أطلق ناشطون مسلمون في بريطانيا حملة لتعويض جزء مما يفتقدونه هذا العام في رمضان بسبب كورونا وإجراءات التباعد الاجتماعي، ومنها الإفطارات الجماعية في الأماكن والساحات العامة.
واستذكرت الحملة أنه خلال سبع سنوات من عمر مشروع الإفطارات الجماعية، تمكن من جمع نحو 100 ألف ضمن أكثر من 300 إفطار خلال رمضان، قام على تنظيمها نحو ألف متطوع. وفي ساحة ترافلغار في لندن العام الماضي، حضر نحو ألف شخص.
وشارك عمدة لندن صادق خان في الحملة، وأعاد إحدى تغريداته معلقا بقوله: "رمضان هذا العام مختلف جدا عن السابق. شكرا لكل شخص يشهد رمضان في البيت، والشكر الخاص لأولئك الذين يعملون في الخط الأمامي في مواجهة كوفيد-19 في أثناء الصيام".
كما شارك متحف التاريخ الطبيعي، الذي استضاف بعض الإفطارات في الأعوام الماضية، وعلق عبر حسابه في توتير: "كنا نتطلع لأن نكون واحدا من مواقع الإفطار المفتوح الليلة. رمضان كريم لكل من شارك في الإفطار المفتوح الافتراضي الليلة".
وكتبت المسؤولة في المكتبة البريطانية ليز وايت: كان لنا شرف الترحيب بالإفطار المفتوح في المكتبة البريطانية العام الماضي".
وفي سياق الحملة الذي أرفقت تغريداتها بهاشتاج يحث على البقاء في المنازل، أعادت مشروع "خيمة رمضان" نشر صور ومعلومات عن الإفطارات في الأعوام السابقة، تحت عنوان "تخيل"، لتشير عبر الصور بأن ذلك حدث فعلا و"إننا صنعنا التاريخ".
كما تم عقد ندوات عبر برنامج زوم؛ حول رمضان والإفطارات الجماعية التي يفتقدها المسلمون والمجتمع البريطاني هذا العام.
وإضافة إلى ذلك، تتولى منظمات بريطانية توزيع وجبات الإفطار المغلفة على مئات من الراغبين بالمشاركة في "الإفطار الجماعي"، لتناوله في المنازل بدلا من التجمع في مكان واحد.
رمضان استثنائي
من جهته، قال رئيس مركز قرطبة أنس التكريتي، إن "هذه السنة، وموسم رمضان بالذات، استثنائي بكل المقايسس، نظرا لأن رمضان وافق حالة الإغلاق أو شبه الإغلاق الذي فرض في بريطانيا وعدد من الدول الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية. وبالإضافة إلى الاحترازت التي غيرت نمط حياة معظم الناس، أنها أثرت على ما تعارف عليه الناس من مسائل وتصرفات ونشاطات ومناسبات اجتماعية وغير اجتماعية، دينية وغيرها، في رمضان"، وخصوصا مسألة التجمع على الإفطار والتجمع للصلاة في المساجد والاستماع للمحاضرات.
وقال التكريتي لـ"عربي21": "الآثار ليست بسيطة، بعضها آثار مباشرة، وبعضها آثار مؤجلة، ربما بعد فترة من الزمن نشهد نتيجة هذه التداعيات. مثلا التأثير على الأشخاص أنفسهم نتيجة هذا التباعد الاجتماعي".
ولفت التكريتي إلى "مسألة تقع ضمن "الملف الاستراتيجي" للأقليات أو المجتمعات المسلمة في الغرب، وهي مسألة التداعيات الاقتصادية على الأشخاص والمجتمعات وكذلك المراكز الإسلامية والمساجد. ذلك أن أكثر من 90 في المئة من هذه المراكز والمساجد تعتمد بشكل أساسي على تبرعات المصلين بشكل يومي، وخاصة أيام الجُمع".
وأشار إلى أن هذه المراكز أغلقت منذ شهرين، "أي إنه من شهرين انقطعت عنها قناة التمويل الرئيسية.. كثير من هذه المراكز بدأت منذ الآن تعاني من ضوائق مالية ليست بسيطة".
مضيفا: "عندما تفتح المراكز سيكون عليها الالتزام بإجراءات السلامة (مثل التعقيم) وإجراءات التباعد الاجتماعي، ما يفرض أعباء جديدة على المراكز والمساجد".
وأوضح أن "قضية الإفطارات تتعدى كونها وجبة طعام بعد فترة من الصيام، فهي فيها نواح اجتماعية عميقة، وتقاليد وأعراف، تعارف الناس بمختلف خلفياتهم الثقافية في مناطق وجودهم.. وهذه لا تحدث إلا في رمضان، فغيابها عن الساحة في رمضان لها تأثيرات نفسية واجتماعية ليست بسيطة".
آثار عميقة
وأشار إلى أن "البعض قد يستدرك بطرق أخرى، لكن الفوائد التي نجنيها في العادة من هذه الإفطارات العامة لن نستطيع أن نحققها هذه السنة. من ذلك أن الإفطارات الجماعية التي كانت تعقد بشكل يومي وبمختلف أنحاء بريطانيا، إما على صعيد المراكز الاجتماعية، أو على صعيد المراكز الإسلامية والمساجد، أو على صعيد المجتمعات المختلفة.. هذه الإفطارات كان يشارك فيها من أبناء المجتمع من غير المسلمين".
وقال: "الإفطار الجماعي الذي نظمه مسجد فينسبري بارك العام الماضي حضره زهاء 2500 شخص، جل هؤلاء كانوا من غير المسلمين... أكثر من 1500 كانوا من غير المسلمين. وكان معهم حينها زعيم المعارضة، زعيم حزب العمال جيرمي كوربين، وهو النائب عن المنطقة، ومعه جمهور عريض من أبناء المنطقة الذين تعاهدوا في كل عام على أن يحضروا هذا الإفطار الجماعي. وكذلك في البرلمان هناك سنويا إفطار جماعي.. في المنتديات الشعبية البريطانية غير المسلمة يقيمون احتفالات الإفطار.. هذه السنة هذا غير موجود".
وتحدث عن "شعور من الفقد هذا العام، وربما البعض استطاع أن يسد شيئا ما من هذا، مثل مشروع "@OpenIftar" (الإفطار المفتوح)، لكن بالقطع، الموضوع ليس الثمار نفسها وبالفائدة نفسها التي تجنى في العادة من التواصل مع الناس والعلاقة معهم".
ومن الواضح أيضا أن صلوات العيد لن تعقد ولن تقام "إلا في حال أن الأجواء تساعد، وفي حال توفر الرخص من الحدائق العامة والفرق التي تضمن وتدير مسألة التباعد الاجتماعي"، وهو ما استبعد التكريتي حدوثه.
وقال: أبناء المسلمين في الغرب عيدهم هو صلاة العيد ثم الالتقاء بالأهل والأصدقاء.. التداعيات في خضم الأزمة قد نراها ثانوية أو بسيطة، ولكن الآثار النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية هي في غاية العمق".
اليمين المتطرف
وحول حملة التحريض من اليمين المتطرف ضد المسلمين وخصوصا مع حلول رمضان، بحجة نشرهم كورونا، قال التكريتي: "من المعروف أن المجتمعات عموما، والغربية بالذات، كلما اعترتها أزمة (أمنية أو اقتصادية أو سياسية.. إلخ) عادة تنحو نحو اليمين. وبذلك تعطي فرصة لأصوات اليمين واليمين المتطرف بأنها تعلو. وللأسف الشديد ما حصل خلال جائحة كورونا وافق القاعدة نفسها. ووجدنا هناك ارتفاعا من زوايا المتطرف لهذه الأصوات، وارتفاعا في التعبيرات والتعليقات والتصريحات التي هي غاية في الدناءة والسوء، وغاية في العنصرية وغاية في الزنافوبيا (كراهية الآخر)".
وكذلك ما سوقت له "بعض الصحافة الصفراء والقبيحة من أن هذا كورونا جاء من الشرق أو جاء من المسلمين، وأن المسلمين يرفضون أن يتركوا مساجدهم وصلواتهم الجماعية، وأن هذا يؤدي إلى انتشار كورونا، ويؤدي من ثمإلى أن تبقوا (عموم الشعب) في بيوتكم ولا تلتحقوا بأعمالكم ولا تلتقوا بأصدقائكم.. هذه المسائل في حالة الخوف العام وحالة التوتر والإحباط في المجتمع تؤثر في فكر الإنسان وتعليقاته".
لكن في المقابل، وجدنا حالة إيجابية من خلال اعتناء الناس، من خلال ما شاهدنا ونشاهده يوميا من أن الأقليات الإثنية والدينية وعلى رأسهم المسلمون؛ كانوا في الصفوف الأولى لمكافحة الجائحة، إما كأطباء وممرضين أو عمال تنظيف، أو كحراس أو عمال في البلديات.. الذين يراعون شيئا من الإنصاف، هذه الأمور زادت من مكانة المسلمين في نفوسهم".
وأشار إلى أن الكثير من المعلقين والمسؤولين أثنوا على الدور الذي يؤديه المهاجرون خلال هذه الجائحة، وبينهم مسلمون.
ورأى التكريتي أن اليمين المتطرف حاول استثمار هذه الجائحة؛ "خصوصا للتعمية على الفشل الحكومي الكبير، من خلال توجيه التهم لأطراف يسهل تصدير التهم إليهم".
— #MyOpenIftar #StayHome (@OpenIftar) May 14, 2020
هكذا جمع بريطاني مسلم عمره قرن تبرعات لضحايا كورونا
مع أجواء الحظر.. كيف يبدو رمضان لمسلمي بريطانيا؟
مسلمو بريطانيا يطلقون حملة تبرعات للتخفيف من أضرار كورونا