لن تخرج الاحتمالات الخاصة بتمرير الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، عن هذه الاحتمالات؛ إما أن ينجح الرجل فيما فشل فيه سابقاه محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي، ويصل إلى التشكيلة المناسبة ليتم تمريرها عبر مجلس النواب العراقي، خلال الأسبوع المقبل، أو إن يحتاج إلى مزيد من المشاورات خلال المدة القانونية المحددة، والتي تنتهي في التاسع من الشهر المقبل، أو يلحق بسابقيه.
ومع كل ذلك، فإن قراءتي للمشهد العراقي
تقول إن مؤشرات تمرير حكومة الكاظمي قد تكون عالية ومرتفعة، ولكنها لن تساهم -على
المدى الطويل- في حل الأزمة المحتدمة في العراق، التي تكرّست منذ الغزو العراقي في
أبريل 2003، وتفاقمت مع مرور الأيام حتى وصلت إلى حالة العجز الكامل للطبقة
السياسية على مجرد الاتفاق على اسم رئيس جديد للوزراء، منذ استقالة عادل عبدالمهدي
في نوفمبر من العام الماضي، أي خلال ستة أشهر، فلجأت إلى ما يمكن تسميته بـ «مرشّح
التسوية»، كما وصفه أحد قيادة التيار الصدري، أو اللجوء إليه في حالة «اضطرار.
ويؤيد ذلك أن الكاظمي كان، منذ لحظة تقديم
عبدالمهدي استقالته، هو الخيار الأفضل لرئيس الجمهورية برهم صالح، والذي رفضته
المكونات السياسية الشيعية منذ البداية، ونتج عن هذا الرفض استهلاك نصف عام،
والإخفاق عن التوافق حول اثنين من المرشحين السابقين، مما يؤكد أن الأزمة في
العراق أكبر وأعقد من مجرد الوصول إلى اسم رئيس وزراء مؤقّت.
المؤشرات تتحدّث عن أن الكاظمي قد ينجح في
تمرير تشكيلته الحكومية، فالاعتراض الوحيد عليه من تحالف «سائرون»، المدعوم من
قِبل زعيم التيار الصدري فقط، والذي اعتبرت أن ترشيحه للخروج من مأزق وليس نتيجة
توافق، بينما العوامل التي تؤكد أنه سينجح عديدة؛ منها حضور عدد من القيادات
وممثلي المكونات السياسية جلسة مراسم التكليف، ومنهم عمار الحكيم زعيم تيار
الحكمة، وهادي العامري رئيس تيار فتح، وفالح الفياض مستشار الأمن القومي، ورئيس
قوات الحشد الشعبي، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي رئيس أكبر المكونات السنية في
البرلمان، وممثل عن الأكراد، وآخرين.
وهذا يعني ببساطة أن الرجل
حصل على موافقة مبدئية، يضاف إلى ذلك الدعم السريع نتيجة علاقاته الطيبة مع
السُّنة ومع الأكراد؛ حيث يعتبره البعض عنوانا للتوافق، كما أنه يحظى بعدم ممانعة
من الشيعة، على الرغم من اتهام كتائب «حزب الله» له بتسهيل عملية اغتيال قاسم
سليماني، فإنه في الأيام نفسها، زار علي شمخاني مستشار الأمن القومي الإيراني
بالعراق، والتقى الكاظمي بحكم منصبه، في إشارة لاستبعاد إيران اتهام الرجل، كما
أنه -بحكم المنصب- من الضروري أن تكون علاقاته طبية مع واشنطن، في ظل التعاون بين
الأجهزة الأمنية في البلدين، خاصة أن واشنطن أحد أهم اللاعبين على الساحة العراقية.
كما أن التسريبات الخارجة من العراق وصلت للحديث عن تركيبة وتوزيع الوزارات، والتي
يصل عددها إلى 22 وزيرا، نصيب الشيعة فيها 11 وزيرا، منها وزارات سيادية كالخارجية
والداخلية والنفط، و6 وزراء سُنّة، وثلاثة للأكراد والمسيحين والتركمان، كلّ منها
وزارة، ناهيك عن تسريبات تتحدّث عن قوائم بأسماء المرشحين، مما يعني أن الأمر وصل
إلى مرحلة الاستقرار على الأسماء التي اختارها الكاظمي بنفسه، لو رشّحتها المكونات
السياسية.
وبكل المقاييس، فإن مهمة
الكاظمي ليست سهلة، بافتراض تمرير وزارته، فعليه الحصول على قبول من المحتجين في
الشوارع، وإعادة تنظيم هيكلة الدولة العراقية، وإنهاء وجود العراق في ساحة
التجاذبات بين إيران وأمريكا، ناهيك عن الملف الاقتصادي، وأضيف إليه الملف الصحي
بعد «كورونا»، مع الوضع في الاعتبار أن حكومته مؤقتة لديها مهمتان أساسيتان، بفعل
التوافق منذ استقالة عبدالمهدي، هو التوصل إلى قانون انتخابي جديد، والإعداد
للانتخابات المبكرة في نهاية العام المقبل.
(العرب القطرية)