هاجمت نقابة المحامين في أنقرة، رئيس
الشؤون الدينية التركي علي أرباش، بسبب تحذيره من الشذوذ الجنسي، وأصدرت بيانا تتهمه فيه بــ"التحريض على الكراهية والعداء". كما قالت جمعية حقوق الإنسان في العاصمة التركية إنها سترفع دعوى قضائية ضد أرباش، بذات التهمة. وكان أرباش في خطبة الجمعة الماضية تطرق إلى أن الشذوذ الجنسي يسبب الأمراض ويدمر الأجيال، مؤكدا أن الإسلام يحظره ويدينه.
الهجوم الشرس الذي تعرض له رئيس الشؤون الدينية التركي بسبب تحذيره من الشذوذ الجنسي والمثلية، أثار تساؤلات عديدة، مثل: "من هؤلاء؟"، و"ماذا يريدون؟"، و"لماذا الآن؟"، لأنه جاء في شهر رمضان المبارك، واستهدف الإسلام الذي ذكر أرباش حكمه في الأمر، كما استهدف الدولة التركية التي يمثلها رئيس الشؤون الدينية، أعلى منصب ديني في البلاد.
نقابات المحامين، وجمعيات حقوق الإنسان غير الحكومية، وغرف المهندسين والمعماريين، وغيرها، معظمها من أدوات "
تركيا القديمة" في ترويض المجتمع وتوجيهه، وتسيطر عليها القوى
العلمانية المتطرفة والفاسدة التي تحلم بالعودة إلى الأيام التي كانت تفرض فيها وصايتها على إرادة الشعب التركي. وهؤلاء، على الرغم من أنهم فقدوا نفوذهم إلى حد كبير في "تركيا الجديدة"، إلا أنهم ما زالوا يتصرفون بين الفينة والأخرى وكأنهم يعيشون في أيامهم السابقة. وما الهجوم الذي شنوه ضد رئيس الشؤون الدينية إلا ثمرة العقلية الاستعلائية التي شبُّوا عليها ولم يستطيعوا أن يتخلصوا منها.
البيان الذي نشرته نقابة المحامين في أنقرة لقي استنكارا واسعا من المجتمع التركي وأحزابه السياسية، باستثناء حزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني. ودافع رئيس الجمهورية التركي رجب طيب
أردوغان عن أرباش، مشيرا إلى أن رئاسة الشؤون الدينية، وليست نقابة المحامين، هي الجهة المخوَّلة في البلاد بالتصريح في الشؤون الدينية.
العلمانيون المتطرفون في تركيا دأبوا منذ سنين في الإساءة إلى الإسلام والمسلمين بوقاحة في شهر رمضان المبارك ليفسدوا أجواء الشهر الفضيل. وكانوا قديما ينشرون في وسائل إعلامهم تقارير كاذبة عن تعرض مواطنين للضرب بسبب إفطارهم في نهار رمضان، من أجل التحريض ضد المتدينين الصائمين وتشجيع الإفطار في الشوارع أمام الجميع، لإظهار التحدي وعدم الاحترام للشهر المبارك. وبالتالي، لا غرابة في دفاعهم عن الشذوذ الجنسي دون أي احترام لأجواء شهر القرآن والعبادة.
هجوم هؤلاء على رئيس الشؤون الدينية تزامن أيضا مع الانتقادات الموجهة إلى رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، بسبب توزيعه على الأطفال الصغار مجلة تحتوي على صورة تظهر أربعة أشخاص جالسين يمثل كل واحد منهم ديانة، في إشارة إلى التعايش، إلا أن إظهار العلوية كدين من الأديان المشار إليها في الصورة، إلى جانب الإسلام والمسيحية واليهودية، أثار ضجة كبيرة، لأن هذا الطرح يهدف إلى إثارة الفتنة الطائفية في البلاد.
ويوحي الهجوم الذي شنه العلمانيون المتطرفون المؤيدون لرئيس بلدية إسطنبول الكبرى، ضد رئيس الشؤون الدينية التركي، بأنه رد على الانتقادات الموجهة إلى الأول، وكأنهم يقولون: "هذا بذاك، وإن استهدفتهم إمام أوغلو من خلال إثارة تلك الصورة فنحن بدورنا نستهدف أرباش".
العقلية المتوحشة التي تمثلها نقابة المحامين في أنقرة، ترى أن من حقها أن تقرر الحلال والحرام للمسلمين، ولذلك تتجرأ على انتقاد رئيس الشؤون الدينية بسبب تحذيره من الشذوذ الجنسي، وتعتبر هذا التحذير "تحريضا على الكراهية". وكانت ذات العقلية سبق أن هاجمت رئاسة الشؤون الدينية بسبب خطبة تحذر من مسابقات اليانصيب، وإن استسلمت لها الحكومة اليوم فستطالب غدا بأن لا يتطرق الأئمة في خطب الجمعة إلى حرمة الزنا والخمر والربا، وما إلى ذلك من المحرمات.
هؤلاء الذين استهدفوا رئيس الشؤون الدينية يستمدون جرأتهم على ذلك من وقوف حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، إلى جانبهم، بالإضافة إلى الدعم الخارجي الذي يتلقونه من الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وكان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، قد صرح في أيلول/ سبتمبر الماضي، بأن واشنطن أرسلت إلى الجمعيات الناشطة في العاصمة التركية للدفاع عن الشذوذ الجنسي والمثليين 22 مليون دولار بحجة دعم الحريات.
تركيا اليوم ليست تلك الدولة التي كانت القوى العلمانية المتطرفة تسيطر على كافة مفاصلها وتفرض وصايتها على إرادة الشعب التركي بأدواتها المختلفة. ولذلك فتحت النيابة العامة تحقيقا في حق نقابة المحامين في أنقرة، بتهمة الإساءة إلى القيم الدينية، كما رفع رئيس الشؤون الدينية دعوى قضائية ضد النقابة، ليعرف هؤلاء أن تركيا ليست ساحة مفتوحة ليصولوا ويجولوا فيها كيفما يشاؤون.
twitter.com/ismail_yasa