن يختفي، ذلك لأنه أوجد بديلا عنه في إدارة المنطقة وإدارة
الثورة المضادة، وهذا البديل يتمثل في مجموع النظام العربي القمعي، وربطه بمرجعية
واحدة هي مرجعية محمد ابن زايد في أبو ظبي. وهنا يتجلى لنا الدور التاريخي الذي
ورثته الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا معا، والذي يتمثل في الحفاظ على نتائج
الحملة الصليبية التي قادتها بريطانيا وفرنسا في مطلع القرن العشرين، حيث تتلخص
هذه النتائج بتثبيت العروش الموالية للغرب في المنطقة العربية، ملوكا كانوا أم
عسكرا، ثم السيطرة على المواقع الاستراتيجية التي تشرف عليها المنطقة العربية، من
جبل طارق إلى مضيق هرمز، والسيطرة على مقدراتها وثرواتها.