في تحرك دراماتيكي حتى بالنسبة لمعاييره الزئبقية، أمر دونالد ترامب بسحب منظومتي صواريخ باتريوت كانتا تناط بها مهمة حماية المرافق النفطية في المملكة العربية السعودية. يرافق المنظومتين مئات العسكريين الأمريكيين الذين كانوا مكلفين بتشغيلهما. وكانت المنظومتان قد نشرتا في أواخر سبتمبر / أيلول بعد تعرض المنشآت النفطية السعودية لهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة – وجهت فيهما أصابع الاتهام للإيرانيين وإن كان حلفاؤهم الحوثيون المتمردون في اليمن هم من ادعى المسؤولية عن شن الهجمات التي أطاحت بما يقرب من نصف القدرة الإنتاجية للمملكة.
بقي الآن لدى المملكة العربية السعودية منظومتا صواريخ باتريوت موجودتان داخل قاعدة الأمير سلطان الجوية في وسط الصحراء السعودية. وهما ليستا هناك من أجل حماية العائلة الملكية ومواردها الاقتصادية وإنما لحماية ما يقرب من 2500 جندي أمريكي يتواجدون في هذا الموقع العسكري القاصي. وفيما يعتبر مزيداً من الأخبار السيئة للسعوديين، تم للتو سحب سربين من الطائرات المقاتلة من المنطقة، كما يتم حالياً تخفيض الوجود البحري الأمريكي في الخليج الفارسي.
فهل نشهد بداية نهاية حلف النفط مقابل الأمن بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، والذي ما لبث على مدى خمسة وسبعين عاماً، ولكن بشكل خاص منذ الثورة الإيرانية في عام 1979، يشكل حجر الزاوية في تعامل الولايات المتحدة مع المنطقة؟ إذا ما أخذنا بالاعتبار عادة ترامب تغيير رأيه من دقيقة إلى أخرى، وخاصة فيما يتعلق باستراتيجيته الخاصة بالشرق الأوسط، لا يمكن للمرء أن يكون على يقين، ولكن في هذه المرحلة، يبدو من المؤكد أن ذلك حاصل.
ولا أدل على ذلك من أن سحب القوات العسكرية الأمريكية يأتي فقط بعد أسابيع من تبليغ ترامب لولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال مكالمة عاصفة بأنه ما لم تخفض أوبيك إنتاجها من النفط لكي ترتفع الأسعار فإنه سيكون عاجزاً عن الحيلولة دون أن يقدم المشرعون الأمريكيون على سن تشريع يقضي بسحب القوات والتجهيزات العسكرية الأمريكية من المملكة. انصاع السعوديون بعد عشرة أيام، ولكن بسبب الوفرة غير المسبوقة وانعدام الطلب بسبب الإغلاقات الناجمة عن فيروس كورونا، لم تتمكن أسعار النفط من استعادة المستويات السابقة لها. من الواضح أن ترامب عيل صبره تماماً مع محمد بن سلمان ومضى قدماً في تنفيذ التهديد بسحب الدعم العسكري بشكل أحادي – ربما في مسعى أخير لإجبار السعوديين على اتخاذ إجراء إضافي حول خفض الإنتاج.
خلافاً لما هو مجبول عليه، كان الرئيس نفسه متكتماً بالأمس عندما سئل عن القرار، ولم يقل سوى: "لقد تم استغلالنا في كل أرجاء العالم، وخاصة جيشنا." ولكن لا ينبغي أن يساور الشك أحداً إزاء مدى سخط ترامب على محمد بن سلمان لتدميره قطاع الزيت الصخري الأمريكي من خلال قراره الأرعن بشن حرب أسعار مع روسيا في مارس / آذار. من الجدير بالذكر أن قطاع الزيت الصخري الأمريكي يوظف بشكل مباشر وغير مباشر ما يقرب من 1.7 مليون شخص، معظمهم في ولايات رئيسية يخوض فيها الجمهوريون معركة حاسمة لأن ترامب بحاجة إلى الفوز فيها من جديد في انتخابات الرئاسة في نوفمبر / تشرين الثاني. فعلى الرغم من أن موقفه العسكري الجديد المناهض للسعوديين لن يعيد الوظائف المفقودة إلى أصحابها، إلا أنه لن يضره وهو يقوم بحملته الانتخابية في تلك المناطق.
أوكل أمر توجيه التوبيخ لمحمد بن سلمان إلى مسؤولين مجهولي الهوية. فلقد نقلت صحيفة ذي وال ستريت جورنال، التي كانت أول من نشر حكاية سحب صواريخ باتريوت، عن حفنة من مثل هؤلاء المسؤولين قولهم إن سحب البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) للبطاريات المضادة للصواريخ، وغير ذلك من التقليصات، كان بناء على تقدير من بعض مستشاري البنتاغون بأن طهران "لم تعد تشكل تهديداً آنياً للمصالح الاستراتيجية الأمريكية." بمعنى آخر: إذا ما شنت إيران هجوماً صاروخياً آخر، فسيكون السعوديون لوحدهم. وهذا اعتراف خارق للعادة بأن ترامب، وأخذاً بالاعتبار أنه بدأ الآن يعتبر الصين العدو رقم واحد، لم يعد يعطي الأولوية لاحتواء إيران.
سوف يُتهم ترامب بالطبع بأنه متقلب، وذلك أنه لم يفتأ على مدى السنوات الأربع الماضية يقف إلى جانب محمد بن سلمان ويدافع عنه في كل صغيرة وكبيرة، وجازف بإثارة سخط الإيرانيين عندما أمر باغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في هجوم نفذته طائرة مسيرة مطلع هذا العام. ما يفعله ترامب في واقع الأمر هو العودة إلى ما يكنه فطرياً من مقت لأفراد العائلة الملكية السعودية – وهو الذي قضى معظم وقته كمرشح جمهوري في مهاجمة المملكة العربية السعودية باعتبارها حليفاً لا يمكن الوثوق به وباعتبارها ممولاً للإرهاب – وكذلك مقته للصراعات الطاحنة في الشرق الأوسط. ولذلك لا ينبغي لأحد أن يتفاجأ إذا ما شهدنا خلال الأسابيع أو الشهور القادمة تساهلاً في موقف إدارته من صفقة النووي مع إيران.
(ذي سبيكتاتور) للاطلاع على النص الإنجليزي للمقالة من هنا