ورثت حكومة لبنان برئاسة حسان دياب واقعا
اقتصاديا منهارا جعل قرابة نصف السكان تحت خط الفقر.
والأسبوع الماضي، أقرت الحكومة اللبنانية
خطة إصلاحية تقدمت بها إلى صندوق النقد الدولي لمساعدة البلد في ظل أزمته
الراهنة.
وتثار تساؤلات حول كيف وصل لبنان إلى هذه
المرحلة وبات في مصاف الدول الأكثر مديونية في العالم؟ وهل مساعدة صندوق النقد كفيلة
وحدها بإعادة دفع عجلة الاقتصاد في بلد صغير تثقل الانقسامات السياسية والطائفية كاهله؟
هكذا انهار الاقتصاد
باشر لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية
(1975-1990) الاقتراض لتمويل إعادة الإعمار. وأعاد بناء اقتصاد اعتمد بالدرجة الأولى
على الخدمات والسياحة وجذب الاستثمارات الخارجية، وهي قطاعات مرتبطة ارتباطا وثيقا بالوضعين السياسي والأمني وتقلباتهما، محليا وإقليميا.
في المقابل، لم تحصل إصلاحات
بنيوية في الإدارة والمرافق العامة بسبب البيروقراطية والمحسوبيات ونظام المحاصصة الطائفية
الذي تكرّس بعد الحرب.
اقرأ أيضا: فندق شهير بلبنان يغلق نهائيا جراء الأزمة الاقتصادية
تراكم الدين تدريجيا وبالتالي خدمة الدين المترتبة عليه جراء الفوائد المرتفعة، تزامنا مع انتفاخ فاتورة الإنفاق الحكومي.
ورصدت
الحكومات على مر السنوات اعتمادات مالية لإصلاح قطاع الكهرباء تعادل نحو نصف الدين
الخارجي، وفق تقديرات البنك الدولي. ويشكّل هذا القطاع أبرز مكامن الهدر، وحتى اليوم
ما زال اللبنانيون يدفعون فاتورتي كهرباء، واحدة للدولة وثانية لأصحاب المولدات التي
يستخدمونها لدى انقطاع التيار.
ازداد العجز في ميزان المدفوعات على مر سنوات
من النمو المتباطئ وقطاع مصرفي متضخم يمنح فوائد خيالية على الودائع. وتجاوز الدين
العام أكثر من 170 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي.
ومع تراجع احتياطات المصرف المركزي الذي لطالما
اعتُبر عرّاب استقرار الليرة منذ عام 1997، بدأت ملامح الانهيار المتسارع منذ عام تقريبا مع أزمة سيولة حادة وشح في الدولار.
وفرضت المصارف منذ نهاية الصيف الماضي قيودا على
سحب الدولار وتحويل الأموال. وتزامن ذلك مع انهيار الليرة التي لامس سعر صرفها مقابل
الدولار عتبة الأربعة آلاف في السوق السوداء الشهر الحالي، بينما السعر الرسمي مثبت
على 1507 ليرات.
ولعبت دورا أساسيا في هذا التدهور الاقتصادي
أزمات سياسية متتالية تخللتها حروب واعتداءات واغتيالات خلّفت انقسامات وشللا في المؤسسات
الدستورية وأرخت بثقلها على آليات صنع القرار ووضع السياسات العامة وخطط التنمية.
وبعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري
في 14 شباط/فبراير 2005، شهد لبنان انقساما بين فريقين أحدهما معارض لسوريا ومؤيد
للمحكمة الدولية التي أنشئت للنظر في قضية الاغتيال وآخر مؤيد لدمشق ومعارض للمحكمة.
وتبعت ذلك أربع سنوات من عدم الاستقرار السياسي
مع تفجيرات واغتيالات ثم حرب تموز 2006 بين إسرائيل وحزب الله. في عام 2008، شهدت البلاد
أزمة سياسية حادة تجلت باشتباكات مسلحة في مناطق عدة.
وتجدّد الانقسام عام 2011 على وقع النزاع في
سوريا المجاورة، ووقعت اعتداءات وتفجيرات حتى عام 2013. وبقيت البلاد تعيش هذا الوضع إثر انتهاء ولاية
رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان في أيار/ مايو 2014، لعام ونصف.
ويلخص مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط في أحد
منشوراته الأزمة الاقتصادية بأنها “في جوهرها أزمة حوكمة مُنبثقة من نظام طائفي يعاني
من خلل بنيوي، ما حال دون صنع سياسات عقلانية وسمح بانتشار ثقافة الفساد والهدر”.
هل توجد حلول؟
أقرّت الحكومة في نهاية نيسان/ أبريل خطة إصلاحية
وطلبت مساعدة صندوق النقد الدولي. وتأمل بالحصول على أكثر من 20 مليار دولار. وتقترح
الخطة التقشفية الممتدة على خمس سنوات إصلاحات على مستويات عدة بينها السياسة المالية
وميزان المدفوعات والبنى التحتية، وإعادة هيكلة للديون والمصارف.
لكنها تلحظ إجراءات موجعة تطال المواطنين مباشرة
على غرار تجميد التوظيف في القطاع العام وخفض عدد المتعاقدين وعدم ملء آلاف الوظائف
بعد تقاعد من يشغلها باستثناء المواقع الحساسة. وتعتمد تقدير سعر الصرف بـ3500 ليرة
مقابل الدولار.
اقرأ أيضا: صندوق النقد يستعد "لمساعدة سريعة" للبنان
وتقدم الخطة "تشخيصا" عن حقيقة الأزمة، إلا
أنها "لا تعد متكاملة"، وفق ما يشرح مدير "معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون
الدولية" ناصر ياسين.
ويقول: "هي محاولة حلّ للأزمة الشائكة عبر
أدوات مالية ومحاسبية للحصول على الدعم الخارجي عبر صندوق النقد، بينما تفرض شروطا قاسية على مستوى التقديمات الاجتماعية والإجراءات التقشفية".
وبالتالي، "ومع أخذها
وصفة الصندوق كاملة"، فإن "الفئات الاجتماعية الفقيرة والطبقة الوسطى هي من ستدفع الثمن:
مع توقع تضخم مرتفع وانكماش في الاقتصاد".
إمكانية تنفيذ الخطة
لا يبدي ياسين تفاؤلا إزاء إمكانية تطبيق
الخطة التي يرى أنها كانت تحتاج تشاورا مع فئات واسعة كونها "تعيد إنتاج الاقتصاد
وتصميم الإدارة المالية للدولة" بعيدا عن الاقتصاد الحر الذي لطالما ميّز لبنان وشكّل
عامل جذب للرساميل.
لكن باريس التي لعبت دورا أساسيا خلال السنوات
الماضية في حشد دعم من جهات مانحة للبنان، رحبّت بالخطة ودعت إلى تنفيذ فوري للإصلاحات.
ويجمع المحللون على أن تطبيق الخطة يجب أن
يترافق مع عقلية جديدة في إدارة الدولة، بعيداً عن منطق الصفقات والمحسوبيات والتسويات
القائمة منذ عقود.
ويقول الباحث في الشؤون المالية والمصرفية
في جامعة دبلن محمود فاعور إن تطبيق الإصلاحات يعتمد "على مدى تعاون الطبقة السياسية
عبر تشريعها في البرلمان"، مبديا قلقه من أن تحول "المشاحنات السياسية" دون ذلك.
اقرأ أيضا: محتجون يستهدفون مصرف لبنان في صيدا بالمولوتوف (شاهد)
وتتطلّب بنود عدة كهيكلة الدين وفرض ضرائب
جديدة وقبول دعم مالي موافقة البرلمان الذي دعا رئيس الجمهورية رؤساء الكتل فيه إلى
اجتماع الأربعاء لإطلاعهم على مضمون الخطة.
ورفضت جمعية المصارف وشخصيات سياسية معارضة،
الخطة.
ولا تتمتع الحكومة بحاضنة شعبية، ويقف متظاهرون
غاضبون لها بالمرصاد، وتحظى بدعم قوى رئيسية أبرزها كتلة عون وحزب الله الذي تعدّه
واشنطن منظمة إرهابية وحظرت برلين نشاطاته على أرضها قبل أيام.
ويقول فاعور: "يمكن للبنان أن يقف مجددا
مع إصلاح متين يحظى بدعم دولي، لكن القلق الرئيسي هو ما إذا كانت السياسة الداخلية
ستسمح بتنفيذ أي خطة ذات مصداقية".
ما هي خيارات لبنان تجاه تعثر مفاوضات صندوق النقد الدولي؟
لبنان يبدأ مفاوضات مع صندوق النقد للحصول على مساعدة
كاتب روسي: الدول العربية وقعت بفخ الديون.. هل تبيع معالمها؟