في الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي لحرية
الصحافة الذي
يصادف الثالث من أيار/ مايو من كل عام، تعاني الصحافة
المصرية والعاملون بها من تكبيل
غير مسبوق على ممارستهم للمهنة ومنع لدورها في تقويم النظام، كونها السلطة الرابعة.
واليوم، بعد نحو سبع سنوات من سيطرة النظام العسكري الحاكم على البلاد، فقدت السلطة الرابعة كل صلاحياتها، وتم غلق عشرات المواقع والمطبوعات، وعادت سطوة الرقيب
على كل المنشورات والمطبوعات، وتم تشريد الصحفيين واعتقالهم وقتل بعضهم بأماكن ومواقف
تتعلق بأداء مهامهم.
ويعتمد النظام العسكري الحاكم على عدة قوانين لتقييد عمل الصحافة؛ منها
قوانين الطوارئ، ومكافحة الإرهاب، وأقر مؤخرا
قانوني تنظيم الصحافة والإعلام، وجرائم تقنية المعلومات.
"حرية التعبير.. والخيانة العظمي"
وحول ما تبقى للصحافة المصرية من حرية ومهنية، قالت الكاتبة الصحفية
مي عزام، إن "الصحافة المصرية في غرفة الإنعاش؛ لا أحد يعلم هل سيُكتب لها النجاة
أم تقضي نحبها".
وأضافت لـ"عربي21" أن "الصحافة المهنية التي تخدم الناس
وتزيد من وعيهم بالأحداث التي تمر بهم، لا يمكن أن تقوم بواجبها دون حرية تعبير".
وأكدت أن "حرية التعبير لم تعد فقط رفاهية، ولكن أصبحت تهمة في
مصر قد تصل بصاحبها لوصف الخيانة العظمى".
وأعربت عزام عن مخاوفها على مستقبل الصحافة متساءلة: "هل يمكن
أن يتحمل الكُتاب المزيد من الرقابة، أم إنهم سيهربون للكهوف بحثا عن موضوعات بعيدة
كل البعد عن حياتنا وأزماتنا الحقيقية؟".
وأشارت إلى أنهم "يفرون بأنفسهم من مصير لن يتحملوه"، معلنة
أن "عددا من الكتاب يفكرون في الابتعاد تماما عن الكتابة"، متساءلة مجددا:
"هل تتصور حال كاتب دون قلمه؟".
وحول مدى تأثير تلك الحالة على القضايا المصرية المصيرية، أكدت الكاتبة
أنه "لا يمكن مناقشة جادة وذات تأثير لأي قضية دون حرية تعبير وشعور بالأمان".
"أحدث الانتهاكات"
وحول آخر الانتهاكات بحق الصحافة المصرية، أكد رئيس المرصد العربي لحرية
الإعلام الكاتب الصحفي قطب العربي، أن "هناك 75 صحفيا معتقلا بعد اعتقال رئيس
تحرير صحيفة البورصة مصطفى صقر، والمعد التلفزيوني أحمد علام، مؤخرا".
وأضاف لـ"عربي21": "كما حجب النظام 3 مواقع جديدة هي
(درب)، و(الشورى)، و(ديلي موشن)، إضافة لمئات المواقع والصفحات التي تم حجبها من قبل".
وأشار العربي، إلى أنه مؤخرا "زادت سطوة المجلس الأعلى للإعلام
بصورة كبيرة في الوقت الذي غاب فيه دور نقابة الصحفيين".
"قلم مقصوف وصحيفة مُغلقة"
من جانبه تساءل الكاتب الصحفي عماد أبو زيد: "هل يتمتع الصحفي بالحصانة
الكافية؟ وهل لديه حماية قانونية وتشريعات تحميه من جبروت السلطة والمال؟ وهل ظروف
عمل الصحفي مهيأة ومواتية للقيام به؟"، مؤكدا أن هذا ما تفتقده الصحافة المصرية
الآن.
وأضاف لـ"عربي21" أن "مهمة الصحافة هي البحث عن الحقيقة
وكشفها، لذلك فإن أعداء الحقيقة هم بطبيعة الحال أعداء حرية الصحافة وفي مقدمتهم الأنظمة
الديكتاتورية التي تخشى الحقيقة".
وأوضح أنه من الطبيعي "تعرض جنود البحث عن الحقيقة للمصاعب والمخاطر
والاعتقالات والقتل أحيانا؛ ولعل المتابع لوضع حرية الصحافة في العالم العربي ومصر، يصل
لنتيجة واحدة مفادها أنها تسير نحو الأسوأ".
وأكد أبو زيد أن "الحكومة دائمة التعدي على حرية الصحافة وعرقلة
الصحفيين بالقوانين المكبلة، والاعتقالات العشوائية، وتلفيق التهم بنشر الأخبار والشائعات
الكاذبة؛ تحت ستار الحفاظ على الأمن ومصلحة البلاد والوحدة الوطنية، تنتهك حرية الصحافة،
وتقيد حرية الرأي، وتعرقل دور الصحفي بكشف الحقيقة".
وأضاف: "بلغة الأرقام هناك أكثر من 500 موقع إلكتروني ووسيلة
إعلامية محجوبة، وأغلقت بعض الصحف المعارضة مع التهديد بغلق الباقي، وهناك أكثر من
53 صحفيا وإعلاميا معتقلون، بعضهم مات بالسجون".
وجزم الكاتب الصحفي بأنه "لم يبق من حرية الصحافة إلا اسمها وكل
أبناء المهنة مؤيد ومعارض شهود على ذلك"، مؤكدا أن "هذا التقييد والتكميم
ينعكس على القضايا المصيرية".
وأشار إلى أن أي مؤسسة صحفية الآن "تنتظر البيان الذى يوزع على
الصحف يوميا لتكتب خبرا وتقريرا حول موضوع ما؛ ما يجعل العناوين اليومية للصحف نسخة
واحدة".
وأكد أنه "لا يستطيع أي صحفي وكاتب مقال أن يكتب إلا بتوجيه سواء
بالاقتصاد، أو السياسة، والثروات الضائعة والأموال المهدرة، وإصلاح المؤسسات، والاتفاقيات
الخارجية".
وختم بالقول: "هذا الوضع أوصل البلاد لاقتصاد يترنح، وديون خارجية
نحو 110 مليار دولار، وديون محلية 4 تريليون جنيه، مع حقيقة ضائعة في ظل فم مكمم وقلم
مقصوف وصحيفة مغلقة".
"صرخة حقوقية.. أنقذوهم"
وضمن حملة "أنقذوهم"، خاطبت مؤسسة عدالة، ومركز الشهاب، ومنظمة
السلام الدولية، الأحد، مدير عام منظمة اليونيسكو أودري أزولاي، لإنقاذ أكثر من 60 صحفيا في سجون مصر.
وفي رسالة وصلت إلى "عربي21"، نسخة منها أكدت المنظمات الثلاثة
أن "الصحافة والصحفيون في مصر يعانون من قيود، أهمها أن المُمارسة تتم بلا حرية
وبلا تعددية".
وذكرت أسماء بعض المعتقلين مثل: "سولافة مجدي، وإسراء عبدالفتاح،
وآية محمد حامد، وحسام الصياد، ومحمد صلاح، وأحمد سبيع ، وأحمد أبو زيد، ومجدي حسين،
ومحسن راضي، ومحمود حسين، وإسماعيل الإسكندراني".
والشهر الماضي، حثّ المعهد الدولي للصحافة بفيينا، القاهرة على إطلاق
سراح الصحفيين المُعتقلين، تخوفا من انتشار وباء كورونا في السجون التي فيها أكثر من
60 صحفيا محتجزين لأسباب زائفة ودوافع سياسية.
وأكد المعهد أن مصر تحتجز الصحفيين دون تهمة أو بحجة نشر "أخبار
كاذبة" والانضمام لجماعات محظورة، وتعرّض العديد منهم للإخفاء القسري، مشيرا إلى
أن الأمر طال الصحفيين الأجانب بالقاهرة، التي كان آخر أحداثها سحب اعتماد مراسلة
صحيفة الجارديان روث مايكلسون.
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أشار الكاتب الصحفي والخبير الأممي
السابق الدكتور إبراهيم نوار، إلى معاناة الصحافة "مع إجراءات الطوارئ، وتقنين
مصادرة
الحريات الفردية، والتوسع في مراقبة الأشخاص والتجسس عليهم".
اقرأ أيضا: 26 انتهاكا ضد الحريات الإعلامية بمصر الشهر الماضي