نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء، على دور البنوك المركزية في حماية الاقتصاد، في ظل الأزمة التي يتخبط فيها بسبب انتشار فيروس كورونا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن بنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي، الذين عقدوا اجتماعاتهم هذا الأسبوع، ضاعفوا برامج دعم الاقتصاد من خلال اتخاذ قرارات جريئة لم تكن مطروحة في السابق.
ولفتت إلى تغير دور محافظي البنوك المركزية ما بين سنة 2000 و2020. فبعد مرور أزمتين اقتصاديتين خانقتين، وهما أزمة 2008 وتلك المترتبة عن انتشار فيروس كورونا، باتت البنوك المركزية حجر أساس الاقتصاد العالمي.
وذكرت الصحيفة أنه في سنة 2007، كانت ميزانيات أهم ثلاثة بنوك مركزية في العالم، وهي الاحتياطي الفيدرالي وبنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي، تبلغ 3400 مليار دولار، أي ما يعادل 3138 مليار يورو حسب سعر الصرف الحالي. وفي شهر شباط/ فبراير المنقضي، بلغت هذه الميزانية 14600 مليار دولار.
ولم يكن ذلك سوى البداية، فوفقا لمعهد بلاك روك للاستثمار، سترتفع هذه الميزانية بمعدل الثلثين خلال هذه السنة فحسب.
وأثناء اجتماعات هيئات صنع القرار (في بنك اليابان ونظام الاحتياطي الفدرالي يوم الأربعاء والبنك المركزي الأوروبي يوم الخميس)، يتعين على هذه المؤسسات المالية أن تبرهن على تصميمها على دعم الاقتصاد.
وأوردت الصحيفة أنه من بين أكثر هذه البنوك نشاطا، نجد الاحتياطي الفيدرالي، الذي ستتضاعف ميزانيته ثلاث مرات في سنة 2020.
من جانبه، يرى المدير العام لمعهد بلاك روك للاستثمار، جون بوافين، أن "خطة تعامل هذا الجهاز مع فيروس كورونا، التي تم إقرارها في غضون أسابيع قليلة، ستتجاوز كل ما قام به منذ الركود الكبير سنة 2008".
اقرأ أيضا : هبوط احتياطيات السعودية الأجنبية بأسرع وتيرة منذ 20 عاما
وفي أقل من شهرين، اشترى الاحتياطي الفيدرالي أكثر من ألفي مليار دولار من الأوراق المالية من الأسواق، معظمها ديون أمريكية، لتمويل الخطة المكلفة لدعم الاقتصاد.
ومقارنة مع ذلك، اقتصرت خطط البنك المركزي الأوروبي، الذي أعلن عن تدخل تاريخي، على ضخ ألف مليار يورو "فقط" على مدار العام بأكمله.
مدفوعات في ارتفاع مستمر
فما مصدر هذه الأموال الضخمة في الوقت الذي يعاني فيه العالم من التقشف منذ أشهر؟ في الواقع، لدى البنوك المركزية القدرة على خلق الأموال بفضل أسطر الشيفرة الموجودة في نظام المعلومات الخاص بها.
ويذكّر محافظ بنك إنجلترا السابق، مرفان كينج، بأنه "عند مواجهة أزمة، يمكن للبنوك المركزية طباعة المزيد من الأموال. وفي الحقيقة، هذا ما تقوم به منذ مدة".
وأشارت الصحيفة إلى أن الأصوليين يشددون على أن هذه المبالغ لا تعتبر خلقا نقديا بأتم معنى الكلمة، طالما أن البنوك المركزية تشتري السندات، وهي صكوك الدين الصادرة عن دولة أو شركة.
عند انتهاء صلاحيتها، سيتم سدادها وستُخفض الميزانية وفقًا لذلك. لكن تخالف الحقيقة ذلك، إذ تشهد هذه المدفوعات ارتفاعا مستمرا.
فعلى سبيل المثال، لم تنفك ميزانية بنك اليابان، الذي انخرط في شراء الأوراق المالية منذ 20 عاما، عن التضخم. فحين تنتهي صلاحية سند ما، يعيد البنك وبشكل فوري استثمار المبلغ من خلال شراء سند جديد.
وتطرقت الصحيفة إلى الدور المحوري الذي تلعبه البنوك المركزية، حيث يحتفظ البنك المركزي الأوروبي بنحو 20 بالمئة من الدين العام في منطقة اليورو، وهي نسبة قابلة للارتفاع. لقد لجأت البنوك المركزية إلى حلّ يتعارض مع الممارسات المالية الحديثة، وهو التمويل المباشر للحكومات.
ولكن يبدو أنها لم تتعظ من التضخم الذي شهدته ألمانيا في عشرينيات القرن الماضي، الذي دفع إلى التنصيص على منع الممارسات في المعاهدات الأوروبية منذ إنشاء اليورو.
وأكدت الصحيفة أنّ شراء البنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية الأخرى للسندات من الأسواق المالية وليس من الحكومة كانت الغاية منه تجنب تبعات التضخم، ولكن النتيجة هي نفسها تقريبا؛ فكثيرا ما يشتري البنك المركزي الأوروبي الأوراق المالية بعد مدة وجيزة من إصدارها.
"العوائق السياسية"
حذرت الصحيفة من تضاؤل نجاعة استراتيجية البنك المركزي. فعند شراء السندات لخفض أسعار الفائدة التي يفرضها السوق، تعمل هذه الآلية على نحو جزئي على غرار معدلات الرهن العقاري، البالغة 1 بالمئة في فرنسا.
لكن وجهت معظم الأموال التي تم ضخها إلى الأسواق المالية وإلى دعم أسواق الأسهم دون تقديم مساندة حقيقية للاقتصاد.
وأكدت الصحيفة أن البنوك المركزية تحاول توليد حلول جديدة لحل المشكلة مثل شراء الدين العام وزيادة عدد عمليات شراء سندات الشركات.
ومن جهته، يستحوذ بنك الاحتياطي الفيدرالي على سندات الدين العقارية ويستعد لشراء الديون التي تقع على كاهل البلديات، إلى جانب تفعيل الإقراض المباشر للشركات.
إن تنفيذ هذا البرنامج بالتنسيق مع الحكومة الأمريكية يطمس الحدود بين السياسة النقدية وسياسة الميزانية، وهو إجراء مشابه لـ "مال المروحيات" الذي يقضي بتوزيع الأموال مباشرة على الأشخاص.
أما بنك إنجلترا، فقد اشترى السندات مباشرة من خزانة المملكة المتحدة من أجل "تخفيف التدفق النقدي للحكومة".
وحيال هذا الشأن، علقت نيكولا ماي من شركة "بيمكو" المالية الأميركية على ذلك قائلة إن "هذا الإجراء ليس فعالا بالقدر الكافي".
وأفادت الصحيفة بأنّ عديد الأصوات تعالت لتفعيل سياسة "مال المروحيات". لكن أشارت ماي إلى صعوبة تفعيل هذه السياسة في أوروبا نظرا للقيود السياسية وصعوبة التنسيق.
ويؤكد م. دوكروزي أنّ البنك المركزي الأوروبي بُني وفقا لنموذج البنك المركزي الألماني، من خلال اتباع مبدأ نقدي صارم للغاية. ومنذ الأزمة المالية لسنة 2008، أجري تحوير داخلي لكن حظر التمويل المباشر يبقى المهمة الأصعب.
وأشارت ماي إلى أنّ البنك المركزي سيكون دائما في حالة تأهب إذا حدثت أزمة. ولا شك أن البنوك المركزية في أوروبا وفي أي مكان آخر في العالم تمثل ركيزة الاقتصاد والملاذ الأخير.
إندبندنت: جامعة أمريكية بدأت بفحص لقاح جديد ضد كوفيد-19
إيكونوميست: تداعيات خطيرة على السعودية بسبب كورونا والنفط
توصيات جديدة لـ"أقنعة الوجه".. وأمريكا تواجه هذا السيناريو