أثار تنقيح مشروع القانون "45" الذي تقدمت به حركة النهضة، ويمنع السياحة الحزبية، جدلا عميقا بالبرلمان بين مؤيد ورافض، فيما اعتبره رئيس الجمهورية قيس سعيد خرقا واضحا للدستور التونسي، وهو ما زاد من تصاعد الاختلافات.
وتنص أحكام الفصل الـ45 من النظام الداخلي على أنه "إذا استقال عضو مجلس نواب الشعب من الحزب أو القائمة أو الائتلاف الانتخابي الذي ترشح تحت اسمه أو الكتلة التي انضمّ إليها، فإنه يفقد آليا عضويته في اللجان النيابية وأي مسؤولية في المجلس تولاها تبعا لانتمائه ذاك، ويؤول الشغور في كل ذلك إلى الجهة التي استقال منها".
نشأة السياحة الحزبية
يرى الباحث والأكاديمي زهير إسماعيل في حديث لـ"عربي 21" أن "الظاهرة السياحية الحزبية نشأت في المجلس الوطني التأسيسي بعد عام ونصف من انتخابه، ولم يكن المجلس المكلف بتسيير المرحلة الانتقالية وكتابة الدستور بمعزل عن صراع القديم والجديد الذي بدأ يحتدّ مع نهاية 2012 وبعث الواجهة السياسيّة المنظومة القديمة ممثلة في حزب نداء تونس بقيادة الباجي قايد السبسي".
وأضاف: "ومن مفارقات المشهد السياسي أن كان لحزب نداء تونس نواب في المجلس التأسيسي قبل تأسيس الحزب بفضل السياحة الحزبيّة، وكانت شخصيّة النائب إبراهيم القصاص أشهر من نار على علم وأكثر من يكثّف الظاهرة سياسيا وأخلاقيا، إلى جانب نواب آخرين من حزب المؤتمر (عبد العزيز القطي)".
اقرأ أيضا: سعيّد يؤكد احترامه للشرعية بتونس بعد خلافات بالبلاد
ويعتبر الباحث أن "الظاهرة تفاقمت بعد 2014 وفوز نداء تونس بالرئاسات الثلاث، وكانت الانقسامات التي عرفها حزب المنظومة القديمة صورة نموذج لظاهرة السياحة الحزبيّة التي كان لها تأثير على الحزب الأول المكلّف بتشكيل الحكومة وعلى خارطة الكتل البرلمانية و على الائتلاف الحكومي وأدائه، ورغم التفكير بصوت عال في موضوع السياحة الحزبيّة وآثارها المدمرة على الحياة السياسيّة والعمل الحكومي ومؤسسة مجلس نواب الشعب في نظام شبه برلماني".
منع الاضطراب
وتم التصويت على مشروع تعديل القانون داخل لجنة النظام الداخلي على أن تتم إحالته على الجلسة العامة للتصويت عليه، ويعتبره المؤيدون على غاية من الأهمية لمنع الاضطراب الحاصل وفرصة لإخراج المشهد السياسي من حالة الارتباك، فالقانون من شأنه أن يوقف ظاهرة السياحة الحزبيّة البرلمانية التي مثّلت نزيفا للأحزاب وللمؤسسة التشريعية ولائتلاف الحكم.
ويقول الأكاديمي زهير إسماعيل إن "السياحة الحزبية مسألة صاحبت الانتخابات التي لم تع فعل تونس إلاّ مع الصورة وانتخابات 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، هناك إجماع واسع من حيث المبدأ على ترذيلها واستهجانها واعتبارها تدنّيا أخلاقيا بالنيابة البرلمانية والحياة الحزبيّة ومزرية قبل كل هذا بـالسائح الحزبي".
ويستدرك الباحث" ولكن هذا الإجماع يضمحلّ باختلاف السياق والملابسات والمصالح، فمن كان بالأمس كافرا بالسياحة الحزبيّة أصبح اليوم من أشدّ المؤمنين بها، ولا عبرة في هذه الحالة بما يساق من حجج تتراوح بين القانونية والسياسية والأخلاقية".
مواقف متناقضة
وقالت حركة النهضة في بيان إن "أحاديث في أروقة مجلس نواب الشعب عن تحركات بغاية تشكيل كتلة نيابية جديدة، وتغذية الانشقاقات في بعض الكتل النيابية، وعبرت عن رفضها التام لمثل هذه المساعي التي ليس من شأنها غير تغذية المزيد من الاحتقان السياسي والتمزق والشتات بينما البلاد أحوج ما تكون إلى التوافق وجمع الكلمة لتأكيد النجاح في الحرب على الوباء والفقر".
اقرأ أيضا: "عربي21" تنشر ميثاق رأب الصدع بين الائتلاف الحاكم بتونس
وأكدت ثقتها في "قيام الياس الفخفاخ رئيس الحكومة وكل من يهمه الأمر بما يتعين للتصدي لهذه التصرفات غير المقبولة"( تأويلات عن عزم الفخفاخ تشكيل كتلة موالية له ).
فيما اعتبر حزب "قلب تونس" السياحة البرلمانية "تحيّلا على أصوات الناخبين وعلى إرادة الشعب وتزويرا للمسار الديمقراطي فضلا عن أنّها تُعدُّ خيانة للأحزاب السياسية التي التزمت معها وبالتالي فسوف يتّخذ حزب قلب تونس موقفا شديدا من هذه الظاهرة في إطارات مناقشة النظام الداخلي للبرلمان بهدف الحفاظ على نتيجة الانتخابات التي تمثّل شرعيّة الشعب بما أنّ نظام التصويت في بلادنا هو نظام تصويت على القائمات وليس تصويتا على الأسماء".
ويشار إلى أن الحزب انشق عنه 9 نواب وكونوا كتلة برلمانية جديدة، ما أضعف كتلة الحزب التي كانت تتكون من 38 نائبا.
من جانبه وصف رئيس الكتلة الوطنية، حاتم المليكي، ( نواب انشقوا عن قلب تونس) ، في تصريح لـ"عربي21" القانون بأنه "مخالف للدستور وهو أمر خطير ورئيس الجمهورية قيس سعيد أكد ذلك"، ووصفه بأنه "رق برلماني وعبودية".
فيما اتهم الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي حركة النهضة بالاستفادة من التنقيح ومنع السياحة الحزبية مع شريكها حزب "قلب تونس".
من جهته قال النائب خالد الكريشي لـ"عربي21" نحن ضد تعديل القانون عدد 45 لأنه ضد إرادة الناخب ويمس من حرية النائب ويجعله أسيرا لدى رئيس الحزب".
اقرأ أيضا: تنافر في المشهد السياسي التونسي.. هل يؤثر على الحكومة؟
وعن سبب الانقسام والتناقضات بين الأحزاب والكتل يرد الأكاديمي زهير إسماعيل "قلب تونس انحدر بترتيب كتله في البرلمان من الثاني إلى الثالث، في حين تتقدم النهضة بمشروع القانون، وغايتها أن تستعيد ورقة البرلمان من خلال أغلبية مريحة مع ائتلاف الكرامة وقلب تونس تمكنها من تحرير وزاري يوسع من الحزام البرلماني الحكومة، وقد تسعفها في استرداد رئاسة الحكومة بعد إسقاط حكومة الفخفاخ".
خرق الدستور
وأبدى رئيس الجمهورية موقفا واضحا وصريحا بخصوص تعديل القانون وقال "نأسف للنقاشات اليوم بخصوص التعديل فهو خرق جسيم للدستور، لو كان النائب مسؤولا أمام ناخبيه وكات بإمكان الناخب أن يسحب منه الثقة لما احتاجوا لمثل هكذا خرق جسيم يجسد مرضا سياسيا ودستوريا".
وأجمع العديد من أساتذة القانون الدستوري على عدم دستورية مقترح تعديل الفصل 45 لأنه يتعارض مع كل من أحكام الفصل 35 من الدستور الذي يضمن حرية تكوين الأحزاب والمرسوم 87 الضامن بدوره لحرية التنظم والانخراط في الاحزاب والنشاط صلبها وكذلك الإنسحاب منها .
وحذروا الأساتذة من تمرير التعديلات في ظل غياب المحكمة الدستورية المخولة للحسم في دستوريتها من عدمه .
تنافر في المشهد السياسي التونسي.. هل يؤثر على الحكومة؟
تونس.. غموض يهيمن على علاقة الرئاسة بالإسلاميين
هل تعيد الثورة المضادة ترتيب صفوفها بتونس وتصنع الفوضى؟